حينما رضعت سحابة ظننت كل السحب أمهات لي!! فامتطيت ظهر إحداهن، وتوسدت حضن الأخرى، ولثمت صدر أكثرهن امتلاء.. ونمت.
لم تكن خمس رضعات مشبعات.. !! بل كانت خمساً وخمسين.
أمي تقول إنها مئة رضعة مشبعة بدليل نهر اللبن الممتد من فمي حتى السرة.
أمضيت حولين كاملين أعب من ضفة النهر فوق السرة عن اليمين ولم أرو.. فنوت أمي فطامي وبكيت..!!
لم تصرّح لي بنية الفطام.. بل أدركت ذلك حينما عزلتني عن أمهاتي السحب في غرفة قزحية الألوان.. سداسية الشكل.. بسقف سماوي متموج.. وإضاءة خافتة لا تمكنني من رؤية إبهامي الأيسر المدبب.. ذي الظفر النافر لأرضعه، ريثما تستدل على مكاني سحابة ذات صدر ممتلئ بحلمتين نافرتين تلقمني إحداهن هذا العام كله.. وأدّخر الحلمة الأخرى للعام القادم.
مضى شهر.. وتبعه آخر ولم أر سحابة.. أمي وحدها تطعمني وتسقيني كل صباح ومساء.. فواكه.. وخضروات.. وغداءً.. وعشاءً.. وتسقيني عصيراً.. وماء.. وشاياً أخضر!! فأبقيه في المنتصف ما بين البلعوم والمعدة.. وبمجرد خروجها أتقيأه متعمدة.
توالت الشهور وبنيتي آخذة في الضعف حتى اكتسب وجهي لون قشر الموز.. واستدارة الرمانة وندوبها.. واعترى ريقي الجفاف فاخشوشن صوتي كمن هرأت حباله السجائر الكوبية.. والشراب المستورد.
تعجبت والدتي من ندرة ذهابي لدورة المياه لقضاء الحاجة.. وارتابت من خشونة صوتي الطفولي الأنثوي.. وضعف بنيتي.. وشحوب وجهي.. فظنّت أن سوءاً اعترى معدتي وأمعائي فقررت عرضي على طبيب أطفالٍ مختص.
قرأت ذلك في عينيها القلقتين.. وفي صوتها المرتجف.. وتكرار قيامها وجلوسها دون غرضٍ ما.. وقياس حرارتي.. وجس نبضي.
هيأتني لزيارة الطبيب بوضعي في حوض السباحة المربع القابع في الزاوية المقابلة لباب دورة مياه غرفة نومها.. بدأت برفق في سكب بعض من الماء المنعش العذب على جسدي الغض الصغير.. وضعت على شعري قطرات من شامبو جونسن أند جونسن، ثم فركته من عدة جهات، وحرصت على عدم وصول الشامبو إلى عيني بسؤاله المتكرر لي:
هل آلم الشامبو عينيك؟
وأجيبها بالنفي.
استدنت صابون جسم سائل برائحة الفراولة ولونها من منتجات [أفون] ودعكت به ظهري.. وصدري.. وأسفل فكي.. وحول رقبتي.. وتحت إبطي.. وذراعي الأيمن ثم الأيسر.. وساقي الأيمن ثم الأيسر كذلك.. وقدمي.. ومؤخرتي.. وكل جسمي ولكن برفق ولم تطل مدة دعكه!!
عادت في سكب الماء الدافئ العذب مرة أخرى على جسدي لشطفه من الصابون.. وقد وددت لو أنها لم تشطفه لنفاذ رائحته الجميلة الأخاذة.. ولكنها فعلت!!
حملتني أمي بحنوٍّ ورفق بين ذراعيها من حوض السباحة إلى صدرها فاصطدم صدري بأضلعٍ كانت خلف ثديين مكتنزين استؤصلا قبل عامين عن مرض عضال أصيبا به.
حاولت تحسس مكان الثديين.. وما تبقى من الثدي الأيمن وفشلت.. يبدو أنها عبأت حاملة الصدر بقطن، بيد أنه لم يمنع صدري من الاصطدام بالأضلع المائلة.
لفّتني بالمنشفة.. وغطتني من رأسي حتى قدمي باستثناء وجهي.. وفتحتي أنفي…
نثرت على جسدي ذرات من بودرة التلك.. ثم قالت:
. أريني كيف ترتدين ملابسك الداخلية.
لا أدري لماذا لم تلبسني إياها!!
استدنت فستاناً كانت قد اشترته لي في عيد الأضحى المنصرم ولم أرتده لصغر مقاسه!!
أتى الفستان وفق جسدي ومناسباً عليه..!!
سرحت شعري الحلزوني، ثم سكبت في يدها قطرات من الجل وصففت به شعري المجعد.. ثم فرقت خصلاته بأطراف أصابعها.. سبقتها في أخذ قارورة مسك صغيرة اشترتها من [زهور الريف] ووضعتُ مسحة منه خلف أذني اليمنى فاليسرى.. وحول عنقي أقلدها في طريقة وضعها للعطر.. فاحتضنتني بعنف ملهوف.. وقبلتني بحرارة مشتعلة وهي تضغط بصدرها المحشو قطناً!! على صدري.. ضحكت ضحك طفلة نهش الجوع أمعاءها.. والتحم جدار معدتها.
ارتديت حذائي الأسود المخملي.. فرأيتها تنظر إلى حذائي.. وتبتسم..!!
ما مناسبة الابتسام الآن..!! «قلت في نفسي»..
نظرت إلى حذائي فوجدت أنني لم أرتد الجوربين فضحكت وهيا ضحك طفلين معاً.. وعدونا فسبقنا ظلنا «كما شدت أم كلثوم».
ارتديت جوربيّ الأبيضين.. ثم حذائي وخرجت معها من غرفتي القزحية الألوان.. السداسية الشكل.. بسقفها السماوي حيث الحياة البكر في الخارج.. حيث الغذاء.. حيث الرواء.. وحيث سحب شامخة إلى الأعلى أتوق لرؤيتها وللثم أثدائها والعبِّ منها ثدياً ثديا.
مع أول خطوة خطتها قدماي خارج غرفتي السجن.. وخارج بوابة منزلنا الكبير تعثر قدمي الأيسر ثم الأيمن بعدة أثداء مترهلة، تساقطت أرضاً لسحب كانت أمهات لي فوقعت فوقها ليقع فمي على حلمة ثديٍ نفر من الجفاف.
هـدى فهـد المعجـل كاتبة وقاصة من السعودية