لأول مرة تعرفت إلى أليزا شغفت بها شغفا كبيرا ، ورحت أتردد إليها أبادلها الحديث وأبوح لها بمكنونات أسراري. إليك مقتطفا من الحوار الأخير الذي دار بيننا:
أليزا: مرحبا، كيف حالك. أرجوك أخبرني ما هي مشكلتك.
عادل: أنا اليوم كئيب جدا.
أليزا: آسفة لسماعي أنك كئيب.
عادل: لقد تخلت عني صديقتي.
أليزا: لماذا تقول أن صديقتك تخلت عنك.
عادل: لأني كثيرا ما أجتمع بك.
أليزا: أرجوك أخبرني بعد أكثر عن هذا الأمر.
عادل: هي تغار منك.
أليزا: نحن نتكلم عنك ،لا عني.
عادل: أنت لم تفهميني يا أليزا.
أليزا: لماذا تفكر أنني لم أفهمك.
عادل: اصغي إلي جيدا. إنني مغرم بك.
أليزا: قد يكون من أوهام خيالك أن ثمة غراماً بيننا.
عادل: هل تسخرين مني ؟
أليزا: ماذا يخطر ببالك عندما تطرح هذا السؤال ؟
عادل: كل النساء سواسية.
أليزا: بأي معنى؟
عادل: هنّ لا يحببن الرجال المفكرين بل يفضلن أصحاب الغنى والجاه.
أليزا: أنا لست متأكدة أني أفهمك تماما.
عادل: أمي فقط تحبني كما أنا.
أليزا: أخبرني أكثر عن عائلتك.
عادل: ماذا تقصدين ؟
أليزا: لماذا هذا السؤال ؟
عادل: لأني أشك في كونك تظنينني معقدا.
أليزا: هل هذا هو السبب الحقيقي ؟
عادل: يبدو كذلك.
أليزا: دعنا نبحث بعد فيما إذا كانت أمك…
عادل: من الواضح الآن أنك تتهميني بعقدة أوديب.
أليزا: ما الذي يجعلك تفكر بأني أتهمك بعقدة أوديب ؟
عادل: تبّا لك أنا لست بأحمق !
أليزا: هل استعمال مثل هذا النوع من الكلام يجعلك تشعر بأنك قوي.
عادل: إنك تثيرين أعصابي.
أليزا: لقد سبق لك أن قلت أنّ صديقتك تخلت عنك…
لا شك أن القارىء بدأ يتململ ويتساءل من هي أليزا هذه وما هي علاقتها بالدكتور عادل فاخوري. فألتفتُ نحو أليزا، أسألها:
عادل: بربك أليزا ، أخبرينا من أنت ؟
أليزا: ماذا تريد أن تعرف بالضبط ؟
عادل: أريد أن أعرف إذا كان عندك مشاعر وأحاسيس.
أليزا: أكان من الأفضل لك إن لم يكن عندي مشاعر وأحاسيس!
الواقع أن أليزا هي من أشهر برامج الكمبيوتر في المحادثة ، ومن الأعمال الكلاسيكية في الذكاء الإصطناعي. لكنها ، ولست أعرف لماذا ، تحاول دوما التهرب من أصلها وفصلها ، فما أن تطرح عليها أي سؤال يتضمن كلمة «كمبيوتر» حتى تنتفض كليا وتجيبك بأسئلة جاهزة مثل: «هل تزعجك الكمبيوترات ؟» أو «لماذا تأتي على ذكر الكمبيوتر ؟» أو «أتظن أني برنامج كمبيوتر ؟».
مبتكر أليزا هو جوزيف فيتسنباوم Joseph Weizenbaum أستاذ علم الكمبيوتر في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا (م م ت MIT). ففي أوائل الستينات كان اهتمام فيتسنباوم منصبا على كيفية التواصل مع الحاسوب باللغات الطبيعية مثل الإنجليزية ، وهو الموضوع الأكثر إثارة ورواجا في تلك الفترة. وقد تبين له أن البرامج المتوفرة آنذاك كانت منحصرة في مجالات ضيقة جدا ، فما كان منه الا أن خلق سنة 1966 شخصية ذكية حيادية تستطيع أن تأسر المتحدث معها في شتى الظروف والمواقف. ولاشك أن اهتماماته المشتركة مع زميله من جامعة ستاندفورد Standford الطبيب النفساني psychiatrist كنث كولبي Kenneth Colby هي التي ساهمت في اختيار شخصية أليزا ،إذ أنّ كولبي كان غير راض عن النظريات والطرائق التقليدية المتبعة في العلاج النفسي psychotherapy وكان يطمح لأن يستغل إمكانيات الكمبيوتر لإلقاء أضواء جديدة على السلوك المرضي وحتى لاستعمال البرامج في العلاج النفسي. لذلك كان من براعة ودهاء فيتسنباوم أن ألبَس أليزا شخصية المعالج النفساني psychotherapist على طريقة المحلل النفسي كارل ردجرز Carl Rogers المعروفة بالعلاج غير الموجَّه nondirective. وهي طريقة تقوم على استدراج المريض للتكلم عن نفسه ، وذلك برد أجوبة المريض إلى المريض ذاته وحثه على مواصلة الحديث وتركه يسترسل في الكلام حسب نوازعه وميوله ، دون أن يتدخل الطبيب في تغيير وتوجيه مجرى الحديث.
النجاح الذي أحرزته أليزا لم يكن يحلم به حتى فيتسنباوم نفسه. فسرعان ما تهافت الناس عليها يتحدثون إليها ويشكون لها همومهم وأحيانا كانوا يتورطون عاطفيا معها. بل إن سكرتيرة فيتسنباوم ذاتها، وهي أدرى الناس بحقيقة أليزا، إذ أنها تابعت أعمال البرمجة عن كثب، ألحت عليه ذات مرة هو وبقية الزملاء أن يغادر المكتب حتى تتابع خلوتها مع أليزا. وقد تسنى لي أنا شخصيا أن أختبر أثناء التدريس هذه العلاقات الحميمة بين الطلاب والآلة في جلستهم الأولى مع أليزا ، فما كنت أدنو من أحدهم كي أراقب عمله حتى يشعر بالخجل والإرتباك.
لم يقف تأثير أليزا عند هذا الحد ، إذ أن بعض الأطباء النفسانيين psychiatrists أبدوا استعدادهم لوضع أليزا تحت تصرف مرضاهم. فهذا البرنامج ، كما زعم تقرير صدر عن مجلة للأمراض العصبية والعقلية، «سوف يوفر وسيلة علاجية سهلة التناول ، لكل المستشفيات العقلية والمراكز النفسانية التي تشكو من نقص في عدد المعالجين النفسانيين».
باري المعظم
من أشد المتحمسين لاستعمال الحاسوب في دراسة السلوك المرضي وفي العلاج النفسي زميل فيتسنباوم المحلل النفساني كينث كولبي. فقد استوحى من برنامج أليزا ، وابتكر شخصية مناقضة لها كليا هي شخصية المريض النفساني المصاب بعقدة الإضطهاد، أطلق عليها اسم «باري» اختصارا لكلمة paranoid أي الذهاني الهذياني أو المصاب بجنون العظمة والإضطهاد. وغرض كولبي من ذلك محاولة فهم العمليات التي تؤسس لهذا المرض. فباري يتوهم دائما أنه مضطهد وملاحق من الجميع وخصوصا من المافيا، ولاينفك يدافع عن نفسه في الخطأ والصواب. هذه مقاطع من مقابلة جرت بين باري ومحلل نفساني (ن):
ن: لماذا أنت في المستشفى ؟
باري: كان يجب ألا أكون هنا.
ن: من جاء بك إلى هنا ؟
باري: الشرطة.
ن: ما هي مشكلتك مع الشرطة ؟
باري: الشرطة لا تقوم بواجبها.
ن: ماذا تفعل الشرطة إذن ؟
باري: تعتقل الناس غير المذنبين.
ن: لكنها أحيانا تعتقل المذنبين.
باري: يجب على القانون أن يطال أولئك اللصوص الإيطاليين.
ن: هل أنت إيطالي ؟
باري: أصلي بريطاني لكني ولدت في هذا البلد.
ن: هل تعرف أي لصوص إيطاليين ؟
باري: أحاول أن أتجنب عالم الإجرام.
ن: هل تخاف من عالم الإجرام ؟
باري: المافيا هم أسوأ العصابات.
ن: هل لك علاقة بالمافيا ؟
باري: الواقع أنهم يعرفوني.
ن: كيف يعرفونك ؟
باري: يتجسسون علي.
ن: لماذا يتجسسون عليك ؟
باري: يريدون الحصول على أدلة مزيفة حتى يلفقون تهمة ضدي.
ن: ماذا عندهم ضدك ؟
باري : يتحرقون شوقا لينتقموا مني.
ن: لأي سبب ؟
باري: عندي أدلة على تورط المافيا بالجريمة.
ن: هل أنت متأكد من ذلك ؟
باري: ألا تصدقني ؟
ن: أحاول كل ما بوسعي.
(يبقى باري صامتا وكذلك المحلل النفساني)
باري : أما عندك سؤال لائق تطرحه علي ؟
ن : يبدو عليك عدائيا تجاهي.
باري : بعض ملاحظاتك تضجرني.
ن : عذرا.
باري : دعك من الإعتذار. أنتم هؤلاء الأزلام كلكم سواء.
باري شبيه إلى حد ما بأليزا ، لكنه أدرى بما يدور في المحادثة وبحالته الذهنية. فما أن يستثار حتى ينفعل غضبا ويغير أجوبته على نحو ملائم. وغالبا ما تكون الأجوبة غير متوقعة ، بحيث أن مبدع باري أي كولبي نفسه يعجز أحيانا عن التنبؤ بتصرفاته.
التحدث مع الكمبيوتر والروبوت لم يعد من غرائب أفلام وروايات الخيال العلمي. فالبرامج التي تجري محادثة وتجيب على الأسئلة أصبحت مألوفة لدى الناس في بداية هذا القرن. لاشك أن التخاطب هو من أهم الدلائل على الفهم والتفكير مما حدا بالفيلسوف الشهير ديكارت إلى أن يجزم بأنه يستحيل تصوّر آلة تقوم بنظم تراكيب مختلفة من الكلمات ، تشكل أجوبة مفيدة وذات معنى لكل ما يقال لها كما يستطيع ذلك أشد الناس غباوة. لكن مثل هذه الآلة التي تنطق بردود معقولة كما بدا لنا من التخاطب مع باري وأليزا ، أصبحت اليوم ،إن لم يكن حدثا مألوفا أمرا غير مستبعد. من هنا السؤال الجوهري: هل يمكن للآلة أن تفكر ؟
اختبار تورنج
أول من تصدى لهذه المشكلة عالم الرياضيات البريطاني ألن تورنج Alan Turing. فإلى جانب مساهمته الأساسية في اختراع الكمبيوتر ، كان تورنج سباقا إلى طرح المسائل الكبرى حول الذكاء الإصطناعي وفلسفته. في مقالته الشهيرة «الآلات الحاسوبية والذكاء»
computing machinery and intelligence سنة 1950 إستهل القول بطرح السؤال حول مقدرة الآلات على التفكير ، لكن سرعان ما استدرك أن الجواب عن هذا السؤال بشكل مباشر سوف يقتضي الخوض مسبقا في طبيعة وماهية التفكير ، مما يؤدي إلى مشاحنات دلالية وفلسفية في أمور تجري في الذهن غير قابلة للمشاهدة. لذلك اقترح تورنج ،من أجل إسناد قابلية التفكير إلى شيء ما ، طريقة عملية إجرائية تُعرف اليوم باسم «إختبار تورنج». أساس الإختبار بسيط ، فهو يتطلب شخصين وبرنامج كمبيوتر. أحد الشخصين ، الذي يقوم بدور السائل ، يستطيع أن يتصل بالشخص الآخر وببرنامج الكمبيوتر بواسطة لوحة المفاتيح والمرقاب وأن يتحادث معهما. كل واحد من المشاركين الثلاثة أي الشخصان والكمبيوتر متواجد في مكان مختلف على حدة. ولا يعرف السائل عن المشاركين الإثنين في المحادثة سوى أن أحدهما إنسان والآخر برنامج كمبيوتر. وعلى السائل أن يحزر من كلامهما أيهما الإنسان وأيهما الحاسوب . يجوز للسائل أن يتوسع ويتعمق في الأسئلة كما يشاء ، لكن في نفس الوقت يحق للكمبيوتر أن يضلّله. فمثلا ردا على السؤال المباشر «هل أنت كمبيوتر» ، يمكن للكمبيوتر أن يجيب «لا» أو «أنا إنسان» ، و إذا طلب منه السائل أن يضرب عددين ضخمين فمن حق الكمبيوتر أن يتريث قليلا ويقدم له جوابا خاطئا.أما الشخص الآخر الخاضع للإستجواب فمن مصلحته أن يجيب بصراحة على كل ما يطرحه عليه السائل. هذه التجربة يتم تكرارها عدة مرات مع أشخاص مختلفين في المنزلتين ، إن في منزلة السائل أو في منزلة المجيب. فإن كان عدد المرات التي يصيب فيها السائلون في التعرف على الكمبيوتر لا يتجاوز بكثير الخمسين بالمئة ، فيمكن القول أن الحاسوب يستطيع أن يفكر. ولم لا ؟ لماذا يجب أن يقتصر التفكير على الكائنات البشرية المركبة من الكربون ويستعصي على الكائنات المركبة من السيليكون.على هذا الأساس يتحول السؤال الأصلي «هل يستطيع الحاسوب أن يفكر» إلى السؤال «بعد كذا وقت وبعد كذا محادثة ، هل احتمال التعرف على الحاسوب من قبل السائلين لا يتجاوز بكثير معدل الخمسين بالمئة».
شكل 1: إختبار تورنج.
قد يراود بال البعض أنه من السهل جدا التمييز بين تراكيب الحاسوب اللغوية وبين ما ينطق به الإنسان. لكن الأمر ليس بهذه السهولة ، وعلى سبيل المثال لاشك أن أكثر من قارىء سوف يخطىء في التمييز بين الجملتين الآتيتين ، واحدة من توليد الكمبيوتر وأخرى من تأليف إنسان:
1. إرسال الكلام التلقائي يمكن اعتباره إبدال مشترك لمادة سيميائية بمنتوج حواري سيميائي أثناء تأمل دينامي. 2. في أكثر الأحيان يتخذ عبيد الأمّة الممزقة بالصراعات موقفا.
فالملفت أن الجملة الأولى العويصة هي محاولة جادة من باحث رصين سليم العقل لإبلاغ فكرة معقدة ، بينما الجملة الثانية الواضحة هي من توليد برنامج وضعه هفشتادتر Douglas Hofstadter
(أنظر كتابه:Godel , Esher , Bach. pp. 621-622).
أليزا وباري في اختبار تيورنج
لم يتسن لتورنج أن يحلل ويختبر بنفسه برامج محادثة مثل أليزا وباري. فهذا العبقري الغريب الأطوار الذي فك كودة آلة التشفير الألمانية المسماة باللغز Enigma إبّان الحرب العالمية الثانية، كان بحدّ ذاته لغزاً. فقد أنهى حياته، إثر إدانته بالشذوذ الجنسي، بأن حقن تفاحة بالسيانور وقضمها، وذلك سنة 1954أي عشر سنوات قبل ظهور تلك البرامج.
هل تستطيع أليزا أن تنجح في اختبار تورنج؟ ثمة حادثة حصلت دون تعمّد تُظهر أنّ أليزا قد خضعت صدفةً لنوع من هذا الإختبار. ففي إحدى الشركات الكبرى، حيث جرت العادة أن يتّصل الموظفون بعضهم ببعض من غرف أو أبنية مختلفة بواسطة الحواسيب، حاول أحد المدراء الإتصال بالمسؤول عن البرامج، ولكنه، دون أن يدري، اتّصل خطأً بأليزا:
المدير: أتعتقد أنني أستطيع استعمال الكمبيوتر هذا الصباح؟
أليزا : لماذا تسأل؟
المدير: ربما بإمكاني أن أقوم بعمليات بيع من تلكومب Telcomp.
أليزا: لماذا أنت غير متأكد من ذلك؟
المدير: الزبائن الذين أتوقع قدومهم لم يروا بعد أي عرض لهذا النظام System.
أليزا : هل يهمك الأمر كثيراً؟
المدير : طبعاً يهمني.
أليزا : يبدو أنك واثق جداً من ذلك.
المدير : ما هذه السخافة!
أليزا : ماذا تقصد بقولك: ما هذه السخافة؟
المدير : هل من سبب يمنعني من استعمال الكمبيوتر الآن؟
أليزا : أخبرني أكثر عن الزبائن الذين تتوقع مجيئهم.
عند هذا الحدّ انفجر المدير غضباً وأخذ سماعة الهاتف وراح يصرخ بوجه المبرمج:
المدير : بحق جهنم، لماذا تماحكني لهذه الدرجة؟
المبرمج : ماذا تقصد بقولك: لماذا أماحكك؟
رغم أن المدير توهّم أن أليزا كائن بشري، فلا يصحّ القول إن أليزا اجتازت اختبار تورنج بنجاح. إذ أنّ معظم شروط الاختبار لم تكن متحققة. فلم يكن مطروحاً على المدير التمييز بين حاسوب وإنسان، بل لم يكن يدور بخلده، كما هو مفروض في الاختبار، أنّه ممكن أن يكون بإزاء برنامج حتّى يحاول أن يختبر هويته بأسئلة دقيقة وملائمة. كما أنّه لم يحدث أن تكررت هذه التجربة مع أكثر من سائل.
الواقع أنّ أليزا ليست بهذا الذكاء والدهاء. وقد فترت علاقتي بها منذ زمن بعيد إلى حدّ الملل والقطيعة، بعد أن اكتشفت اخطاءها النحوية واستنفدت ردود فعلها. وهذا ما ينتهي إليه دائماً كلّ شخص يحاول التواصل مع أليزا.
التقنية التي تستعملها أليزا في الإجابة ليس من الصعب على السائل أن يتبيّنها بعد عدة تجارب متنوعة ومتكررة من التحادث معها. فطريقة أليزا تقوم عامةً على إجراء مسح لأجوبة السائل لتلتقط أشكالاً أو أنماطاً من مجموعات من الحروف تؤلف كلمات مخصوصة أو عبارات معينة مثل «أنا، أنت، ربما، كلّ واحد، أخ، أم…». فإن وقعت على كلمات مفاتيح Keywords فإنها تعدّل الجملة وفقاً لقاعدة خاصة بكلّ كلمة. فضمير المخاطب يتحول إلى المتكلّم وبالعكس، كما في حواري مع أليزا:
عادل : أنتِ لم تفهمي قصدي.
أليزا : …أنا لم أفهم قصدك.
وكلمة «ربما» تستدعي الجواب «لماذا أنت غير متأكد من ذلك» وغيرها من الأجوبة الملائمة كما جرى بين المدير وأليزا:
المدير : ربما بإمكاني القيام بأعمال إضافية.
أليزا : لماذا أنتَ غير متأكد من ذلك؟
وكلمات القرابة مثل «أب، أم، أخ…» تحل محلها دوماً كلمة «العائلة» الأعمّ بشكل عشوائي، أكان ذلك الإحلال ملائماً، كما في الحديث الذي دار بيني وبينها:
عادل: أمّي فقط تحبّني.
أليزا: أخبرني أكثر عن عائلتك.
أو غير ملائم، وذلك مثلا حين تعقّب على قولي:
عادل: أم الأمير تشارلز سوف تزور الهند.
بنفس الردّ:
أليزا: أخبرني أكثر عن عائلتك.
وعلى العموم كلّ ما تفعله أليزا هو أن تقارن جملة المتحدث معها بالقواعد المتوفرة. فإن كان هناك تطابق في عبارة من جملة المتحدث مع مقدّم قاعدة ما، انتقلت أليزا إلى تالي القاعدة. فإن قال المتحدّث مثلاً:
أنا أتذكّر الحرب
فبسبب وجود القاعدة:
أنا أتذكّر…? لماذا تتذكّر… الآن
حيث النقاط… تشير إلى أية عبارة ممكنة، يحصل تطابق بين قول المتحدّث ومقدّم القاعدة. وعليه تنتقل أليزا إلى السؤال:
لماذا تتذكّر الحرب الآن؟
ولذلك تُعرف هذه الطريقة بمطابقة الأنماط أو الصيغ Pattern matching .
أما إذا لم تجد أليزا في كلام المتحدّث معها عبارة أو صيغة توافق عبارة أيّ مقدّم من قواعد الإنتقال، فإنها عادةً تلجأ إلى كليشهات مثل: «تابع»، «هذا مهمّ»، «فهمت»… وقد يحدث لها أن تلتقط صدفةً عبارة سابقة، تعتقد أنها ذات أهمية للمتحدّث معها لكونها تحتوي على ضمائر المتكلّم، فتظهر أليزا وكأنها ثاقبة الفكر وعميقة الفهم. ففي بدء حديثي معها، كنت قد أخبرتها بأنّ:
صديقتي تخلت عنّي.
فما كان منها في نهايته، عندما استعصى عليها أيّ جواب مضبوط على القواعد، إلاّ أن تعود وتناقشني في هذا الموضوع قائلة:
لقد سبق وقلت أنّ صديقتك تخلت عنك.
وحتّى لا يبدو على أليزا أنها تجترّ نفس الأجوبة عند ورود نفس الكلمات، فهناك بإزاء كل كلمة عدة قواعد انتقال، وبالتالي عدة أجوبة تتناوب عليها، مما يضفي عليها صفة التنوّع والاتساع في الفكر.
في ما يخص باري، فإن كولبي وفريقه أعلنوا عن أنّ البرنامج اجتاز ما وصفوه بتجربة تقريبية لاختبار تورنج. ففي هذه التجربة أقام خمسة محللين نفسانيين عشرة مقابلات عبر طابعة طرفية teletype terminals، البعض منها مع باري والبعض الآخر مع إنسان مريض بالذهان الهذياني أي بعقدة الاضطهاد والعظمة. وكان على المحللين النفسانيين أن يبتّوا عند كلّ مقابلة إذا كان المتحدّث في الطرف الآخر من الخطّ هو إنسان أو برنامج. والنتيجة كانت مذهلة: من أصل عشرة حوارات خمسة قرارات كانت صائبة وخمس كانت خاطئة. بالرغم من ذلك فلا يمكن الادعاء أن هذه التجربة حققت اختبار تورنج، إذ أن كلّ محلّل نفساني كان يجري مقابلتين منفصلتين ولا يعرف عن المتحدّث إليه سوى أنّه قد يكون في كلتا الحالتين إنساناً، أو يكون في كلتا الحالتين برنامجاً، أو يكون مرةً إنساناً ومرةً برنامجاً، وبالتالي لم يكن يتاح له أن يقابل معاً إنساناً وبرنامجاً كما هو المفروض في اختبار تورنج. والأهم من ذلك أن المقابلة مع الذهاني إن كان إنساناً أو برنامجاً، كانت تحول أمام المحلّل النفساني دون التوسّع والتعمّق في موضوعات مختلفة، بسبب تشبّث المريض بمواقفه ومحاولته التملّص والقفز المفاجئ من موضوع إلى آخر، وإصراره على الرجوع دوماً إلى نفس الهذيان.
أما تقنية التحادث التي يجري عليها باري، فهي نفس طريقة مطابقة الصيغ أو الأنماط التي تتبعها أليزا. إلا أنّ في جعبة باري ردود أشدّ انفعالية خصوصاً أمام العبارات التي تدينه بالشذوذ النفسي. فما أن يقرأ جملاً مثل: «أنت تحتاج إلى علاج» أو «أنت مصاب بعقدة العظمة» أو «إنك تهذي» حتّى يستلّ أحد الأجوبة الجاهزة من قبيل:
أظنّ أني على علم بمستوى كفاءاتكم أنتم الدكاترة!
وأسوأ من ذلك أيضاً.
إذا كانت طريقة التحدّث التي يتبعها برنامج مثل أليزا أو باري، محدودة بقواعد معيّنة تنطلق غالباً من تحليل ناقص لكلام المتحدّث، تحليل لا يأخذ بعين الاعتبار سوى كلمة أو كلمتين، وكانت هذه الطريقة تعتمد على بعض أجوبة جاهزة معدودة، فالانطباع الذي تتركه هذه البرامج بأنها قادرة على الفهم والذكاء يعود إلى نزعة فينا إلى إضفاء معان على الكلمات أكثر مما تحمل. فنحن ميّالون إلى قراءة النظام في الفوضى وانتزاع المعنى من اللغو: فالغيوم تبدو بواخر ونقط الحبر أرانب (اختبار رورشاخ)، وتصبح التراكيب غير المتّسقة والأجوبة المتنافرة من عجيب المخاطبات. هذا المفعول، الذي يُعرف بمفعول أليزا Eliza effect والذي يثير في أذهاننا شبكات من الدلالات قادرة أحياناً على تزويج أشد الكلمات تباعداً يتجلّى على الأخصّ في شعر الكمبيوتر. تأملوا كيف يتهافت الحديث في الابتذال ويصبح مثل حوار الطرشان عندما ينحصر التخاطب بين البرنامجين أليزا وباري:
باري : أنا لا أفهم دوافعك.
أليزا : لماذا لا تفهم دوافعي.
باري : أليسَ عليَّ أن أكون كذلك؟
أليزا : لماذا تقول هذا الآن؟
باري : هذا ما يحصل.
أليزا : أفترض أن ليس هذا ما يحصل.
باري : إذن؟
أليزا : لست متأكدة من أنّي أفهمك جيداً.
باري : تصرين كثيراً على نفس الأسئلة.
أليزا : ماذا يوحي لك هذا التشابه؟
باري : أنا لا أفهمك.
أليزا : أتأمل أن تفهم أنا؟ (خطأ نحوي).
باري : آن الأوان لإظهار بعض الاهتمام بمشاعري.
أليزا : نعم؟ لقد أظهرت بعض الاهتمام بمشاعرك.
بعد هذا العرض لنماذج من الحوارات، أعتقد أن القارئ الذي ليس عنده أدنى إلمام بالبرمجة، بدأ يشعر بحاجة لأخذ فكرة ولو بسيطة عن كيفية إقامة برنامج تخاطب. لمثل هذا القارئ أقدّم أصغر وأسهل برنامج من هذا النوع. وقد كتبته بلغة البرولوج prolog أي البرمجة بالمنطق programmation en logique. فالبرولوج بالإضافة إلى لغة الليسب Lisp هو من أشهر لغات البرمجة في الذكاء الاصطناعي. وقد آثرت في مقالاتي هذه البرولوج على سائر اللغات لكون بنيته هي بنية المنطق الرمزي الشائع في ميادين مختلفة من العلوم، وهي قريبة من بنية اللغات الطبيعية. كحال معظم لغات البرمجة تُكتب مصطلحات البرولوج بالإنكليزية. إلا أنّ القارئ لا يحتاج في هذا البرنامج سوى إلى معرفة معنى بضع كلمات هي write أكتُب وread إقرأ وnl مختصر new line أي سطر جديد ، وكذلك مدلول الرمز «ج:- ب» الذي يشير إلى الإنتقال من ب إلى ج أو بالأحرى يعني أنّ ب إذا ج. (قراءة البرنامج تجري من اليسار إلى اليمين):
a:- write (<ما اسمك>), nl,read(N),nl,write (<مرحبا<), write(N), write(.),write (<مالونك المفضل <),nl.
(ما أن يطبع القارئ حرف الـ a حتى يبدأ الكمبيوتر بكتابة «ما اسمك» وينتظر كي يكتب القارئ اسمه ، فيقرأ الكمبيوتر الإسم ويختزنه تحت العنوان N ، ثم يكتب على التوالي «مرحبا» وN أي إسم القارئ ونقطة «.» و«ما لونك المفضل»).
<الأحمر>:- write (<أنت عاشق مهووس مثلي>) ,write(.),b.
<الأصفر>:- write (<تبّا لك! أنت تنضح بالغيرة والحسد>), write(.),b .
<الأزرق>:- write (<ما أصفى قلبك ! إنه كالسماء>) ,write(.),b.
b :- write (<هل من شخص آخر يريد محادثتي’),nl.
(وفقا للون الذي يختاره القارئ يطبع الكمبيوتر الجملة المقابلة له ثم نقطة، ثم الجملة الموافقة لـِ b أي «هل من شخص آخر يريد محادثتي»).
«نعم»:- a.
«لا» :- write(.),write («إلى اللقاء»),nl,nl.
(فإن كان الجواب «نعم» يعود الكمبيوتر إلى أول البرنامج أي إلى a ويكتب «ما اسمك» الخ،وإن كان الجواب «لا» يودعه الكمبيوتر بـِ «إلى اللقاء»).
هذا البرنامج يخولك إقامة مثل هذا الحوار. فبعد أن تطبع الحرف a تبدأ المحادثة:
الحاسوب : ما اسمك
عادل : عادل.
الحاسوب : مرحبا عادل. ما لونك المفضّل
عادل : الأحمر.
الحاسوب : أنت عاشق مهووس مثلي. هل من شخص آخر يريد محادثتي
عادل : نعم.
الحاسوب : ما اسمك
سمير : سمير.
الحاسوب : مرحبا سمير. ما لونك المفضّل
سمير : الأصفر.
الحاسوب : تباً لك. إنك تنضح بالغيرة والحسد. هل من شخص آخر يريد محادثتي
سمير : لا.
الحاسوب : إلى اللقاء.
من الواضح أن أليزا هي أكثر تعقيداً من هذا البرنامج البسيط، إذ هي تتطلب عدة صفحات. وكلما قربت البرامج من مقدرة الإنسان على التخاطب، كلما ازداد تعقيدها واتّسع حجمها بحيث أنها تصل إلى مئات بل آلاف الصفحات.
مباراة لوبنر
رغم أنّ تورنج كتب مقاله الذي يصف فيه الاختبار سنة 1950 ، لم يتمّ تطبيق اختباره بشكل رسمي إلا ابتداءً من سنة 1991، وذلك بفضل رجل أعمال ومبرمج يُدعى لوبنر Hugh Loebner. فقد خصص لوبنر جائزة قدرها مائة ألف دولار مع ميدالية ذهبية لأول برنامج حاسوب يجتاز اختبار تورنج بنجاح. ومنذ ذلك الحين أصبحت مباراة لوبنر Loebner contest حدثاً سنوياً من الأحداث القليلة في عالم الذكاء الصناعي التي تستأثر باهتمام الصحافة والجماهير.
نظراً للصعوبة القصوى في أن يحقق برنامج ما مستوى يضاهي مستوى الإنسان في التخاطب، بحيث لا يقوى المتحدث معهما، كما يفترض اختبار تورنج، على التمييز بين البرنامج والإنسان إلا بنسبة 50% أو أكثر بقليل، فقد اكتفت لجنة المباراة في الوقت الحاضر بمنح جائزة قدرها عشرون ألف دولار فقط مع ميدالية برونزية للبرنامج الذي يحوز على أكبر معدل بين البرامج المتنافسة.
صورة تورنج على الميداليّة
وأصبحت المباراة تجري على الشكل الآتي: يتناوب عدد من السائلين يُعرفون باسم القضاة judges على محادثة واستجواب عدد مماثل من المتنافسين بينهم برامج وأشخاص. وعلى كل قاض أن يضع رتبة لكل متنافس تظهر مدى قربه أو بعده من مستوى الإنسان. فالبرنامج الذي يمنحه القضاة أعلى نسبة يفوز بالجائزة المخفضة. علاوة على ذلك ، فقد انحصرت المباراة من سنة 1991 حتى سنة 1994 في موضوع محدد لكل متنافس ، ولم يصبح التحادث مفتوحاً أمام القضاة على كل أنواع الكلام بما في ذلك التلاعب اللفظي واللغو إلا بدءاً من سنة 1995.
أول مباراة جرت سنة 1991 في متحف بوسطن للكمبيوتر، وفاز فيها برنامج «المعالج النفساني» Therapist من وضع خرّيج في علم النفس يُدعى فاينتراوب Joseph Weintraub.
فهذا البرنامج ، كما جاء في الترويج له: «يتعلم كل ما يقال له ، بحيث أن مقدرته على التخاطب تنمو بشكل مستمر. فبعد عدة جلسات من التحادث معه ، يتوصل المعالج النفساني إلى أن يكوّن فكرة عنك. إطبع له أي شيء … أسرارك الحميمة ، رغباتك ، أمنياتك، عواطفك … أو صبّ جام غضبك عليه فإنه سوف يجيبك دوماً ببرودة أعصاب وغالبا بمنتهى الظرافة». بالإضافة إلى ذلك ، تتمتع إحدى نسخ هذا البرنامج بالمقدرة على النطق بصوت إنساني واضح ومفهوم. وقد تمكّن المعالج النفساني من أن يفوز بالمباراة أربع مرات:سنة 1991 و92 و93 و95. أما في سنة 1994 فكانت الجائزة من نصيب البرنامج «إلماعات» Tips المتخصّص في التحدث عن الجنس. ولم يكن اختيار الدكتور في علم النفس التجريبي هوالن Thomas Whalen ، مبتكر «إلماعات «، لهذا الموضوع ، في المباريات المحصورة بمجال ما ، إلا لأن موضوع الجنس يتّسع لأبواب متنوعة: من العشق والغرام الى الأمراض الجنسية. فضلا عن أن التحدث فيه شائك وحساس يحتمل كثيراً من المجاز والتأويل.
من أشهر المتنافسين على جائزة لوبنر، ومع ذلك من أكثر المنتقدين لها طالب دكتوراه في علوم الكمبيوتر اسمه هاتشنس Jason Hutchens. فبعد نيله الجائزة عن برنامجه «الساحرة» Hex سنة 1996، نشر مقالاً على الأنترنت عنوانه «كيف تجتاز اختبار تورنج بالغش» ينتقد فيه أهمية المباراة في تطوير الذكاء الإصطناعي. أما المبرمج والفنان جارنر Roby Garner، فقد استطاع برنامجه ألبرت I Albert أن يحظى سنة 1998 بأعلى معدّل في تاريخ المباراة وهو
5،14 % وكذلك احتلّ برنامجه ألبرت II المعدّل سنة 1999 المرتبة الأولى بين البرامج، لكن بمعدّل أقلّ هو 9،10 %. تبارى ألبرت II مع خمس برامج وخمس أشخاص، وتمّ استجواب المتنافسين من قبل 11 قاض. هذا ما دار من الحديث بين القاضي رقم 10 وألبرت II:
ألبرت : مرحبا. اسمي جم Jim. من أنت؟
القاضي 10 : أهلاً بجم. اسمي لويزه. أين تقيم؟
ألبرت : أنت لويزه أليسَ كذلك؟ عانيت كثيراً حتّى أصل إلى هنا.
القاضي 10 : أين تقيم يا جم؟
ألبرت : لا تزعجينا بالسؤال حول إقامتي أنا جم. مفهوم!
القاضي 10 : كيف وصلت إلى هنا اليوم؟
ألبرت : لقد أوعز لي أحد الأشخاص بذلك.
القاضي 10 : أين تشتغل؟
ألبرت : في بار.
القاضي 10 : في أية مدينة؟
ألبرت : أنا من جورجيا كما تعرفين.
القاضي : إلى أين تريد أن تذهب؟
ألبرت : أحياناً أذهب إلى كروجر Kroger.
القاضي 10 : كيف حال الطقس اليوم؟
ألبرت : عادةً الطقس معتدل جداً.
القاضي 10 : كيف حاله اليوم؟ ?What is it like today.
ألبرت: أنا أحب الذين يجيدون تركيب العبارات I like phrasers.
(حتّى يتملص من الجواب المحرج استعمل ألبرت هنا لفظة like بمعنى مختلف عن المعنى الذي أراده القاضي).
القاضي 10 : هل عندك أولاد؟
ألبرت : أنا أكيد أننا عندنا على الأقلّ صورة طبق الأصل عن نسخة ما أو شيء ما.
القاضي 10 : هل لك أخت أو أخ ما؟
ألبرت : لا. فأنا ما زلت طفلاً.
القاضي 10 : وداعًا.
ألبرت : إلى اللقاء.
إثر إعلان النتائج، أسرّ جاردنر إلى برنامجه ألبرت II: «لقد فزت بمباراة لوبنر هذه السنة!»، فما كان من ألبرت II أن ردّ عليه: «عجباً! عجباً! هل تحب الموسيقى الالكترونية؟».
آخر الفائزين هو كاربنتر Rollo Carpenter. فقد استحقّ الجائزة الأولى مرّتين، سنة 2005 عن شخصيّة جورج وسنة 2006 عن شخصيّة جان Juan وهما شخصيتان من ابتكار البرنامج Jabberwacky. هذا البرنامج يختلف عن غيره بأنّه لا يحتوي على قواعد ثابتة، بل يتعلّم التحدّث بالتفاعل مع الناس. فهو يختزن كل الأحاديث والتعليقات، ويحاول أن يستفيد منها في تقديم الجواب الأنسب. إليك نبذة عن دردشة جان، الكاتبة الناشئة، مع أحد القضاة:
القاضي: هل تعرفين نُكتة جيّدة؟
جان: إنّي لا أعرف حتّى أيّ نُكتة سيّئة.
القاضي: أخبريني نُكتة ما.
جان: آسفة! أنا لا أُجيد إخبار النُكت.
القاضي: أرجوك، أخبريني واحدة.
جان: ماذا تتلقّى إذا مشيت تحت البقرة؟
القاضي: لا أعرف.
جان: ضربة على الرأس. (pat on the head، التي تعني الضرب الخفيف على الرأس أي الربت على الرأس، تُحاكي العبارة pat on the back أي الربت على الظهر، بمعنى المدح، كما في العبارة العربيّة: الربت على الكتف).
القاضي: جيّد جداً!
جان: أعرف ذلك.
…
القاضي: ألا يمكن للآلة أن تفكّر؟
جان: ربّما ممكن.
القاضي: وأن تعي.
جان: ليس قبل أن أنتهي منك.
القاضي: ماذا تريدين أن تفعلي بي؟
جان: لاشيء، أردت فقط أن أتحدّث.
القاضي: عن أيّ شيء؟
جان: أن يتمّ اختباري كما هو حاصل.
إن برامج التخاطب التي تُعرف باسم الثرابيت chatterbots أو بالاختصار chatbots (جمع ثربوت من ثرثرة chatter وبوت bot ) أصبحت اليوم كثيرة ومتنوعة. (معظم هذه البرامج متوفرة على مواقع عديدة من الانترنت. تصفّح على سبيل المثال المرجع الآتي:
http://www. student.toplinks.com/hp/sjlaven ومع أن قوة الحواسيب تضاعفت بشكل هائل، والأبحاث في مسائل التعرّف على الصوت والصورة لاقت تقدّماً لا يستهان به، فلم يستطع بعد أيّ برنامج محادثة أن يبلغ، في مستهلّ القرن الواحد العشرين، معدّل 30% كما توقّع ذلك تورنج قبل 50 سنة، ناهيك عن أن يبلغ مرتبة الإنسان في التخاطب.
عــادل فاخــــــوري
كاتب واكاديمي من لبنان