حسان عزت
انفجرَ الزجاجُ وتطايرتْ شظاياه في القاعةِ كلها
فأصابتِ الجالسينَ على مقاعدهم
بَعضهُم بنثراتٍ جارحة.. بعضهم بالمفاجأة والصدمة.. وبَعضهم يُلملم أو ينفضُ عن ثِيابه ومِقعدِه، ويتحسّس ما أصابَ رفيقَتَه أو جارَه..
والآخرونَ خرجوا بجراحٍ لم تزلْ فيهمْ.. ولمْ يُدركوا أبدًا حَقيقةَ ماحدثَ
معَ أنّ شاشةَ المسرحِ الزّجاجِيّةَ الكُبرى هيَ التي انفَجرَتْ في صَدرِ الصالةِ بماسٍ كهربائيّ فأضيءَ المكانُ بشمسٍ مبهرة
وتَطايرتِ الذرّاتُ في المكانِ كلّه
أغنية غجريّة
يقولُ الغجر
لا تعانقِ الغجريةَ تحتَ ضوءِ القَمر
يقولُ القَمر
أنا المخرجُ العبقريّ في السينما
وخَيالُ المغني
أجَمَلُ الحكايات
أعقِدُها
وأحْبِِكُ أسرَارَها
أسقي الغواةَ بأكوابِها ليصيروا كفرسانِها
وقبلَ الختامِ على نشوةٍ أكشفُ شيئًا من العشقِ والرائحة
ليظلّ المقامُ
وتُملأُ صالةُ السينما بالمريدينَ وبعضَ النّدامى
شَردوا عن حَانةٍ ضيّعوها
وأنتَ أيّها العاشقُ الفذّ هلْ أنتَ أنتَ
لو اكتشفتَ نَفسكَ في ليلةٍ مُعتمةٍ بين عشرِِ سيقانٍ لخمسِ نساء
مختلفاتِ الجمال
كلّ واحدةٍ مهرةٌ
أنتَ لم ترَهُنَّ من قبلُ ولا تحتَ ضوءِ القَمر
ولم تَقطفُهنّ عنْ شَجرِ الفتنةِ المستطاب ولا حورِ بناتِ العرب
وها قد تجرّد من
أحلامكَ الشوقٍ
قبلَ النّوال
أنت في العتمة الآن ولم يبق فيكَ غير النّهم
ورحتَ تقبّلُ مِنهنّ فيهنّ
سيقانَهنّ الذواب
وفلّ الخبيء في خَدر المشتهى
هل سيختلف القصبُ
الحلو والمرّ في الشكلِ عندَ احتدامِ العرام وعندَ الطرب
بين أسمرَ أو أبيض اللون
وهل عطشُ الجنس يُميّز ما بينَ ساقٍ وساقٍ
لامرأتين
شقيقةَ سحرٍ وبين سواها
مع العتمةِ الجوع
وإن كانَ غامِرُ ما كانَ
ولم تكنِ النّكهةُ المشتهاةُ تَناهتْ بضوءِ القَمر
فالسرّ سحرُ الخيال واشتعالاتك الخمسة فيما رأيتَ وما قَدْ حلمتَ قبلَ البلوغِ وقبلَ النّوال
أنتَ الآن خارجَ السينما وفي فيلمك الفرد وكلُّكَ نشوان
لا تَتَردّد على شهوةِ الحال
أشعلْ القمرَ الأزعرَ واتركهُ شهوانَ يَصدى
واستعدْ أحلامَ عشقٍ غواكَ
وذائقةً لاتُضيّعُ فيكَ
وخمسَ حواسّ
وأعشقِ امرأةً
وَحدَها بعشرِ نساء
بفلفلِ تُفاحها
وغيرةِ رهِزِ شواءٍ على صَهوةٍ الموت والهاوية
عانقْ بعشرةِ عشاق
فيكَ
وخذها بأغلى الجميلات والغاوية
“خذها بزهرة الفانتانيا العذراء
تلك الغجرية الغامرة
بشعرها المفرود في غامرِ ليل ونهار
ومرايا بأهواء فلفل
بالهال لا ينتهي
وخذها
بمهرة من مهاري الحمراء في الصالحية
بما لم يفعل بازوليني المجنون في ليديا ولا تورينتوري مع مونيكا في فيلم مانيا
وخذها بعطرين.. ديور
وآند غابانا
وعطر زهر النارنج فيك”
يقولُ الغجَر
لا تعشقْ غجريةً تحتَ ضوءِ القمر
أطفئ الضوءَ إذا
وصِلْ في رُدهةِ الحبّ أو دَعْهُ يموتُ بحقدِ الصّعاليك
أشعلْ مئةَ خنجرٍ وقامرْ بآخرِ شيطانٍ فيكَ
أنتَ وحدكَ الرّاقص الغجريّ والعشقُ والكلماتْ
ألفُ نجمةٍ في سمائكَ تَرقصُ هالات
وتنحلّ من آخر خيط الحرير فيها
ولا جنةٌ من أزاهيرَ ألوانَ تَفركُ
بين يديكَ
في وردةِ المنتهى
وما بينَ أفيافها
وما شوكُ عَوسجَ يعقدُ بالتّوت فنّ الحياة
حتّى
القمرْ
يَرتمي سَكرانَ في الماء
ليشعلَ مرتعشًا بشباكِ الحنَان
وترقصُ حتى السماءُ اشتعالًا
وكُرمى له
ومنْ قالَ حقلُ نوّار
دَوّارُ أقمار
ليسَ يُعدي النجومَ البعيدات
حتّى الأميراتِ ملءَ الحكايا
فيطلعنَ إلى الطرقات زفّات
يحسدنَ ريمَ المها
ولا ساحراتُ المهاري يُصاولنَ خيلَ الأساطيرِ في رهزها
يقولُ الغجَر
وينشدِها المغنّونَ
بغيتاراتهم جرّحتها الصبايا
يَشقّونَ نهرَ الزّمان
عانقِ الغجريّات إذًا
والجميلات أنّى عشقتَ فأنتَ الخيالُ
جَسُورًا
ولا منْ وصايا
ولو عشرةُ أقمار غيرى تنيرُ السماء
وتفضحُ ما رَدّدتُه الزنابقُ بيضاءُ زرقاء تُشَعلِلُ في الأغنية