قصة من الخيال العلمي
قاصة وكاتبة من العراق.
لم أقو على النوم…ولاأستطيع انتظار النهاية..وعطشانة منذ الصباح.. وبالكاد أستطيع الحركة تلقاء الباب..وسأموت إن بقيت ساعة أخرى في هذا المكان..
– لا تفقدي الأمل بقيت هناك ساعة واحدة ويرحلون..
– من قال ذلك؟..
– الردايو قال ذلك..ولن يعودوا إلا بعد مليار سنة..
– ملياااااار..
– إخفضي صوتك لئلا يسمعون…..
– ولكنهم بعيدون..فهل غادروا البيت..
– كلا..هذا هو البيت الأخير على مايبدو، فقد اختفت الأضواء في كل مكان وعم الصمت المطبق من حولنا، لم أعد أسمع صرخات الناس المذعورين تتردد في الجوار..هل تسمعيها؟؟
– كلا.
– إذن سنخرج الى الحديقة…..ونهرب من هناك..
– ولكنهم يضعون شبكات الضوء السمية في كل الأماكن……وقد نعلق بواحدة من تلك الشبكا..ت.
– لاتخافي..المكان واسع جداً ولن يتمكنوا من رؤيتنا..
– هل ترى ذلك السائل الأحمر في المزهريات… أنهم يضعون النباتات في دمنا.
– لاأدري..لاأعتقد.
– وماهذه المراوح المصنوعة من خصل شعر شقراء وسوداء..
– هذه ليست مراوح… ماحاجتهم لها؟؟ إنها أغطية يغطون بها مصابيح البيت..إذا نظرت الى ضوء الشارع الآن ستجديه مطفأً..إنهم يسخرون من هذه الأضواء البدائية التي نستعملها ولديهم في أجسادهم مرشات ضوئية تغطي مسافات بعيدة من الأميال، كما أن معاطفهم ثلاثية الأبعاد قادرة على جعل مرتديها غير مرئي للناظرين. وكلهم يرتدون هذه المعاطف المصنوعة من النانو.. انها تعكس الضوء وتجعل أجسامهم غير مرئية، وبمساعدة تلك المعاطف يستطيعون التأثير في انتشار الموجات الضوئية وتحويلها إلى مسارات جديدة.
– ولديهم هذه الشبكات السمية أيضاً..انها تصنع الموت للكائن البشري فقط وتؤدي الى سريان دمه في أكثر من اتجاه..ثم يموت… فلاتدعني أموت..ولاتدعني أنام…
– هههششششششششش..هاهم قد جاؤوا.. لنختبئ في أي مكان..
– تحت المفرش..
– كلا..
– تحت هذا الغطاء؟..ماذا أقول؟.. كيف أفكر؟…
– لاتخافي… لن يتمكنوا منا مرة أخرى..معي لاتخافي..
– ولكن اين نختبئ ؟
– خلف الستارة؟
– قد يفتحونها… هذا البيت فيه حمامات كثيرة وأعرف حماماً لن يدخلوا إليه..إنه يتكون من عدة غرف صغيرة تستعمل للتبخير.
– سأذهب لأجي بالحقيبة فنعثر على كتابك الذي يحكي قصة مشابهة من الخيال..لانملك الآن غير الخيال.. أين تركت الحقيبة؟ في غرفة النوم ؟
– هناك ثلاث غرف نوم.. وهي في الغرفة الأخيرة..كيف تذهب إليها؟..
– استطيع ذلك..
– وبعد ذلك..
– نخرج إلى الحديقة..
– لنا يومان في الحديقة..جعنا وبردنا وأكلنا من الزبالة.
– لو صبرنا أربع وعشرين ساعة ستحل المشكلة من تلقاء نفسها.. ألم تسمعي الأخبار؟؟
– من هناك ؟ماهذا الصوت؟
– هششششششششش.
– أسمع حركة تشبه هبوب الريح..إنهم يبحثون عنا…أنزل يديك من البانيو وتعال إلى داخله..قد نبدو صغاراً كالحشرات قياساً لأجسامهم التي تشبه الغيوم…
– أهذا مكتوب في الكتاب..
– نعم..قلبان إذا اتحدا سينجوان من كل شر.
كانت البانيو كبيراً فتكوما داخله وهما يرتجفان خلف ستارته..تراجعا من الفرار إلى الحديقة وكمنا في قعر البانيو، وهناك تمددا بعد أن توليا فزعاً من الكتلة الضوئية الهائلة التي اقتربت من باب الحمام فبدت من خلال الشق التحتي للباب تشبه قمراً يشع.. الضوء ينطفئ…يشع..ينطفئ.. ويظل هكذا لعدة دقائق..
– أين أنت؟؟
– انا خائفة..
– تعالي إلى حضني.. سنحيا سوا أو نموت سوا…أليس ها هو الحل ؟
– نعم. ولكنهم يبحثون عنا…
– لا لا لا.. إنهم يبتعدون ويبحثون في خزانة المطبخ عن شيء ما.. عن أحد غيرنا..الخلاص..اقتربنا من الخلاص.. بقي يوم واحد ويرحلون..
– يارب…
حل الظلام الموحش الذي يختلف عما ألفاه من ظلام..لايعرفان من البيت الذي هبطا إليه من السيارة، سوى أنهما وجدا نفسيهما في حديقته، بعد أن أذاعت الأخبار تحذيراً عن وجود كتل ضوئية تنتشر في الشوارع وتشع ثم تنطفئ من تلقاء نفسها.. ويبدو أنهاهبطت إلى الأرض من مكان مجهول.. قالوا انها لاتملك شكلاً محدداً ولديها أجساد تشبه الغيوم. إنها كائنات من مجرتنا ولكنها لاتعرف شيئاُ عن لغتنا..ستسمعها على شكل وشيش أو أزيز متصل..لأن أجسامها مترامية الأطراف ومبسوطة كالستائر العريضة …
– تعالي إلي وتحدثي كما تشائين فلن يسمعونا..ولن يرونا بالطبع..
– ولكنهم قادمون..وسيسحقونا بمرشاتهم الضو……..
– هششششششششششش.
أرجو ان تصدقوا هذه الحكاية الغريبة قبل أن انتهي منها.. لقد حدثت فعلاً… قبل ملايين السنين. نعم.. حدثت… وكان البشر لايعرفون من العلم إلا عشر عشر أعشاره.. ولا يأكلون البقرات الضاحكة إلا بشطائر الخبز المشوي بالسمسم..ولايتحدثون لبعضهم الا عبر وسائل بدائية هي الهواتف المحمولة باليد… والشاشات التي تبث الكلمات على موج مستقيم فقط… أما رؤوسهم المنحوتة على شكل أنابيق تغلي فيها الأفكار وتفقفق، فتتصل بقرصين جلديين يلتصقان على الأذنين اليسرى واليمنى وتتكامل فيهما تلك الأصوات القادمة من بعيد. يأكلون الكلام بعد أن يستلمونه عائماً على الموج الكهرومغناطيسي… ثم يردون عليه بالضحك أو بكلام آخر يأتينا على شكل لغط متصل تنقله إشعاعات الراديو وموجات الرادار.. ولديهم مصانع لصناعة الأسلحة والمتفجرات وحماية الأجواء من الصواريخ التي يطلقها بشر آخرون… لم يكونوا يعرفون سوى ثلاثة أنواع فقط من حزمة الإشعاعات المؤينة سارية المفعول..وكانوا يضحكون كثيراً بالرغم من كثرة موتاهم وقتالهم مع بعضهم البعض..وما هو المهم في كل ذلك؟..المهم في كل ذلك إن ضحكهم العالي وصل إلينا نحن جيرانهم في المجرة فرمينا بأنفسنا من الشرفات وسقطنا على الأرض كما يتساقط الرز الذي يأكلونه، من صحن منقلب.. لم نتأذ بالطبع لأن أجسامنا في خفة الريش ولكنها مترامية الأطراف ومضيئة وليس فيها من أعضاء الإنسان المضحكة سوى العقل الدوري الذي يتجدد من تلقاء نفسه بتأثير ضوء الشمس الداخل إليه من جميع الأطراف…ألفاظنا هي أفكارنا ومن خلالها نتواصل مع بعضنا البعض بصمت شديد وبلا ضجيج كذلك الذي يصدره البشر.. لم نتعلم القراءة من أحد ولكننا نفهم الكلمات التي تحملها خطوط الضوء المستقيم والتي تخترقنا من جميع الجهات فيحفظها عقلنا الدوري حتى وإن لم ينتجها..أعطينا أكثر من فرصة للإنسان الأرضي.. هذا الكائن المزعج لكي يكف عن ضوضائه وضجيج مكائنه وكهربائياته وآلياته الماشية تحت طبقات الهواء النقي.. فعلنا ذلك من خلال إرسال الفكرة تلو الفكرة.. قلنا له من خلالها أن العدل موجود عندنا وننتظر أن يكون موجودا عندكم فلا تلوثوا الهواء النقي بأوساخكم.. هذا الانسان.. لو تعلمون، أكثر الكائنات إجراما على كوكب الارض.. يدوس على النملة بدم بارد ولايدري أنها أكثر نزاهة منه..بل وأكثر استحقاقا منه للحياة لأنها تعيش بتناغم مع هارموني الطبيعة وليس لديها خرافات تحولها إلى خرفان محشية.. ليس لديها حاضر ولا ماض ولا مستقبل..لا تعرف شيئاً عن كأس العالم ولا عن تاريخ أمريكا وحربها في أفغانستان.. النحلة أيضاً وهي تصنع العسل أفضل من وصول هذا الانسان إلى سطح القمر.
وبالطبع لم يصلنا من الإنسان كلمة واحدة..ولا حرف واحد..فشعرنا بالغضب من الذين كانت ضوضاؤهم تزداد وتزداد ونزداد…. وعندما فاض الكيل بنا أفرجنا عن فكرة (النهاية) التي تضع حداً لكل مشكلة تعترضنا بدون الحاجة للاستعانة بالصواريخ التي تطلق عن بعد..نعم فكرة (الغضب) هي التي استدعت فكرة (النهاية) لتخليص الكون من هذا الكائنات التي تأكل كثيراً وتثرثر كثيراً وتضحك كثيراً وتطلق الكثير من الغازات السامة إلى طبقة الأوزون.. كان أولئك البشر قد تكاثروا من اتحاد حوين وبويضة لم يكن اتحادهما ممكنا لولا هبوب عجاج النيزك الكوني الذي جعل الديناصورات تنقرض من على وجه الأرض فتقع البسيطة في فراغ مديد وهي تحاول انتاج غطائها النباتي من جديد…. وهذا النشاط الأرضي الجديد هو الذي جعل النبات تتحول إلى رئات لإنتاج الأوكسجين وتحريره من الماء…… فهل عرفتم أن أول الكائنات الحية نشأت من خميرة كريهة (متبلة) بمقدار وافر من الجزيئات العضوية الضئيلة كالأحماض الأمينية والسكريات والقواعد النيتروجينية الأساسية؟؟
ولا أنا عرفت… ولكن المعلومات التي تخترقني من أقمارهم الصناعية تقول أن الأرض تكونت من سحابة هائلة سموها بالسديم تدور حول نفسها من غازات ملتهبة منذ خمسة بلايين سنة. وعندما بردت هذه الغازات وتكاثفت بفعل الجاذبية تكونت الصخور، وغطت البراكين بعدها الكرة الأرضية وتكاثف بخار الماء الساخن فتكونت بذلك البحار أما الجو فكان مكوّنا من غازات الميثان وأول أكسيد الكربون والأمونيا وكان البرق والعواصف الشديدة والأمطار منتشرة فى جو الأرض. وعندئذ نشأت أول الكائنات الحية البدائية من مادة غير حية في بيئة كانت على الأرجح عبارة عن مياه بركانية كبريتية ساخنة محملة بالمعادن. وربما كانت هذه الخميرة الكريهة المتبلة بمقدار وافر من الجزيئات العضوية الضئيلة وبعض المركبات النموذجية الأخرى المؤلفة من المقومات البيولوجية. هي التي أنجبت، وبفعل العمليات الكيمياوية التي كانت تجري كيفما اتفق، تحت مختلف الامتحانات، وتتكرر بشكل يفوق حد الوصف والخيال، جزئيات من مركبات الكربون لها بعض خواص الحياة، من حيث إمكانات النمو والتكاثر بالانقسام والتغذية، وسرعان ما شرع التناسل بين هذه الجزئيات، فامتلأت البحار، وبعد أجيال، تشكلت جميع الكائنات؟؟ فهل كنتم تعرفون شيئاً عن تلك المصادفات التعيسة؟؟
ولا أنا عرفت… ولكني مضطر لحفظ هذه المعلومات في فراغ يتجدد كل يوم عن طريق المعلومات التي يرسلها أولئك البشر إلى أقمارهم الصناعية… كانوا بحاجة إلى تلك الأقمار البدائية لتبادل المعلومات فيما بينهم ونحن كنا نمد أنفسنا من تحت الشرفات فتخترقها تلك المعلومات وصولا الى عقلنا الدوري الذي يحفظها ثم يفقدها بعد أيام لتحل معلومات جديدة تتحدث عن أربع مليارات سنة مرت منذ بدء الخليقة على الأرض…ملياران منها لم يكن الأوكسجين موجوداً في الهواء، بل ثاني أوكسيد الكربون فقط… وملياران منها بدأ الاوكسجين بالتكون من خلال القرارات الكلسية الطحلبية التي أدت الى أعظم تغيير جذري في الارض حصلت من خلاله الأرض على غلاف الاوكسجين الجوي الذي جعل الحياة ممكنة على الارض….حياة أولئك البشر تدين بوجودها الى الغلاف الجوي، لأنه يمنع الاشعاعات الضارة للشمس من الوصول الى الأرض.. والغلاف الجوي يدين بوجوده الى بكتيريا الطحالب التي أخذت أشعة الشمس وانتجت الاوكسجين الذي يتنفسه ذلك الانسان لكي يعيش..يعيش ليقضي على كل جذوع الأشجار وأنواع الطيور ولحوم الحيوان المسكينة التي يربيها ثم يأكلها ويلبس جلودها..إنه ملأ الأرض بالفضلات.. والتهم كل ما عليها من زرع وحيوان.. فهل عرفتم سلالات حقيرة مثل هذه؟؟ وهل تعرفون إن الارض ستكون أفضل حالا إذا جعلناها فارغة منهم وحل ضياءنا الوهاج بدلاً عن أولئك البشر…..
لا يهم ماذا تقولون…المهم أن المليار الأول من البشر تكون في غضون مليون سنة بينما تكون المليار الخامس في غضون احدى عشر سنة فقط… عندئذ بدأت الملابس تغزو الاسواق لتمحو التشابه بين البشر وتظهر الفروقات السبع بين واحد وآخر ليس أهمها أن البشر إذا أغمضوا عيونهم وجدوا الظلام الدامس وأذا فتحوها وجدوا الدنيا الزاهية والصور التي لاتلد ولاتبيض ولكنها تتكاثر على الجدران عن فاتنات عابرات للقارات وفاتنين خالدين لايدركهم الموت أو الكبر… يطبوعنها على ورق الأشجار التي تكاد أن تنفد من الغابات من كثرة مايطبعون من حكايات ومذكرات وروايات.. كما وينحتون من جذوع الأشجار ملايين العيدان التي ينظفون بها أسنانهم…. لبنية ثم دائمية.. ياللقرف.. هياكل عظمية ياللقرف… أنوف وآذان وعيون… دماء حمراء اللون ياللقرف.. وأميال من الورق لكي يمسحوا عرقهم ومخاطهم ولعابهم وينظفون مؤخراتهم بعد أن يتغوطوا… هل عرفتم شيئا مقرفاً مثل هذا؟؟؟
ولا أنا عرفت.. ولكن المعلومات التي تخترقني مع ضوء الشمس تقول معلومات أخرى غير تلك المعلومات التي تخترقني من الأقمار الصناعية وبعضها غريب جداً يتحدث عن وجود يوم واحد لهبوط الإنسان من الجنة إلى الأرض ويوم آخر لقيامته وبعثه من القبور….. ولازلت أنقل لكم مايا تغذى به عقلي الدوري من معلومات سيارة تخترقني وتجعلني أستطيع التواصل معكم بطريقة يصعب شرحها لأنكم تجهلونها..أنتم يامن لازلتم تضحكون ولاتعرفون كيف انتهت حياة أجدادكم على هذه الأرض.. ثم بدأت من جديد بغفلة منا مع الأسف الشديد.. لن أطيل عليكم.. بقيت فقط أهم الأفكار التي أمتلكها عن نشوء أسلافكم البشر.. وهي فكرة (الهباءات) التي نعتقد بصحتها بعد أن رجحتها نظرياتنا، نحن سكان الهواء، وتقول هذه الفكرة إن الإنسان كان نتاج حياة أزلية وإنها انتقلت من نظام كوكبي إلى نظام آخر على شكل هباءات حية أو كوزوموزونات، وعندما تصل هذه الهباءات إلى كوكب ما ذي ظروف تلائمها، تبدأ بالتكاثر والتطور حتى تبلغ أعلى أشكال الحياة. وهذه الكوزوموزونات التي تحمل الحياة، لا تنفك تتجول في أنحاء الكون، وهي تستطيع أن تكتسب أثناء جولاتها في الفضاء الشاسع سرعة كبيرة: انها تندفع بواسطة الضغط الإشعاعي للنور الساطع من النجوم… هذه الهباءة النباتية الصغيرة يحملها تيار هوائي صاعد إلى حدود الجو العليا، ثم تقذف بواسطة الإشعاع الصادر عن الشمس، فتكتسب سرعة مائة كيلومتر في الثانية، فإذا سارت تلك الهباءة بهذه السرعة، فإنها تستطيع أن تصل ببضعة شهور فقط إلى الكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي، وفي عشرة آلاف سنة تستطيع هذه الهباءة بنموها وتطورها، أن تملأ المسافة التي بيننا وبين أقرب نجم إلينا. ومما تقوله المعلومات عن هذه الفرضية على وجه الدقة: إن هذه الهباءات تستطيع أن تكتسب في حالات الجفاف قدرة على التفريخ تدوم زمناً طويلاً، وأنها لا تتكاثر بالبرودة الشديدة، وأنها تستطيع أن تستأنف حياة جديدة في أي عالم تذهب إليه شريطة أن تجد الظروف فيه ملائمة. هذه هي نظريتنا عن أصل هذا الإنسان الشيطان الذي خرب كوكباً جميلاً وملأه بالمباني البشعة والحمامات بدلاً من الحقول والغابات.. نعم هذه هي نظريتنا في نشوء الحياة على الارض وانطلاق مسيرة الكائن الشره الذي حولها إلى خراب..فقد أحرق الاخضر واليابس والتهم كل ماعلى الأرض من زرع وحيوان.. ليس هذا فقط وإنما اخترع مرشات المبيدات لقتل كل مالايعجبه من الحشرات والسحالي والنمل المسكين.. ياله من متعجرف.. صحيح أن لديه العقل الذي يرسل معلومات مخترعة في غاية الذكاء إلى الأقمار الصناعية.. ولكن هذا العقل ارتبط بجحافل من النصوص والتفسيرات التي كان يسميها مادية تارة ومثالية تارة أخرى…سلسلة من المشاكل جعلته يدور في دوامة الربط بين الحقيقة والتاريخ ولم يستطع الفصل أبداً بينهما.. كان يجتر الماضي كالحمقى والبلهاء..وداس على الدعسوقة التي هي أفضل حالاً منه.. وقتل النحلة التي تهندس بيتاً أجمل من بيته وأحرق دودة القز التي تصنع ثوباً أجمل من ثوبه..كنا نريد كوكباً لمثل هذه الكائنات الصغيرة التي لاتعي ولا تجتر الماضي وليس لديها تاريخ.. لهذا فهي تمتلك الحقيقة المطلقة..التي تتكرر بلا تاريخ.. قه قه قه سأقلدكم عندما تضحكون ثم أقهقه من التاريخ الذي درسناه بعقولنا الدورية المتجددة ونحن نضحك من هذا التاريخ..حروب وأمجاد وأحفاد ثم قبور ومراقد للموتى وهياكلهم العظمية….. تذكروا الخرفان المحشية لتعرفوا إننا لم نظلمكم ولكن أنتم الذين ظلمتم أنفسكم وقد منحناكم الفرصة تلو الأخرى لكي تشكلوا أنفسكم من جديد..فعلنا ذلك بعد قراءة مستفيضة لرموز الكوكب الذي دمره الانسان ومنحناه الفرصة في أن يشكل نفسه بدون هذا المفهوم الساذج للتاريخ.. ولكن لافائدة.. وقد آن الأوان لكي نفصل كوكب الأرض عن الإنسان صانع هذا الماضي الأليم..سنمحو عنه هذا التاريخ الفائض عن الحاجة ونخلق رواية جديدة للأرض بدون هذا المفهوم الساذج للحياة..هناك مفاهيم اخرى لاتقوم على تلاوة التاريخ وتنفصل بالكل عن الماضي وهذا الانسان الساذج لايدركها مع الأسف.
هذه الكائنات رششناها بمرشاتنا الجاماوية التي ستؤمن لهم نهاية سعيدة.. سنرشهم ونؤمن الخلاص لكوكب الارض..هم في غنى عن تلك الحياة القصيرة التي يلتهمون فيها غيرهم من الكائنات بدافع الشراهة وليس بدافع الجوع أو العطش.. وآخر إثنين منهم وجدناهم مختبئين في حوض مضحك يشبه القبر اسمه بانيو الحمام. كانا يتحدثان بلغة نفهمها ونسمعها بحكم خبرتنا المكتسبة من أقمارهم الصناعية.. ودون أن يدركا ذلك تمكنت مرشاتنا الضوئية، التي تتغلب على الحواجز والمسافات وقانون التربيع العكسي، من تسليط أشعة جاما عليهما، ولكنهما اتحدا فجأة وأحتميا من مرشاتنا الضوئية بلعبة سخيفة تجعل وجودهم يتكرر عبر بشر صغار آخرين… أعتقد أن تلك اللعبة انتهت ولن تفيد بعد الآن… وقد تأكدنا من القضاء عليهما إلى الأبد… لم نكن نريد آدم آخر وحواء أخرى… ولا قابيل وهابيل.. ولا ماجي ولا كانتاكي.. ولا الصين ولا أمريكا..ولا أغاني ولا قبورا.. ولا تاريخا ولاجغرافية.. ولاخرافات وأساطير… ولا كلينكس ولاتايد.. لا نريد لأوساخهم ان تمحو الأشجار وتجعل الحياة الحقيقية تتحول إلى علب وخرفان محشية.. لانريد شيئاً من هذه الخزعبلات التي دمرت أجمل كوكب في المجرة.
………………
لايوجد أحد………..هل ذهبوا….نعم ولن يعودوا إلا بعد مليار سنة……لقد نجونا………..