خالد بن علي المعمري
(1)
اتّفقنا أنْ نخدعَ الشجرةَ
أنا أهجمُ من الأمامِ
وأنتِ تتسلّلينَ من الخلفِ
ثم نُعلّقُ بالونًا أحمرَ
في غصنها الكبيرْ.
في كلّ مرةٍ تفشلُ المحاولةُ
أنتِ لم تتسلّلي بعد،
والشجرةُ نائمةٌ،
وأنا أُفكّرُ ماذا سأفعلُ الآن؟
(2)
ناقصةٌ هذه الأرجوحةُ
ناقصةٌ..
بلا حبلينِ، وبلا طفولةٍ.
(3)
تَكَسَّرَتِ المرآةُ
لم أنظرْ لها منذ عامٍ تقريبًا
كنتُ منشغلًا بقراءة قصائدي للعصافيرِ
عندما ذكرتُ اسْمَكِ
باغَتَها الحنينُ..
أنا هنا
واقفٌ أمسحُ الكُحْلَ
من ذاكرةِ عينيكِ
أَسْتَلُّ صورةً للحظةٍ صباحيةٍ
كوبُ الشايِ في يَديْ
وأصابعُكِ تعبثُ بأزرارِ القميصِ
يومَها صِرْتُ عازفَ نايٍ
هل تذكرينْ؟
(4)
الدمعةُ التي نَزَلَتْ من عينيكِ
نَبَتَتْ منها شجرةٌ
وأنا
هَشَشْتُ منها لغنمي اليومْ.
(5)
لا يهمُّ إنْ كنتُ أعزفُ للبحرِ أو للرملِ
المسافاتُ بيدَيْكِ،
صوتُكِ كان نغمةَ شوقٍ
أَطلَّتْ من نافذةٍ قديمةٍ
أنا حائرٌ أمام طللٍ
لا أدري
مَنْ بكى عليه مِنْ قبلْ،
غير أنّني
تذكّرتُ قُبلةً كانتْ،
أيقظَتْ نخلةَ جدّي
وأَلْقَتْ بأغاني الطفولةِ في بئرِ الحياةْ.
(6)
الذاكرةُ
التي ابْتَكَرَتْها امرأةٌ
لا تشيخُ أبدًا
مثلُ قاربٍ
يخشى الخروجَ منَ الماءِ.
(7)
القمرُ مُعَلّقٌ في السماءِ
يُطلُّ على البحرِ،
مشغولٌ بأعينِ الناسِ إليهِ
بكاميراتِ المُصوّرينَ
وكلماتِ الشُّعراءْ
أما البحرُ وحيدًا
مشغولٌ بخطواتكِ على الرملِ
يتقدّمُ خطوتينِ
ويرجعُ خطوةً
مبتسمًا،
حالمًا عند قدميكِ.
(8)
إلى امرأةٍ ذاكرتُها شجرةٌ
أكتبُ:
نسيتُ أنْ أُحبّكِ اليومَ
فلا تتركيْ الغناءَ.
(9)
– ماذا قالتِ العُصفورةُ للشجرةِ
حتى حلّقتا معا؟
– أليس الحُبُّ مفردةً
زعمَ الرواةُ بأنّها وُلدتْ
مِنْ معجمِ الذَّنبِ؟
(10)
الأيامُ التي جَمَعَتْنا صارتْ شجرةً
الذّاكرةُ صارتْ شجرةً
أنتِ كُنتِ شجرةً تُغني للضوءِ والمطرْ
والموسيقى في الدَّفترِ لا أعرفُها
عَزَفَتْها أغنيةٌ قديمةٌ
لامرأةٍ كانتْ تُراقصُ شجرةً
تُشبهكِ تمامًا.
بفستانٍ أحمرَ،
وحذاءٍ أحمرَ كنتِ تختالينَ على العشبِ
عندما أَيْقَظْتُ النجومَ
لتُطلَّ عليكِ
كنتِ والشجرةَ في وداعٍ أخيرْ.
هذه المعزوفةُ
وُلِدَتْ من دمعةٍ ذابلةٍ
لجذعٍ يابسٍ
في مكانٍ مهجورٍ
تزورُهُ رائحةُ عطرٍ قديمْ.