– قالت العرب: "حد الشعر الكلام الموزون المقفى، الدال على معنى"(1). واضاف الباقلاني في "اعجاز القرآن " صفه أخرى هي توافر النيه فاخرج بذلك ما يقال موزونا صدفة، واتفاقا من غير غرض.
وقال المحدثون: الشرطان اللذان يجب توافرهما في الشعر هما: الوزن والقافية، والاتصال بالشعور. فالأدب الذي يجمع بينهما شعر، والذي يتصف بالاول منهما نظم، تستوي فيه كل ضروب الشعر التعليمي. والادب المتصف بالشرط الثاني وحده هو النثر الشعري(3). ويسمى هذا النوع الاخير تسميات عدة: كالنثر الفني، والنثر الجميل، ولكن العبرة ليست بالاسم، قدر ما هي في الطبيعة والجوهر.
وأطق جورجي زيدان على ما كتبه امين الريحاني من خواطر، ومقالات نثرية، مشبعة بالخيال، والجمال، وصف "الشعر المنثور". واستعمل هذا الوصف في الحديث عما كتبه جبران، ونعيمة، وغيرهما من شعراء المهجر (4). وربط بعض المهجريين بين هذا النثر وما نشره الشاعر الامريكي والت وايتمان ,(5) عام 1855، اما الريحاني فقد سمي هذا الشعر بـ" الشعر الحر الطليق " واما نعيمة فقد سماه "الشعر المنسرح "(6). ووصفه رئيف خوري نتيجة الالتزام بالقوافي فيه بالسجع (7).
وفي أواخر القرن الماضي برزت الدعوة الى التخلي عن الشرط الموسيقي في الشعر، او التخلي عن بعضه على الاقل، فقد نظم توفيق البكري قصائد من غير تقفية ضمنها ديوانه "صهاريج اللؤلؤ »(8). ودعا بولص شحادة – من فلسطين – الى نبذ القافية الموحدة، ووجدت هذه الدعوة صداها القوي فيما كتبا شاعر العراق في حينه: جميل صدقي الزهاوي(9) وشاعت كتابة الشعر المرسل لدى غير واحد: عبدالرحمن شكري، وفريد ابو حديد، وعلي احمد باكثير، الذي ترجم مسرحية شكسبير "روميو وجولييت " شعرا، وكتب مسرحية "اخناتون) ولم يكتف باطلاق الشعر من قيود القافية، وانما اطلقه من قيود البحر ايضا.(10) واستخدم بعض شعراء جماعة "ابولو» الشعرية تعبير الشعر الحرVerse Free في وصف ما يكتبونه من قصائد تمتزج فيها البخور والاوزان، وهو ما أوضحا احمد زكي ابو شادي في غير موضع (11). والى جانب هذا التعبير استخدم تعبير آخر هو "الشعر المرسل » للدلالة على تلك القصائد الخالية من القوافي.
ولم يطرح اصطلاح "قصيدة النثر» للتداول الا بعد ظهور مجلة (شعر) اللبنانية عام 1957، وقد يكون سعيد عقل هو اول شاعر عربي يعد هذا النوع من النثر شعرا، وذلك في مقالة كتبها تعليقا على صدور ديوان «ثمانون قصيدة » لتوفيق صايغ، وفي مقدمته لديوانه هو: "المجدلية "(12) وقد اقام اصحاب قصيدة "النثر» هذه دفاعهم عنها على أسمى، ومعايير فنية عدة، منها: ان الشعر ليس وزنا وقافية فحسب، بدليل ان الشعر التعليمي المنظوم من كلام مؤلف باوزان، ومعقود بقواف، لآ يعد شعرا، فلو كانت الشاعرية فيهما، لوجب ان يكون كل قول وجدا فيه شرا بالضرورة.
ومنها ان الشعور، الذي يعد شرطا اساسيا في الشعر، يمكن ايجاده بعيدا عن الوزن والقافية، – تراتيب فنية اخرى في بناء الجملة، والمقطع، وتوفير الايقاعات الداخلية الناجمة عن اللعب بالالفاظ، واشكال التناسب الصوتي الاخرى، وهذا يسوغ ان يكون تعويضا عن خلو القصيدة من القافية، والوزن العروضي.
شيء آخر وهو ان هذا النوع الجديد من الفن الشعري موجود في آداب الامم الاخري، قديما وحديثا، وبعض شعرائه فاقوا في شهرتهم الادبية شعراء القصيدة الموزونة المقفاة، أمثال: بودلير، ووايتمان، وسان جون بيرس، وآخرين.
وعلى هذا ما ان صدرت مجلة (شعر) حتى وجدنا الشعراء ينشرون باستمرار نماذج من هذا الفن، وفي مستهل نشاطها نشرت المجلة مجموعة "حزن في ضوء القمر» لمحمد الماغوط. و" تموز في المدينة " لجبرا ابراهيم جبرا، ثم نثرت بعد ذلك مجموعات "لن » و"الرأس المقطوع " لانسي الحاج. و" القصيدة ك » لتوفيق صايغ، وحصلت مجموعة شوقي ابي شقرا "ماء لحصان العائلة » على جائزة المجلة لعام 1962.
والسؤال الآن هو: ما هي قصيدة النثر؟
في مقدمة ديوانه "لن » (55 19) يجيب انسي الحاج عن هذا السؤال بالقول: ان قصيدة النثر تمثل وجها من وجوه الثورة الشعرية التي شهدها هذا القرن، وفيها يكتب النثر بلغة شعرية، ولغايات شعرية، فهو يخلو من الاطراد والتحليل الذي يميز النثر ويخلو من اسرد، والوصف، اللذين يميزان القصة والرواية، ويخلو من المباشرة التي تميز الخطابة، واشباهها من فنون النثر الجماهيري(13).
وتتلخص شروط قصيدة النثر في: ميلها الواضح الى الايجاز، واعتماد التعبير باللمحات السريعة الشفافة التي تقول الكثير باللفظ المختمر القليل، اذ ان بنية القصيدة لا مكان فيها للقول المتسع، المطنب، المسهب. وهي "قصيدة تميل الى "التوهج » بحيث توفر للقارىء عنصر الشفافية، والاشراق، الذي ينبعث منه التأثير الكلي في القارىء، واخيرا تميل هذه القصيدة الى جعل الشعر غايتها من القول، فقصيدة النثر "عالم بلا مقابل » اي انها لا تريد ان تنقل الفكرة مباشرة، انما تريد ان تشد قارئها الى ثورة تنظيمها الداخلي الذي يراي قواد اللعبة الفنية اكثر من مراعاته لاي امر اخر(14).
و" قصيدة النثر!» ليست نوعا واحدا، بل ثمة انواع فيها، فمنها: «القصيدة الغنائية " وهي ضرب من النثر الايقاعي، الذي يهتم بضروب التحسين اللفظي: التجنيس، والطباق، والمقابلة وتوازن الالفاظ والتراكيب. والقصيدة التي تشبه "الحكاية » وقصيدة النثر «العادية » التي بلا ايقاع، كالذي نجده في "نشيد الانشاد» وهو نثر غير شعري، وهذه الكتابة في رأي انسي الحاج تقوم على احلال الرؤية الشعرية الموحدة، والتجربة النافذة، بديلا عن الايقاع، فترسل لذلك تأثيرها نحو القارىء من الدائرة، او المربع، الذي تستوي القصيدة فيه(15).
وتبعا لما سبق فان "قصيدة النثر» فيما يقولون، تقوم على مبدأ مزدوج: الهدم والبناء، او الجمع بين "الفوضوية » والتنظيم الفني، فمن الوحدة بين النقيضين تنفجر ديناميكية "قصيدة النثر» الخاصة (16). ويعبر انسي الحاج عن هذه السمة في القصيدة بقوله: "يجب ان يمارس الشاعر الجنون، والتخريب المقدس »(17).
وعلى الرغم من هذه الايضاحات لطبيعة "قصيدة النثر» إلا ان الذوق الأدبي العام لم يستسغ الشعر دون موسيقى، ودون اوزان. فقد هوجم هذا النوع من الشعر، ووصف بانه "هجين » او "لقيط " او "سحاب زائل »´(18). وهو ليس شعرا في رأي فريق من النقاد، وانما نثر شعري، او شعر منثور(19). وهذه القصيدة في نظر بعضهم عسيرة، لا يستطاع الابداع فيها(20) وهي على العكس: سهلة ميسورة، لجأ اليها الذين لا يحكمون كتابة الشعر الموزون، ولا يضبطون ايقاعاتهم ضبطا صحيحا، لذا هي ادعى ان تعد في النثر(21).
وقد اثارت قصيدة "النثر»، جدلا واسعا بين الشعراء، والنقاد الادبيين، من محافظين، ومجددين. وفي الاردن لم يخض هذا الميدان سوى عدد قليل (جدا) من الشعراء، ويستطيع الناظر فيما تراكم لدينا من نماذج (قصيدة النثر) ان يشير الى تفوق الشعراء الذين كتبرها بعد ان قطعوا شوطا طويلا في كتابة الشعر الموزون، سواء أكان من شعر البحر العروضي ذي الشطرين، او من شعر التفعيلة الواحدة، المسمى بالشعر «الحر»، ومن هذا النفر المبدع في «قصيدة النثر» الشاعر امجد ناصر(22). الذي استهل تجربته الشعرية بمجموعة من القصائد الموزونة بالتزام التفعيلة الواحدة، متحررا من
القوافي قدر المستطاع (23). ثم اتبعها اربع مجموعات شعرية كلها من الذي يطق عليه اسم "قصيدة النثر»(24).
وشعره الموزون يلفت النظر بايقاعاتا الموسيقية التي تعتمد على جرس اللفظة، وتقطيع الجملة الطويلة الى جمل قصيرة، مستغلا التناسق الصوتي الذي تبعثا فيها حروف المد المختلفة.
واحد/ ليس اكثر من رجل واحد / ولكنه عليا كان/ منتشرا،/كجبال التي صدرته الى سهل،/ كان عصيا/ وكحتدما مثل صخر الجنوب،/ جموحا/ ومنبسطا مثل خيل
الجنوب/
انه الشافعي(25).
فقد أفاد الشاعر في هذا الجزء من قصيدة "الشافعي» من التكرار الذي نجده في كلمة (واحد) و(كان) و(الجنوب) ومن تكرار حروف المد الطويلة في (عاليا) و(منتشر) و(الجبال) و(عصيا) و(جموحا) والوار في كلمة (الجنوب). علاوة على ان الابيات القصيرة كالأول والرابع والسادس والثامن اضافت الى المثال مظهرا من مظاهر التصميم الهندسي الصوتي الواضح.
يضاف الى ذلك ان تلاحق الصور وترابطها في الدلالة على المتكلم عنه – وهو الشافعي- اضفي عليه سرعة في الايقاع تجعل القارىء متلهفا لمعرفة التركيب الدال عن ذروة هذا النمو العضوي للصورة.
وفي قصيدة أخرى له بعنوان "عمال النسيج » يحاول امجد ناصر ان يحاكي بايقاع القصيدة ايقاع الحياة اليومية في معمل للنسيج، مستغلا اللعب بالالفاظ، والالوان، وتكرار الكلمات، والحروف، وتوزيع التراكيب توزيعا مدروسا وفقا للتوزيع الموسيقي الذي تفرضه وحدة التفعيلة:
انهم يعرفون الخيوط الجميلة
أزرق
للستائر، والغرفات الانيقة
اخضر،
للسجاجيد، والحرم الجامعي
احمر
ابيض،
خشن للكفن،
ولكنهم يعرفون
نقابتهم حجرا، حجر.
سواعدهم ساعدا،ساعدا
والطريق الى المطعم المنزوي(26).
والملحوظ ان الشاعر صرف الممنوع من الصرف مرارا، فصرف اسماء الالوان وجعل كل اسم في بيت مستقل، وهذا توظيف للتفعيلة من اجل ان يوزع الايقاعات توزيعا خاصا يأتي بعده بأبيات طوال، مثل الابيات الثلاثة الاخيرة، وفيها نجد التكرار: «حجرا حجرا» و" ساعدا ساعدا» يزيد من قوة الموسيقى 0 الداخلية للنص.
وفي قصيدة له بعنوان "مديح لمقهي آخر» (27) نجد الشاعر يتحرر من مفهوم البيت الشعري، او اي مفهوم بديل أخر، كالشطر، او السطر، تاركا للقصيدة ان تجمع بين الابيات، والفقرة الشعرية الموصولة الجمل، التي تحاكي في مظهرها الطباعي مظهر الفقرة في النثر، وهذا واضح في المثال التالي:
"لا فرق بين المعاطف في ثلج جلعاد وبين القميص المشجر بالدم في الاشرفية هذي
البثور الدميمة في وجهك المستطيل،ومقهى الجزيرة، في جادة الملك فيصل، والله في اهبة للرحيل،/ ولا زوجة في ثيابك،/لا نجمة / في السماء/ التي تكسر/ الظهر/ منذ انحسار/ الرضي/ صحيح (28).
وفي بعض قصائدا نجد الايقاع يتخذ منحى الايقاع السردي، فتغدو القصيدة اشبه بحكاية، وربما يعد هذا المظهر من المظاهر التي تقرب قصيدته الموزونة الى ما اصبر يعرف "بقصيدة النثر». ففي قصيدة "فيفا" وهي من قصائد ديوانه الاول "مديح لمقهى أخر» نجده يقص علينا مشهدا من حياة هذه المرأة، مشهدا يوميا عاديا، فهي تغادر منزلها في الصباح، ناظرة الى شجيرة الياسمين، متمتعة برائحة الشاي، فتقابل في طريقها عمال مصنع (باتا) وتقف عند محطة الحافلات المتجهة الى (ماركا) ثم لتقي بمن تحب في المحطة، وتدس في جيبه رسالة من ورق، مكتوبا فيها الموعد الذي تلتقيا فيه، وكذلك اسم المكان:
فيه تغادر منزلها في الصباح
يفاجئها الياسمين
ورائحة الشاي
وعمال مصنع(باتا)
واذ تلتقي عند موقف باصات (ماركا) تسائلني وهى تبحث في جيب سترتها
– نلتقي في المساء؟
وتدس بجيبي طائرة من ورق.
– انني في النقابة!(29).
فقارىء هذه القصيدة يشعر بشعور المتتبع لحدث صغير في قصة او حكاية، يرصد فيها اثر الزمن في نمو الصورة، ويتابع اللقطات الجزئية، وهي تتوالى مطعمة بشيء من الحوار، والنظرات المستريبة داخل محطة الحافلات، وفيها يبدو الشاعر متحررا من القافية باستثناء بعض الوقفات القصيرة، مثل الوقوف على كلمة (النقابة) في البيت الاخير. كأن هذه المعالم البنيوية في الاداء الصوتي والايقاعي لقصيدة امجد ناصر تمهد لخروجه على قصيدة التفعيلة نحو ما يعرف "بقصيدة النثر».
لابد هنا من التنبيه على ان كتابة القصيدة (النثيرة) تحتاج الى ملكة شعرية تستطيع ان تقدم البدائل التي يفقدها الشعر بغياب الوزن، وتخليه عن القوافي، ومن هنا فان الذين حاولوا كتابة «النثيرة » دون ان يحكموا- قبل ذلك – كتابة الشعر الموزون، ويتقنوه، لم يستطيعوا- في رأي بعض النقاد- ان يقدموا في النثر اعمالا ذات قيمة. واذا نظر الباحث في قصائد نثرية لشعراء من امثال ادونيس، ويوسف الخال، وسعدي يوسف، وامجد ناصر، ومحمد القيسي وجد فيها روحا شعرية تفوق ما يجده – احيانا- في الشعر الموزون المقفى، لنأخذ القصيدة القصيرة التالية من "رعاة العزلة » لامجد ناصر الذي نحن بصدد الحديث عن شعره:
سنمضي اذن/ ايها الوطن المختوم/
بالشمع الاحمر/ والمسجى بين ازهار الدفلى/ الى مثواك الاخير/ ر.ية ممزقة/ ورؤوسا
منكسة/ بلا حماسة،/ او خزن / ستمشي الجنازة / وطبل واحد يقرع:/ قلبي (30).
فالمنهج البنائي الذي تقوم عليه هذه القصيدة لا يفترق كثيرا عن منهج بناء القصيدة الموزونة المقفاة. فالقارىء، يلمس الوحدة القائمة في البيت الشعري من حيث اكتمال الدلالة، واكتمال البنية (الجملة). وقد بث بين هذه الجمل، التي تشكل بنية كبرى واحدة – بمفهوم فان ديك Dijk – عناصرالربط ساجعل وحدتها اللغوية جلية، بارزة، لا يحتاج الوقوف عليها الى طول تأمل، او انعام في النظر، علاوة عن انه بث فيها عناصر ايقاعية موسيقية: كتوازن الالفاظ في كلمات المسجى، والدفلى، وكلمات ممزقة ومنكسة، وتكرار الحروف مثل تكرار السين في: رؤوسا، منكسة، حماسة، والشين في الشمع، تتمشى، والزاي في: ازهار، ممزقة، حزن، جنازة، والراء في: الاحمر وراية، ورؤوسا، ويقرع، اما ابرز عناصر الايقاع في هذه القصيدة، فهو المفاجأة التي لا يتوقعها القارىء في الكلمة الاخيرة، فحين يذكر الشاعر كلمة (قلبي)، بعد كل هاتيك الصور المتلاحقة عن الوطن، يفاجئنا الشاعر بان القصيدة اكتمل بناؤها الهرمي، وبلغ الذروة، وهذا يعني ان التدرج، الذي يقوم على مساندة الصور بعضها للآخر ادى الى هذه النتيجة:
وطبل واحد، يقرع قلبى لقد استبدل الشاعر بالقافية كلمات أخرى اضفت على هذه القصيدة نغمات ايقاعية واضحة الدلالة. منها كلمة: الافلى بجرسها الصوتي الصاعد الذي يتقاطع مع الجرس الهاط في كلمات "مختوم – الاخير».
كما استعمل كلمتين أخريين هما: ممزقة / ومنكسة مستغلا ما فيهما من حروف منبورة جاءت في ترتيب ستعاب في بيتين متواليين، وكأنهما فعلا قافيتان رغم خلوهما من الروي المشترك. ولعله افاد فيهما من تجاور مخرجي القاف والكاف. وهذا الشيء غير متكرر في كلمتي "يقرع » و«قلبي» فكأن تعاقبها وتعاقب صوت "القاف » المفخم، المجهور، سد مسد القافية في الشعر الموزون المقفى. في قصيدة اخري بعنوان "قمصان"(31). نجده يتجاوز التكرار الصوتي، الى التنظيم الشعري للنص، فاذا القصيدة مجموعة من الابنية التي تتجاوز مفاهيم البيت، والسطر الشعري، وتتشكل شعرية النص من خلال الرموز والاستعمال الشعري، الجمالي، للالفاظ: الفلاحون يزرعون القطن
طويل التيلة
لكنهم يرتدون الحراشف (32).
فهذه الوحدة في قصيدة قمصان تمثل ذروة النص لانها بالرمز الذي استخدمته وهو "القن" و" الحراشف » كشفت ابعاد القصيدة، وساعدت القارىء على انتاج دلالته الادبية للنص، بعيدا عن التأثير المباشر لتعليمية الشاعر، او مواعظه الخاصة باعتباره شاعرا له رسالته الايديولوبية التي يضمنها النص. وهذا التنظيم يتجاوز اطار الدلالة الى التركيب البنيوي الذي يتخلل النسق النحوي للقصيدة. فنجده – مثلا – يخرج على العلاقات النثرية في ترتيب اجزاء الجملة الى علاقات النص الشعري القائمة على التقديم
والتأخير:
عندما الينا يصوب الرصاص / من المكامن اللا ئذة/ يخترق قمصاننا/ ويحدث ذلك الصفير الذي يدل عليه / الدم /وعندما الينا تصوب الازهار/ من الروابي والايدي التي على وشك/ النعاس/ يحدث ذلك التوهج/ الذي تدل عليه القبلات (33).
فالشاعر قدم الجار والمجرور- الينا- وأخر الفاعل – الدم – وأخر الفعل الذي من حقه التقديم تصوب – وهذا اللعب بمواقع الكلم، في الحقيقة، هو جزء من خصائص النظم الشعري، وخروج على قواعد الاطراد، والتسلسل المعروفة في كتابة "النثر». وبذلك يكون امجد ناصر قد جمع الى جانب الاداء الدلائلي، والايقاعي الشعري، اداء في العلاقات النحوية، مؤكدا ان نظام الترتب الكلامي في قصيدة «النثر» مغاير لنظام الترتب في النثر غير الشعري.
بيد ان هذا لا ينسب على كل ما يكتبا أمجد ناصر من قصائد فهو كغيره من اصحاب هذا الفن «قصيدة النثر» يقع في الغموض المفتعل، والتجربة المشتتة، المفككة، التي يضل فيها القارىء، ريتيه، باحثا في النموذج العابث عن سارية المعنى.
الهوامش:
1- قدامة بن جعفر (337هـ): نقدالشعر، تحقيق عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، دون تاريخ ص 64. وابن خلدون، المقدمة دار احياء التراث،بيروت دون تاريخ، ص566.
2- الباقلاي، ابوبكر(402هـ) اعجاز القرآن،مطبعة الاسلام بمصر 1315هـ ص30.
3- امين، احمد (1972) النقد الادبي، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، ط4،ص64.
4- زراقط، عبدالحميد (1991)،الحداثة في النقد الادبي المعاصر، دار الحرف العربي،بيروت،ط اولى، ص231.
5- هو الشاعر الامريكي والت وا يتمان، Whitman عاش بين 1819 و1892 ابرز مؤلفاته الشعرية ديوان "اوراق العشب ». يتميز من معاصريه بالدعوة الى تحرير الرقيق. انظر الملف الخاص به في. مجلة "الثقافة العالمية »، الكويت، العدد ( 1 7) السنة 13 تموز (يوليو) 5 199. ص 6-53.
6- زرا قط، الرجع السابق، ص 232.
7- خوري، رئيف (1969) الدراسة الادبية، دار المكشوف، بيروت، ط 4، ص 112و113.
8-صدر عام 1907، انظر خليل، ابراهيم (1987)، تجديد الشعر العربي، دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، ط1، ص 18.
9- ناجي، هلال (1963) الزهاري وأيوانه المفقود، دار العرب للبستاني، بيروت، ط أولى، وفيه نجد المقالة التي كبها الزهاوي للسياسة الاسبوعية حول "النثر والشعر" وكانت قد نشرت في ايلول (سبتمبر) 1927، وضمنها المحقق للكتاب، ص 361-366.
10- المقالح، عبدالعزيز (1984)، باكثير والشعر الحديث، مجلة العربي، الكويت، ع 307. وانظر كتاب: آراء حول قديم الشعر وجديده، الكويت، ط 1، 1986، ص 150وما بعدها.
11- موريه، شموئيل ( 1970)، حركات التجديد في موسيقي الشعر العربي الحديث، ترجمه عن الانجليزية سعد مصلوح،دار النشر العربي، تل ابيب، ط2، ص 140-141.
12- عقل، سعيد ( 1960)، المجدلية. المكتب التجاري، بيروت، ط 2، من ص7- 22.
13- الحاج انسي، (1982) لن، المؤسسة الجامعية لدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط 2، ص15.
14- المرجع السابق، ص 16-17، ويبدو ان المؤلف يفتل نقلا عن سوزان برنار، انظر الهامش رقم 37.
15- المرجع السابق، ص 14-15.
16- زراقط، عبد الحميد، السابق، ص ا 24.
17- الحاج، انسي، المرجع السابق، ص 14.
18- المرجع السابق، ص 11.
19- انك مجلة شعر، العدد 30 سنة 1 196، ص133.
20- حاوي خليل (5 196) قصيدة النثر، مجلة "الآداب »، بيروت، لعدد الثامن، آب / اغممطس،ص 14.
1 2- شمس الدين، محمد علي، رياح حجرية، ص 103.
22- شاعر اردني ولد في المفرق 55 19، ويعمل محررا ثقافيا في صحيفة "القدس الدولي » التي تصدر في لندن وصدرت له خمس مجموعات شعرية، وكتاب نثري يشبه السيرة الذاتية بعنوان «خبط جنحة في سماوات غريبة ».
23- ناصر، امجد (1979)، مديح لمقهي أخر، دار ابن رشد للنشر التوزيع، بيروت، ط أولى.
24- هذه الدواوين صدرت وفقا لترتيب التالي: «منذ جلعاد كان بصعد الجبل »، ا98ا، و«رعاة العزلا» 1986، و«وصول الغرباء" 1990. و«سر من رآك » 1994، و"اثر عابر» 5 199، والاخير مختارات تضم اعمالا منتخبة من دواوينه المذكورة بما في ذلك "مديح لمقهي اخر».
25- ناصر، امجد (1979) مديح لمقهي آخر (مرجع سبق ذكره)،ص18.
26- المرجع السابق، ص 24-25.
27- السابق نفسه، ص 27.
28- السابق نفسا، ص 31-32.
29- السابق نفسه، ص 39.
30- ناصر، امجد (1986)، رعاة العزلة. منارات لنشر والتوزيع عمان، الطبعة الأولى، ص 5 9.
31- ناصر، امجد (ا 199)، اثر عابر مختارات شعرية، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، ط أولى، ص 51.
32- المرجع السابق، ص 53
33- المرجع السابق، ص 53-54
ابراهيم خليل (أستاذ جامعي من الأردن)