ما هي الأحداث الثقافية التي مرت عام 2008 ، وما هي الإنجازات التي قدمها كل كاتب ومبدع لنفسه ومجتمعه وقرائه ، هذان السؤالان سوف يشغلان بال العديد من الصفحات الثقافية والمحررين الثقافيين في عالمنا العربي ، وسوف تأتي الإجابات كما هو متوقع:
عالميا ، فوز لوكليزو بجائزة نوبل ،
عربيا موت الشاعر محمود درويش ،
محليا في كل بلد: وفاة أو مرض الكاتب الفلاني،
لكن لا أحد منا يفطن إلى جردة حساب بحصيلة ما فعل وإن لم يصدر الكاتب كتابا او كتبا في العام المذكور، سوف يقول لنفسه لم أقدم شيئا ، لأن كل تركيزنا على طباعة الكتب والنشر، ولكن لا أحد يسأل نفسه ماذا فعل لنفسه ولمجتمعه، كم كتابا قرأ ، كم مكانا اكتشف في هذا العالم ، وهل ساهم في بناء مجتمعه بالمشاركة في جمعية ما او مسيرة ما او فعالية مختلفة ، أو هل قام بزراعة شتلة خضراء مكان حادث سير مروع ، او مكان جريمة شرف ، أو حمل عارضة منددا بفساد حكومي، أو تقير عمومي، أو هل بادر لزيارة أسرة فقيرة ، أو عائلة مكلومة ، هل زار مكتبة عامة، هل تابع الفنون التشكيلية والمتاحف ودور العرض السينمائية ومهرجانات المسرح، والندوات التي عقدت في مدينته، هل قدم تبرعا لجمعية لرعاية المرضى والفقراء ، أم بنى او ساهم في اعمار مدرسة او كلية او مركز فنون أو جمعية ثقافية؟
هل الحياة والإبداع محصوران فقط في الكتابة والنشر ، هل يكتفي الكاتب بإيهام نفسه أن الكتابة وحدها من تصنع الكتابة وهي وحدها من ترفع مستواه الإبداعي، نحن نعرف الكثيرين ممن طبعوا عشرات الكتب وما زالوا دون حافة الشهرة او المكانة الأدبية ، فكثرة الكتب لا تعني جودة المؤلف ولا تميزه، رغم أنها أحيانا وفي حالات نادرة مثل حالة الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس تشكل علامة حيث تجاوزت دواودينه الثمانين عملا ، لكنها ليست مقياسا فرامبو لم يكتب سوى عدة مجموعات قليلة ، وكذلك لوركا ، وهناك من رفعه كتاب واحد أو حتى قصيدة واحدة، إلى عرش النجومية الأدبية مثل باتريك زوسكيند صاحب رواية العطر وهامنغوي في الشيخ والبحر ، وفكتور هيجو في البؤساء، وكازانزاكي في زوربا، وفلوبير في مدام بوفاري، ومحمد شكري في الخبز الحافي، وغيرهم وغيرهم.
وهناك من قال إن الكاتب لا يكتب سوى كتاب واحد، والشاعر لا يكتب سوى قصيدة واحدة ، يظل يعيد كتابتها ، هذا إذا لم تكن مسروقة وكانت نابعة من موهبته الشعرية وليست تركيباً وتأليفاً، كما فعل بعض (كبار) الشعراء والادباء حتى الذين يملكون اليوم شهرة تحميهم من النقد وتحرسهم من الفضيحة.
ما علينا، فالكتابة تحتاج إلى حياة قبلها ومعها وبها ، وماركيز الذي وضع اسمه بقوة على عرش الرواية العالمية، لم يكن لينجح لولا أنه عاش الحياة بعمق، ونيرودا كذلك، وغوركي وديستوفيسكي ، وكافكا، وايزابيل الليندي قالت لو لم يحدث إنقلاب التشيلي ولم تذهب للمنفى لما كانت كاتبة، وغيرها وغيرهم.
وهنا أستغرب كيف أن البعض يظن أن بإمكانه الكتابة عن الغوص في المحيطات دون أن يجرب ذلك بنفسه ، أو عن الجوع وهو صاحب مطعم، أو عن السفن وهو لم ير البحر في حياته، وكيف يكتب عن السجون دون ان يلطمه شرطي كفا واحدا، وكيف يكتب عن الحب وهو يرتعش أمام زوجته وأولاده من رنين هاتف لا يقصده.
الكتابة والحياة يحتاجان إلى جرأة ومغامرة ومن يخاف من كليهما لن يتعدى حدود الوهم الذي يصنعه لنفسه ، ولا حدود الفروض التي تمليها واجبات المكان والجيرة والقرابة والحدود الإقليمية للكيانات القطرية.
موسى حوامدة
شاعر من فلسطين