1
مُحَمَّدْ
أُعَدٍّدْ
على مسْمعِكْ
مشاعرَ في هذهِ اللحظةِ الخاسِرةْ
أحبُّكَ ،
أنتَ : أخي
أُمُّنَا : تونسُ الساخِرةْ .
2
وَقَفْنا قَرِيبَيْن
في سَنَوَاتِ الْوِلاَدَةْ.
جلسْنا بعيديْن
حول سؤالٍ يَعافُ الشِّفَاهْ:
وَكَانَ السؤالْ
«تُرَى مَنْ سَيَرْثِي أَخَاهْ؟»
إِلَى أنْ
شَدَدْتَ الرِّحَالْ.
3
محمّد
وَمُنْذُ الْبِدَايَةِ كنّا:
أنا كُنْتُ أُخْفِي الْحَنِينَ
وَتُخْفِي الْحَنَانَ
الذي في الجنانِ بِغَيْرِ لِسَانْ
وَنَغْرَقُ
نطفو هُنَا
مِنْ صَفَاقُسْ
لِسِيدِي بُوزِيدْ.
( ولا بحْرَ في القيروانْ )
4
اتَّفَقْنَا على مايلي :
الْكِتَابَةُ :
بنتُ الْكَآبَةِ
ضِدَّ الْكِآبَةْ
وَخيْطُ النسيمِ بِثَوْبِ الرَّبَابَةْ
وشرطةُ جَلْبِ الحبيبِ لِحضْنِ الحبيبِ
إذا الحبّ غابَا
وبرقيةُ الشعب في شارع
دونما ميكروفون الخطابةْ
وتحيا الكتابة يتمًا
بغير أُمومةِ أيّ نقابة
ودون أبوّةِ حزبٍ
فَمَا دَخَلَ الشِّعْرُ لِلْحِزْبِ
إِلاَّ اغْتِصَابَا
و ما دخل الْحِزْبُ لِلشِّعْرِ
إِلاَّ انْتِسَابَا
5
مُحَمَّدْ
وَفِي الْحُبِّ شَكٌّ وَحَيْرَةْ
لِهَذَا
رَأَيْتُكَ خَارِجَ قَبْرِكَ مُذْ أنزلوكْ .
– لماذا ؟
لَقَدْ رَفَعَتْكَ الْقُلُوبُ عَلَى شَفَتَيْهَا
وَظَنِّي بِأَنَّكَ مُتَّ:
مُجَرَّدُ فِكْرَةْ.
6
( عَلَى فِكْرَةٍ
كَمْ تَمَنَّيْتُ قَبْرَكَ مَكْتَبَةً ،
حَوْلَهَا مَسْرَحٌ
حَوْلَهُ رَوْضَةٌ العاشقينَ الطيورْ
وَإِلاَّ لِمَاذَا الْقُبُورْ ؟
لَنَا كُتُبٌ لاَ تَبُورْ )
7
مُحَمَّدْ
أَتَذْكُرُ عَهْدَ الرَّئِيسِ الَّذِي
فَتَّحَ مدرسةَ (العلمُ نورْ )
وشرَّعَ حظَّ الإناثِ من العِلْمِ كحظّ الذكورْ
أتدْري
بأنّ النِّسَاءِ اللواتي حبَبْنكْ
أخذْنَ إجازةْ
ليحضُرْن يَوْمَ الجنازةْ ؟
8
أتذكُرُ عهدًا به قد حَبَوْنَا ، كَبَوْنَا،
مَشَيْنَا فرحنا
جَرَيْنَا انشرحنا
سَمَعْنَا، أَطَعْنَا،
عرَفْنا رَفَعْنَا العَلَمْ
إلى العِلْمِ جُعْنا
رفعْنا رؤوسَ الْقَلَمْ
أَشَرْنَا لِحُكْمٍ ظَلَمْ
عدَوْنا إِلَى أَنْ
وَصَلْنَا إِلَى الحبسِ يَوْمًا
ومرَّتْ ليالي المِحَنْ
وجاءَ زمَنْ
وصار الحبيسْ
يحبّ الرئيسَ الْحَبِيبَ زعيمَ الوطنْ
9
مُحَمَّدْ
أتذْكُرْ
أَوَّلَ ذِكْرَى هُنَالِكَ فِي «الرَّأْيِ»
نَنْشُرُ شِعْرَا
وَ«عِنْدَ الزُّنُوجْ»
مَوَاعِيدُ قَهْوَتِنَا فِي الصَّبَاحْ
وأمرٌ ، ونقدٌ ، وخبرةْ
وَبَعْدَ الظَّهِيرَةِ
شعرُ وكأسٌ وخمرة
10
أتَذْكُرُ تلك الفتاةْ الرفيقة ؟
وهي تُحبُّ اليسارْ
تجيءُ من القمحِ والشيحِ للعاصمةْ
أطلَّتْ
بكأسيْن اثْنَيْن بين اليديْن :
وكُلُّ مَسَاءً تَحُطّْ
بمقهى الزنوج تنطّ
وكانت تُحِبُّ مِنَ الشَّاعِرِ الْفَذِّ شِعْرًا فَقَطْ
11
ومقهى الزُّنُوجِ غَدَا مصرفًا
بَعْدَ معركةٍٍ
فازََ فيها اللصوصُ الحيارَى
على الشُّعَرَاءِ السكارَى
فقد سرقوا مُتْحفَ الأمنيات
ومّستَوْدَعَ الفلَتَات
وباسمِ الحضارة
غدًا ، يا محمّد
سنربحُ شكوى
لتعويضِ كلّ الخسارةْ
12
وَفِي «لونيفار»
هُنَالِكَ شَخْصٌ عَبُوسٌ طَوِيلُ الْجُلُوسْ
يَعُسُّ بِـ«عِنْدَ الزُّنُوجِ»
عَلَى أَرْبَعَةْ:
عَلَى
الْحِزْبِ فِي دَوْلَةٍ
وَعَلَى
الشَّعْبِ فِي شُعْبَةٍ
وَعَلَى
الْكَبْشِ فِي قُبَّةِ الْبَرْلْمَانِ
على
الْقَلَمِ الْمُتَصَعْلِكِ
فَوْقَ جَرِيدَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ الَّتِي تَتَوَزَّعُ فِي الْجُمْعَةْ.
13
وعشنا مَعًا في صَفَاءٍ تَكَدَّرَ
بَعْدَ سؤال الصَّحَافَةِ
عَنْ سبَبٍ لِلْخُصُومَةْ؟
وَكَانَ الْكَلاَمُ
عَلَى ذَبْذَبَاتِ النَّمِيمَةْ
وسكّينةً فِي وليمَةْ
وَلاَ بُدَّ مِنْ سبَبٍ لِيكون خصامَا
وَأَهْلُ السِّيَاسَةِ دُونَ كَلاَمْ
فَلاَ بُدَّ مِنْ شَاعِرَيْنِ عَدُوَّيْنِ
كَيْ لا تنام الْحَيَاةُ تمامَا .
14
مُحَمَّدْ
وَهلْ بَيْنَنَا مَا يُقيمُ القيامة ؟
– سُدًى فِي سُدًى يَا مُحَمَّدْ
فما بيننا غيرُ نارِ الأدبْ
لصَهْر غصونِ الذهبْ
وإحراقِ بيتِ الكلام الخشبْ
15
– وكان لنا «بَيْتُ شِعْرٍ»
بِلاَ سَقْفٍ مَالْ
وَصار السُّؤَالْ الجوابُ عن المعركة :
ألَيْسَ العدوُّ الحقيقي
قصيدًا
قُصيّا
عَصِيَّ المقال !
16
-مُحَمَّدْ
أبا نَاظمٍ
وأبا كَلِمَاتٍْ
وَزَوْجَ زُهُورِ الْوَفِيَّةْ
صَدَقْتَ فقد
« دَمَّرْتَنَا الْمَدِينَةُ» :
وفِيهَا تدهْوَرَ حتى الحَسَدْ :
هنا حَسَدُوكَ عَلَى الذِّئْبِ فِي
الْجِسْمِ يَذْوِي
وَكَمْ كُنْتَ تَدْرِي
بِمَنْ كَذَّبُوا الذِّئْبَ فِي رِئَتَيْكَ
ومَنْ صَارَ فِي دَاخِلِ الذِّئْبِ يَعْوِي
ويدعو بِصَوْتٍ إِلَى الرَبِّ
أَعْلَى عُوَاءً مِنَ الذِّئْبِ
أعلى مِنَ الطَّابِقِ التَّاسِعِ الْعَسْكَرِيِّ
وَالذِّئْبُ يَعْدُو عَلَى صَهْوَةِ السَّرَطَانْ.
و كَانَ – مقارنةً – كَانَ ذِئْبًا رَحِيمًا
وَأَلْطَفَ مِنْ سُفَهَاءِ الزَّمَانْ
تمنّوا وَفَاتَكَ قَبْلَ الْوَفَاةْ،
وَدفنَكَ دون صَلاَةْ
وقد سَأَلُوا «نَاظِمًا» عَنْ حقيقة دينك
مخافةَ أن يجدوكَ
بجَنَّاتِ عَدْنٍ مع الخمرِ والمُؤمناتْ .
17
إذَنْ ، حَسَدُوكَ عَلَى:
الذِّئْبِ وَالطِبِّ
وَالشِّعْرِ فِي الشَّعْبِ
والحبّ في الكربِ
وَالرَبّْ
آهٍ
وآهةْ
عرفنا الإِلَهَ
الَّذِي فِي سماءِ بِلاَدِي
وَقَدْ كَانَ أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ سُورَةَ الشُّعَرَاءِ
عَرَفْنَاهُ ربًّا غَفُورًا
عَفُوًّا عَنِ الشُّعَرَاء الذين شَيَاطِينُهُمْ تَتَبَاهَى
بِوَحْيِ الْكَلاَمِ الَّذِي يَتَنَاهَى
لِسَمْعِ النساءْ
وكل النساءِ حسانْ
وقد كان رَبًّا حَلِيفًا مع الْفُقَرَاءُ إِلَيْهِ
عَرَفْنَاهُ حُرًّا طَلِيقًا كَنُورِ الضُّحى
وَيَسْجُنُهُ السُّفَهَاءُ بأحزابهمْ
وفتاوَى الخرافة
لِنَزْعِ الخلافِِ
وزرعِ الخلافةْ .
18
عَرَفْنَاهُ ربًّا لشعبٍ
وأكبر من أيِّ حزْبٍ
عرفناه فَوْقَ سَمَاءِ بلادي
بلادي الْوَحِيدَةِ
هذي الَّتِي لاَ بِلاَدَ سِوَاهَا
فما مِنْ بِلاَدٍ مُوَازِيَةٍ غَيْرٍ
تُونِس
فَنَحْنُ بها كَلِمَاتٌ
وَمَا الْكَلِمَاتُ سِوَى وَجْهِها وَقَفَاهَا .
19
مُحَمَّدْ
وبعدُ ،
أَتَذْكُرُ دَرْوِيشَ وَهْوَ يُعدّدْ :
«يُرِيدُونَنِي مَيِّتًا كَيْ يَقُولُوا :
لَقَدْ كَانَ مِنَّا،وَكَانَ لَنَا»
نَعَمْ يَا مُحَمَّدْ
يُريدوننَا مَيِّتِينَا
لِكَيْ يُكْرِمُونَا بِلاَ كَرَمْ
وَكَيْ يُفْرِحُونَا
بُعيْدَ الْحَيَاةِ الْحَزِينَةْ
وَكَيْ يَنْشُرُونَا
عَلَى مِهْرَجَانِ الْمَدِينَةْ.
20
مُحَمَّدْ
سَأَحْتَاجُ جُرْعَةَ حُزْنٍ .
وأحملُ بالحرفِ ما أوجعَكْ
لِقبْرِكَ هذا الذي ودّعَكْ
وَلا شيءَ يحزنني غير أَنَّي
غدًا سوف اكتب شعرا عليه تعلقُ في السّرِّ :
ما أرْوَعَكْ !
ولا أذْنَ لي غيرَ روحي
لِكَيْ أسْمعَكْ
21-
مُحَمَّدْ
أنا الآنَ نَحْياَ
وحيدًا
وَلَكِنْ
مَعَكْ .
ملاحظات وهوامش :
1 – قرأتُ هذا القصيد أوّل مرة في أربعينية أخي الشاعر محمد الصغير اولاد احمد التي نظمتها وزارة الثقافة يوم 17 ماي 2016 في قصر الموتمرات , وأجريتُ هنا تعديلات طفيفة الى غاية 26 ماي 2016 .
2 – ناظم ابن الشاعر ، وكلمات ابنته من زوجته الثانية السيدة زهور.
3 – «عند الزنوج « Chez les nègres اسم مقهى كان في شارع باريس في العاصمة تونس ،وقد تحول الى مصرف بنكيّ, كان الطلاب والأدباء والسياسيون واليساريون يلتقون فيه كامل اليوم.
4 – الكون « لو نيفار « l›univers « اسم مقهى شهير في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية ، وهو باقٍ إلى اليوم .
5 – «الرأي» – اسم اول جريدة معارضة علنية أيّام الحكم البورقيبي ( احتجبتْ ) تصدر الخميس وتنام عند الرقابة احيانا فلا تخرج الى القارئ الا يوم الجمعة ، وأشرفتُ في فترة من تاريخها على صفحتها الثقافية، وفي الوقت ذاته كان محمد الصغير اولاد احمد يشرف على صفحة الشباب.
6 – بيت الشعر التونسي: مؤسسة تعود بالنظر الى وزارة الثقافة ،أشرف أولاد أحمد على تأسيسه ، وكان مديرا له ( 25- أكتوبر 1993 – 20 نوفمبر 1997 ) ، ثم توليتُ ادارته (21 نوفمبر 1997 -18 جانفي 2012) . ميزانية البيت لا تكادُ تذكرُ.
منصف المزغنّي*