إسراء عمر
1
القلمُ محراثُ الشغف
تَعُضّني نفسي بسيلٍ من الأسئلة
عن معنى سُكناك غير المنقطع في كلّي
وسَكني الدائمِ بانقطاعِه في بعضِك
وتَعِدُني الأسئلةُ بفيضٍ من الأجوبةِ الناقصة
تسائلني نفسي لأحاسبَ قلمي
عن معنى ما يكتُبُهُ إليك
ربما أنّ الكتابةَ وسيلتي
للسفرِ المجازيّ إليك
بكلماتي الذائبة شوقاً، الغارقة شغفاً
لأصلَ لاهثةَ القلمِ إلى قلبكَ الحجريّ
أو هي سبيلي لأشبعَ حاجتي
للتعري من غربتي عن العالمِ
وألبي احتياجي للتجرد من اغترابي عن عوالمي
لذا أحاولُ إقامةَ صلةٍ روحيةٍ مع حضورِك الغائب
بأن أسكُنَ نظراتِك وأساكنَ عباراتِك
أَراني متمددةً في حدقةِ حرفك
كما أنا دونَ أقنعةٍ أو أحجبة
لأعيشَ مختلفةً عن حقيقتي
أن أسكنَ معنى وجودي في رعايةِ
بُعدك الماديّ
أشعرُ بأني محلُ إعجابٍ لديك
أُقنعُ شكّي أنكَ تشتاقُني وتشتاقُ إلي
فاستشعرُ تسامحي وتصالحي
مع ذواتي المتشاجرة المتسامحة
وأَعلمُ أن رغبتي هذه مستحيلةٌ
لكنها لا تفتأ تصهلُ في أعماقي
تبوحُ وتنوحُ
أحاولُ أن أعبرَ جسورَ نفسي
عبر مرايا عينيكَ العميقتين
لأُعَبِّرَ عن تماسكي الداخلي
فتتبلورُ معالمُ جسدي الخارجيّ
وأكونُ ذاتي المُطلقة
المنطلقةَ ظاهرًا وباطنًا
دون أن أنفيَ إحداهما لصالح الأخرى
أو أثبتَ وجودها على حساب شقيقتها
وها أنا أمارسُ اندفاعي لاستحوذَ على نفسي
فتنمو كينونتي وتتبلور هويتي
وأنمي ما أمتلك من أنوثةٍ طاغية وطفولة آسرة
دون الطمع في امتلاكِ ما يفيضُ عن حاجتي ورغبتي
أو يدفعني نحو اشتياقِك أكثر
فاحتياجي إليك مزمنٌ ومتقدمٌ في السر
أما أنتَ
فمسكونٌ بالتنقلِ والترحالِ
بين حجرات القلوبِ المعتمة والباردة
لا تمتلكُ إقامةً دائمةً
سريةً أم علنيةً
في محطات القلوبِ الدافئة
العامرة باللهفات
ـ تكتبُ إليه عنه
لتنتصرَ على هزيمتها الأنثوية
تحاولُ الانتصارَ على موتِها الوجداني في حياته مجازيًا
تكتبُ كلماتٍ تاماتٍ ناقصات
تُشَرعُ عوالمَها على كافة
أشكال الكتابة الموجعة والموجوعة
تصارعُ ورعًا خبيثًا
يسري في شريانها اللغوي
تكتبُ انهيارَها الرهيف وانبهارَها العنيف
حين حطّت كيمامةٍ على إصبع إلهامه
لتلتقطَ الحُب وتنقرَ الحَب بأمنٍ ونجوى
ثم ترتل أشعار صلاة الغياب
لروحٍ طالت هجرتها في نون النسيان
دون أن تفطنَ إلى أن الهجرَ والغدرَ
مَعلَمٌ أصيلٌ من معالم الإنسان
ـ الكتابةُ قدَري
ليرقدَ خيالي في مهده الأزلي
هي شجارٌ هادئٌ بيني وبين الكلمات
تُكشِّر اللغة عن معانيها
تدنو الكلمات باستحياءٍ محموم من حافة الدهشة
أُمسك حرفها البليغ
أجر رأسها الموسوم بالإعجاز
أعتصر خاصرتها
أراقص حركاتها
أحاور معانيها
أُروض بلاغتها
أرتشف حبرها
أقشر إعجازها
لكني عاجزة عن مقاومة سر جمالها
تُرَتق جروح الصمت
تزج بي في يَمّ امراة جديدة
اللغة تقرأني وتكتبني
الكتابة المتواترة والمتوترة
تمنحني حفناتٍ من الأُنس والسكينة
تحتاج قارئًا يمتلك أذنًا خفية
تصغي إلى ما لا يقوله القلم
من انفعالاتٍ يقِظةٍ تغفو بين السطور
لا تلدها الألسن ولا تُميتها الشفاه
تلك الكتابة تحيي في نفسي زوبعةً من الأسئلة والأخيلة
لأعثرَ على قرار نفسي
في قرارتها الهشة والصائبة
أكاد أخاطبُ نفسي بأن في مسالك الأرض
نفْسًا أخرى سكنتْ كهوف روحي
وآنستْ وحشتها
وفكّت عقدة لغتي
تقرأني وتوحي لي أن أبوح باللامباح واللامتاح
فهل يأتي يومٌ تُبصر فيه حروفي الجريئة قبَسَ الحرية؟ّ!
تطفو فوق سطح العقل
هل ستنتصر مَلَكةُ الكتابة المبتَدَعة
من بنات خيالي المغامر
لتهبَ من يلتهمها ببصيرته
متعةً ما؟!
تقتنصُ ما يَعتمل في نفسي
ويتجوهر في فراغاتي
ويتجمهر في دهاليزي
عوضًا عن الاستمرار في التسكع في فقاعات الخفاء
أتستر خلف نقاب الخجل
وأُجبرُ القلم على ارتداء قفازات الحياء؟!.
متى تُولد اللحظة التي أتمكن فيها من استمالة ذهنكَ
لتبصرَ قلمي سلمًا من لهبٍ وحطب
يصل الثرى بالثريا
أن أمسكَ عقلًا وأصطحبه في نزهةٍ حبرية
نحو غير المألوف
دون أن أحَاكَم خياليًا
أو أن تَحكُم على أحلامي بالإعدام شوقًا
أزواج من الأسئلة
تتلاطم في كرتي الذهنية
ولا أجد سوى القلم
أهش به هواجسي
وأهدهد به الأسئلة المتعربشة حول أنفاسي
2
ـ أنتعلُ جنون امرأةٍ حبرية
أَبسط سلطتي المطلقة على وعيِها المنقوص
أتغلغلُ في روحها
أتكئ على توازنها المختل
أتخذُ من واقعتِها ذريعًة للتعبيرعن أحلامي
أَسرِد أحداثًا
مرصعةً باقتباسات ماضيها الأرعن
مطرزةً بأحلام مستقبلٍ أرمل
أنبذُ الواقع المذنِب، وألبس الخيالَ البريء
فالكتابة تُلحمني بالوجود
تُقحمُ واقعي في قلبِ خيالي
تُلبس حياتي العبثية المفرِطة في فرادتِها
معاني الحياة العادية
لأتمكنَ من ولوجِ عالم البشر بنفْسٍ زائفةٍ تشبِههم.
– أكتبُ لأراقصَ الكلمات
على إيقاع خيالي اللامتزن
أبحثُ عن هويتي الحقيقية
لتفورَ ينابيع جمالي الداخلي
وتلفظ نفسي إفك الممنوع والعيب
أتنفس غبار الحرية المسحوقة تحت عجلات الحياة والحياء
أتلذذُ وأنا أنقشُ عوالمي في كلمات متمردات
أطّرِزخيالي بإبرةٍ دقيقةٍ من خيوط الجنون
أرقص في حلبة النص كما أشاء
أتبعثر أتناثر
أتلاشى أتسامى
أنصهرأذوب
أصرخ أبكي
أموت أحيا وأنبعثُ
امرأةً حريريةً وحديدية
وحده نبض القلب ينضب بقدَرٍ معلوم
أما نبضُ القلم فخالٌد.
– حين يفيضُ القلمُ جسدَ الورقة الهيفاء
تُولَد نسائي كثيرات غزيرات
لكلِ واحدةٍ حكايتها التي لم تُروَ
تصيرُ الورقةُ فضائي للخلقِ والتحولِ والانشطار
أصبحُ ثنائياتي المتناقضة المتكاملة
الحرفُ مَسكَن مخيلتي وسكونها
أتمددُ تحت شموخ الألف
تحتويني الحاء في حَرجِها
أتفيأ ظلَ الياء
أَسرد معجم أحلامي
أمارس حقي في الحب والحقد
أكتشفُ عوالمي حين أكتب
أكتب وعيي بلا وعي
أخلع عقلي وأتركه على رف المنطق.
– يوقظني القلم، يتوسدُ إصبعي
يُفرغ ما في جعبته من طيش
هو مُنبهي لأبقى على قيد النبض
أكتب كي لا أموت شوقًا لحلم وخنقًا بواقع
أكتب لأليِّنَ صلابتي الهشّة
وأصقل كسوري الليّنة
أُدلّك آلامي الكبرى وآمالي الصغرى
بزيت الصبر الحلو
أتلوَ المعوذات
وأرتّل مقامات الخطايا الصوفية
هكذا ألعقُ مع الوقت خيباتي
فهل أُفلح في جبْرانكساراتي؟!
من الاستحالة جبْرعظام الخيبات
المفتتة شظاياها في خاصرة النفس
أُعلن العصيان بأصابعي وأعصابي
تنبحُ كحيوان ضال
تنوحُ كأرملةٍ عذراء
أحتاج إعادةَ الحياة الى أجزائي الميتة
ونشرَ ترانيم رسالةٍ نورانية في أعماقي المعتمة
أحتاج أن أعود إلى ذاتي قبل الكسر والالتواء والتصدع
فما أَحوَجَني إليّ
قاسيةً وهشةً
ليّنةً وصلبةً
ولكن أَيكونُ ذلك؟!
دون شُحٍ أو إسراف
دون غموضٍ أو تفسير
ودون فقْد التناقضات المتكاملة دهشتها.
– في غفلةٍ من الوعي
أتأبطُ ذراع القلم الجميل الجليل
أهربُ من واقعي الخاوي
وأفرُّ من داخلي المنخوربالفراغ
أُعلنُ التمردَ الإنساني
ألوذ بذواتي من استبداد الحلم وطغيان الوهم
أُحاولُ الولوج إلى دواخل أخرى أكثر صلابة
فالكتابة خياري لأنجوَ من فك الواقع
أكتشف أني وقعتُ فريسةً لإفكِ الحلم
أحاول اقتناص اللحظة
وقنص الفكرة
من فم التيه والجنون
أُنيطُ الأقنعة عن وجه وردةٍ عالقةِ
على غصن الفكرة
أرممُ مرايا نفسي المشقوقة
وأخيطُ جدران روحي المثقوبة
بالكلمة والقلم
أكتبُ ما أكبتُ في سري وجهري
أكتبُ لأغسلَ إثم وجودي على هذه الأرض التي تسحق الحياة
لأعتقَ ذاتي من عذابِ القهر
هي لا تُقهَرْ وإنْ زُجِرتْ
يودون وأْٓدَ لهفتِها
وسلْبَها حريتَها
وإجهاضَ رغبتِها
وختانَ خيالاتِها
وخَتْم قلمِها بالحبر الأسود
ولكنها … ستظلُ تكتب.