إريكا شاعرة وروا ئية أمريكية. صدرت روا يتها الأولى "الخوف من الطيران " في عام1973 وكانت على قائمة أكثر الكتب مبين، فتوالت طبعاتهأ تباعا ثم اتبعتها بررايتها الثانية "كيف تنقذين حياتك " وحظيت هذه الرواية أيضا بإقبال منقطع النظير مثل روا يتها الأولى.، وبعدها صدرت لها تباعا روايات أخرى عديدة.
لكن إريكا هي شاعرة قبل أن تكون روائية.؟ يلمس قاريء رواياتها "النفس الشعري " المتواصل في معظم صفحاتها- كما لا يزال "الشعر" أحد همومها وهو أيضا من أهم انجازاتها الأدبية وقد صدرت لها عدة دواوين شعرية أعيد طبعها عدة مرات، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر لأفواكه وخضراوات " و"أنصاف حيوات" و"جذور الحب" و"على طرف الجسر"
تقول إريكا في هذا الصدد "بالرغم من تضاؤل عدد قراء الشعر، وعدم ترحيب دور النشر بهذا اللون من الأدب، الا أنها تدين بالشكر لعدد من الاشخاص لاسيما جلاديس جوستين كارGladys Justine carr ووليام شانكرW.Shanker وغيرهم من العاملين في مؤسسة هاربر كولينسز العالمية، لشذوذهم عن القاعدة وتواصلهم في نشرهم الدواوينها وتضيف الشاعوة قائلة "في اللحقات الأكثر حرجا التي تصادفنا في رحلتنا الحياتية، نلجأ الى الشعر- ملاذنا الأخير، جسر خلاصنا- فهو الواحة التي يؤوب إليها المتعبون، ليستظلوا تحت أغصان اشجارها الوارفة. فلاننا وحدنا الجنس المميز في هذا الكون الذي يستمتع بجمال الكلمة وسحرها، فتجزينا الخلود.
تم تستشهد بعد ذلك بقول توماس ناش 92 5 1 أحلى معاصري شكسسبير الذي وصف الشعر بأنه يشبه العسل المصفى، خلاصة رحيق جميع الأزهار، وهو أيضا مختص للعلوم والمعارف كلها- وهو أيضا لب الكلمة ونخاعها… وفوق ذلك كله انه " لغة الملائكة".
ويتميز شعر إريكا بموسيقى داخليه عارمة وبصدق تجربته. وتكاد كل جملة في قصائدها مهما قصرت أن تحمل في ثناياها ذبذبات ساحرة راقصة، يتلقاها ويتفاعل بها ومعها قاريء شعرها.
القصائد المترجمة هنا، مختارة من معظم دواوين الشاعر" وهي تترجم الى العربية لأول مرة.
فرعونيات
" أبو الهول " آنا ،
امرأة مدفونة تحت
الرمال حتى الرقبة،
بانتظار أن ينقب
عني، ويحفرني
عالم من علماء الآثار
لعله يعثر على عنقي
ونهدي..
بانتظار أن يكشف عن
مخالبى
فيعرضها كلها
ويحل بها لغزي
المغلق،
منذ عهد "أوديب "
مدفونة أنا في مواجهة
أهرامات
تشرئب أعناقها كنهود
مزواة
مقتطعة من جسد
مصرالصلب
نهري عميق الأغوار
تعشقه كل امرأة
دلتاوية
تنسابط مياهه في
انحدار شديد..
مملكة سفلى أنا،
خصبة التربة
داكنة السمرة كأفذاذ
الاميرات النوبيات
لماذا قدمت صديقي الى
مصر؟
مازال "آتون " على عدائه
مع يهوه،
ولا يزالان يثرثران
حول عقدة الذنب
ولن يخمد الصوت القادم
من أعماق البركان!
ديانة الموت، امرأة تدفن حية
تحت أنقاض الرمال،
ذراتها تتطاير فوق رأسي
عبرآلاف السنين
" جنسي " صحراوية
"شعري" أثلام لجج بركانية
وشفتاي لا تزالان في عذريتهما
لم تدركا طعم اللذة..
لن يغرق "نهدا " الأهرام، على ضخامتهما
ففي وسط كل واحد منهما،
دفن ملك ما، في غرفة قاتمة الظلام
وحفظت داخل نفق ما، رميم عظام
وسبائك ذهبية
نذرت بلعنة فرعونية
تحديق
أمرفئك، حيثما تكون:
وآنت تحدق في الضوء عبر النافذة،
وأرسيك في عالم حالم
ظلاله داكنة
حبي لك يفتح آفاقا شاسعة
يشرع لعينيك حرية التنقل
وممارسة شتى أنواع المراقبة،
حبك اليحررني، سيف من ضوء القمر،
لذائذ حمائية خالصة،
دماء سفحت بلا مقابل..
حبك يشحن في عيني
طاقة كهرمغنطية خفية،
راداراتها، تلتقط نزواتك المتقصية المتعثرة،
تمغنط قلقك الفاضح اللامستكين..
لكن البحر، الآن،
المدينة،السماء،
تجلوا، كما طير على أيك،
كشفتهم بوضوح بالغ، عدسة الرائي..
أطيل التحديق في النار،
أراقب وهج شعلتها الحمراء
وأنا أجنس، على عتبة طرف الكون..
خبر بارد
مثل خبز ساخن أنهض صباحا من فراشي
في أمريكا
رائحة خبيزي تصل إليك في ايطاليا
وأنت تهدهد قاربك
أو يهدهدك في "بونتيه لونجو Ponte Longo"
متجاوزا شعشعة نور قمر ألأمس
على قناة ضرجتها حمرة الشمس
بفضلك، خبازي الرائع
هبت رائحة هذا الخبز الساخن،
قسمت الرغيف، نصفين، بيديك
طليته بالزبدة،
طلبت من القمر مواصلة تغلغله مع منه
أليشابه لون السماء، في الخليج البارد
طلبت ان تبحر في حياتي
أن تفصل مياهها عن الغير،
وأن توحدها، وحدة متكاملة!!
ها إنك تجيئني الآن، الى هنا،
نصفك قبطان، ونصفك الآخر خباز
ورائحة خبزك تتجاوز المحيط الذي نتقاسمه..
المطر وطني
طوال حباتي وأنا أمقت الشماسي
تحديت المطر في طفولتي وفي مراهقتي
ألمح تفتح أقواس قزح
في برشوتات السماء الكابية
تساقط على رؤوسنا في الأيام الماطرة
أهرول وأن أصغي الى غناء العجلات
في الطرقات المشعة
أعشق دبيب انهمار المطر
استسلمت في زمن ما لقدري
للمطر،
لموسيقى باخ،
تنهمر برقة ونعومة قي أذني
تعلمنى اللاخوف
إليك أقدم صديقي إذن هديتي:
"هذا المطر"
على قارب مزجج القاع
على قارب حياتنا المزجج قاعه، نتسكع،
نحدق في ذلك العالم الاخر- عالم ما تحت الماء-
تموج فيه أسماك صبغت أذنابها بالصفرة..
قواقع بحرية غريبة الأشكال
تشبه كواكب سوداء
تستطيع إهلاك أسماك أخرى كثيرة، متواجدة معها بالتهامها لها..
أسماك نيونية الزرقة،
وأخرى بلون الفضة السائلة..
ثم نمضي.. ونمضي ونمضي..
نعلق أعيننا الى أسفل
صوب أسماك لا ترفع أبصارها نحونا،
لترمق وجوهنا،
كأنها تدرك بطريقة ما
أن عالمها خالد لا محالة
وأن عالمنا زائل لا محالة
المحرك يواصل ترداد تمتماته
دليننا: فتى رقيق الطباع،
بشرته سمراء داكنة
جسده يشبه شوكولاته مذابة
يسألنا في براءة عن أسعار "الجينز"
ورسوم الاشتراث في مراكز " التدرب على الكاراتيه " وعن شتى أنواع الرياضات الأخرى..
انه يرغب هو الآخر، في الابحار.. في الابحار..
لا أن يتسكع عبر العالم
وهذا ما نرغبه نحن أيضا:
أن نمارس حريتنا كممارسة الأسماك لحريتها
في عالمها- ما تحت الماء-
راغبين فما التعرف، على شقوق قارب غارق
بثقوبه الصدئة، وهيكله المضلع الضخم
ومجدافه التالف، ومرساته المتاكل لالئها
تحت ماءالبحر..
حطام مقصود: هذا ما نتوقع أن نبصره
لكن الاسماك تزاول عومها تحت الماء..
تؤاخي الموت
تؤاخي الفضاء الخارجي
تؤاخي حتى المحيطات في داخل أجسادنا-
التي منها انبثقنا
الأسماك لا تكترث لوجودنا
لكن " القرش " يتربص بنا
كما نتربص نحن به.
نحلوقات ما تحت الماء تتهجأ الموت
تتهجأ الحياة
تتهجأ الخلود
ومع ذلك نمضي في تسكعنا، لا مبالين
على قاربنا الصغير، المزجج القاع-
نصف الطريق الى هناك
ونصفها الآخر الى هناك أيضا
الى مرآة عبر المحيط
عندما ندرك حقيقة أنفسنا، نغدو مثل باب متأرجح
نفسي ضجرة من نفسى الغاوية:
بلعبها
بمخاوفها
بذكرياتها الغاتمة
بوجبات طعامها المألوفة- محدودة السعر-
وغوايا تها
(غدت هي الأخرى أليفة غاويها)
فضجرمنها
ضجر من صورته تمرئيها له مرآة الحائط
ضجر بغتة من قبل أن يقنع نفسه
ويتوجه "صوب انحراف النفس "، هذا الجديد،
ليرده، في الواقع، ثانية الى نفسه
النفس: سجن
الحب: جواب وباب
والنفس: باب متأرجح
يسمح بدخول العشاق إليه
و الخروج منه
التغيير علامة هذا العالم الثابتة
كيف نقف الى جانب الحب
الذي يخادع، غالبا، المخادع
ويغويمما الغاوي
يخرجه عن إطار جسده
وروحه
وحالته
وطبيعته
فلا يعود حبا..
اهترأنا
استنفدنا
طلقنا من أنفسنا
دون أن نعثر عليه
رغم نشداننا للتكامل
وسعينا وتوقنا إليه
ان لم يك عبر ذاك الثبات
فلأجل بلوغ الانسجام-
إن تكن الحياة طوفانا بلا قوس قزح
فأنى لنا العثور على حيوانات
تمشي اثنين اثنين
أرفض أن أصدق
تآكل اللحم عن العظم وسقوطه عنه،
اذ لا منطق ولا سبب لذلك
أرفض أن أصدق أننا سنخلي هذا العالم
ونمضي وحداء بلا رفيق
فكم من لامبالاة- عبر المحيط-
أخي الشاعر يرتفع صوت سعاله
يحاول أن يجلو حلقه (انه يدخن كثيرا)
يحدق في أعماق آلته الكاتبة، الغائمة
التي تشبه كرة كريستال
ولا أدري كم تكدس في أحشائها من ظلمة
لكنني أحب ما تلفظه حروفها من أفكار
محاولا عبثا القفز الى "مستقبله "
انتهى الاصحاح وأقفل عليه،
الافاعي تخلع جلدها من جديد
الالهة تبتسم،
ترسل رسالاتها
الى الشجعان..
الى الشجعان فقط.
السجينه
قفصي هوجسدي، يطبق على نفسي
كلماتي تدير رتاجه..
سبحان أنا:
مفاتيحه تدندن حين يحركها
مساعد جلاد أنا:
يوميء برأسه، يبتسم
يتظاهر أنه غير مسؤول
كاتب أنا
يوقع لحظة الموت،
يمهرها بخاتمه..
خادم مطيع أنا
ينفذ الأوامر
(لا، لست مفوضا)
أنا الزائرة تحمل كعكة
عجنت ببرادة الحديد،
بزاقة صفراء اللون أنا
أتماوج بين القضبان
أتحدث مع جلادي،
عن الحبالى وأنواعها
وأعواد المشانق وأشكالها
أثرثر مع الكهربائي،
مباشرة او بالتناوب-
عن التيارات والشرارات،
رائع جدا..
أمالئه، أوهمه انه جذبني بسحره ووسامته
أتحدث مع كبسولات "السيانيد"
أطمئنها عن مفعولها الحاسم والقوي
أقول لها: ستحققين في يوم ما،
ما تصبوين إليه
أقرأ رواية البواب المرعبة
أوصي أحد الناشرين بنشرها
أضاجع خبير "تنقيص الوزن
دائم الجوع للجنس "
أضاجع الجلاد
أطمئنه انه عاشق عظيم
سجينة مثالية أنا..
أحصد الجوائز لسلوكي المهذب
خففوا من محكوميتي الى 99 سنة فقط
فغدت كقطعة جاتو، حشيت بالكريم المخفوق
وأدين لهم بالمعروف..
لكن، ما من أحد يذكر
أنني أنا الذي أقمت هذا السجن
وأعليت بناء زنزاناته
لا أحد ينكر مسوداتي وخططي
وطرقي الثابت، وأحلامي بالهروب اللذيذ
لا أحد يذكر اضمحلالي شيئا فشيئا
بصبرجميل
جلد جسدي يشحب لونه
يغدو كصفحات الكتب القديمة الصفراء
شعري يبيض،
لا أحد يستطيع أن يتذكر أول جريمة
اقترفتها
وقد أعدت لي مسبقا،
والتي من أجلها
ولدت..
أمي
رماد يساقط على سطح منزلي!!
أمي، كم لعنتك في قصائدي؟
في السكون المشبع بدم الغبار،
وضباب دخان المصافع،
يساقط كتلا من رماد داكن فوق خزانات المياه
أمي!! أوسعتك لعناتي كلما تنشقت رائحة الفرح
تنبعث من معطف جلدي
ويا أكثر ما عانيت من الحسرات،
كفقمة ولدت للتو، على أرض جليدية
وقد ضرجت بحمرة دماء أمها،،
أوسعتك لعناتي يا أمي وأنا أصلي،
وأنا أسير على رصيف اسمنتي يعلو الشارع
أوسعتك لعناتي لأنك حسدتني وبخست انجازاتي أبصرتيني في خيالك،
فكنت أثيرتك، رغم إنزالك العقاب علي..
بحثت في قصائدي عن شكل يشابه شكلك
من غير أن يدرك أحدنا
عما يفعله واحدنا بالآخر
معا عشنا، في جلد واحد
تقاسمفا معاطف الفرو
أبغضنا بعضنا بعضا
كبغض الروح للجسد، لوهنه
وبغض العقل- للمعدة- دائمة الطلب للغذاء
نقبت بغيرة حبيب على حبيبته، في جيوب النظريات
كما ينقب وليد الكنغجرو، في جيب أمه
صدقت كل ما قلته لي وتحدثت به
عن " دارون " و" شو " و" ماركس " و" تولستوي " أقسمت أن "مونييه " أفضل من "بوش "
تقولت النافل من الكلام لكي أدخل السرور الى
قلبك
فاتخذ فعلي هذا "شكله الحقيقي "
وغدا سر خلافي معك
وبداية معاركي الطاحنة ضدك..
تحاربنا بضراوة، كتوأم متنافري الطباع
كرجل يحارب ظله، المؤتمن على سره
وافترقنا..
كانت الفرقة حقيقة لا خيالا،
تعاظمت مع زمن غادر لاشفاء منه،
وظلت معلقة في الغيب
كطفل معلق في رحم أمه
الامهات تتساقط واحدة تلو الأخرى..
المحبون ينسحبون من ساحة العشق،
الأطفال يكبرون، تقصر ثيابهم
البعض يصاب بمرض السير في المنام
ويصاب البعض الآخر بلوثة الشعر
يعتكفون في ليالي أرقهم
يثلمون أقلامهم
يقدمون خدماتهم لربات شعرهم
نهضت لأقدم لنفسي فنجان قهوة ساخن
عانقتك غيابيا
لعنت لعناتي التي لعنتك
عملت على تلطيف الأجواء
وها إني أجلس الآن،
أكتب قصيدتي إليك،
أتنفسك
ملء رئتي.
ترجمة:نويل عبدالأحد(شاعر ومترجم يقيم في لبنان)