تفتقر الدراسات الخاصة بالشعر العماني إلى الدراسات التي تعنى بتتبع مسار الإبداع الشعري لدى الصوت النسائي العماني منذ القديم إلى الآن، والأمر كذلك ينطبق على المقالات أو المراجعات النقدية التي تولي اهتماما بشعر المرأة في عمان. هدفنا هنا هو رصد الأصوات الشعرية النسائية العمانية رصدا تاريخيا من القديم وحتى الحاضر قدر المستطاع، محاولين عبر ذلك رسم ملامح كل مرحلة من المراحل والمهادات التي ظهرت فيها هذه الأسماء الشعرية النسائية والمرجعيات الثقافية التي أسهمت في المسار الشعري. كما لا يمكن هنا أن ننطلق في تتبعنا من فكرة الريادة فنحن غير معنيين بذلك في هذا المقال بل نحاول أن نرسم مسار الأصوات للوقوف على مجمل التجربة الشعرية والتي ما تزال في طور التشكل والانبناء رغم مرور سنوات على عمر هذه التجربة الشعرية الغنية والمتنوعة.
ولأجل رصد التجارب الشعرية القديمة تمت الاستعانة بكتب التراجم سواء تلك المخصصة تحديدا للنساء مثل معجم النساء العمانيات لسلطان الشيباني أو السيرة الزكية للمرأة الإباضية لبدرية الشقصية،أو عمانيات في التاريخ لخليفة بن عثمان البلوشي أو تلك المخصصة للشعراء مثل كتاب شقائق النعمان للخصيبي أو معجم شعراء الإباضية لفهد السعدي. ورغم صدور عدد من الدراسات التي عنيت بالشعر العماني طوال الفترة إلا أننا لم نجد تلك الدراسات قد حاولت الدخول إلى تفاصيل التجربة الشعرية عند المرأة العمانية عدا الورقة التي نشرتها الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية بعنوان («نساء الضوء»…. رصد المنجز الشعري النسوي في المشهد العماني).
إن القول بأن المجتمع العماني في القديم لم يتح للمرأة أن تبرز في مجال الشعر فهذا أمر تعوزه الدقة فمثلا هناك نماذج لبروز الشاعرات العمانيات في مختلف فنون الشعر بما في ذلك شعر الفنون الشعبية العمانية حيث برزت الشاعرة سليمة بنت غفيل المسكرية (1868-1954م) ولهذه الشاعرات مساجلات شعرية مع أبرز شعراء الميدان في ذلك الوقت من أمثال الشاعر حافظ المسكري (ت 1936 م)و ود همش (ت: 1962م). بجانب بنت غفيل هناك جميعة بنت سويدان الراسبية (ت: 2008م) والمعروفة ببنت نعمى، ونبغت في عدة فنون منها التشح شح، بو زلف، المغايظ وعدت مرجعا في فن أم بم.
هذا في جانب فن الشعر الشعبي أما فيما يخص القصيدة الفصيحة فيمكن التوقف عند عدة نماذج حفظتها لنا المدونة التاريخية العمانية، رغم ان خزائن المخطوطات والوثائق العمانية القديمة مازالت تعد بالمفاجآت على عدة أصعدة بما فيها الكشف عن أسماء شعرية نسائية غير معروفة لنا في الوقت الحاضر.
و الأسماء التي تمكنا من حصرها من القديم وحتى القرن العشرين هي:
لعل من أقدم الشاعرات التي وصل إلينا شعرهن هي الزهراء السقطرية (القرن 3 الهجري) والتي عاشت في زمن الامام السلط بن مالك الخروصي(237هـ/272هـ) وهي صاحبة القصيدة المعروفة والتي مطلعها
قل للإمام الذي ترجى فضائله
ابن الكرام وابن السادة النجب
وهذه القصيدة هي القصيدة المعروفة لهذه الشاعرة وهناك خلاف حول نسبة القصيدة لها حيث أن أقدم ذكر لهذه القصيدة نجده في كتاب تحفة الأعيان للإمام السالمي وهذه تدرس في مناهج اللغة العربية في مراحل التعليم في عمان.
الشاعرة ريا وهي بحسب الباحث العماني خليفة بن عثمان البلوشي في كتابه (عمانيات في التاريخ) ريا التي يُكثر الشاعر سليمان بن سليمان النبهاني من ذكرها في قصائده. وما دعا البلوشي إلى هذا الافتراض هو وجود أو تضمين قول ريا «قالت» ضمن قصيدة النبهاني فلربما هذا القول قد قالته ريا ولكن النبهاني فد تكفل بصياغته شعرا. وهذا الافتراض له وجاهته وفي الوقت نفسه أيضًا فلربما تكون ريا شاعرة ولكن لم يصل إلينا شعرها وبقيت الإشارة إليها في شعر النبهاني.
الشاعرة بنت عامر السيارية (عاشت بعد 1059هـ) لها قصيدتان في رثاء الإمام ناصر ين مرشد اليعربي (توفي 1059هـ) القصيدتان تردان ضمن مخطوطات مراثي الإمام ابن مرشد وبنت عامر تكاد أن تكون الشاعرة الوحيدة التي نجد إشارة إليها في زمن اليعاربة. مرثاتها الأولى في الإمام ناصر بن مرشد تقع في 31 بيتا ومطلعها:
لقد نابنا أعظم النايبات
وحلَّ بنا أعظم الدايرات
أما المرثاة الثانية فهي 29 بيتا ويقول مطلعها:
أحن إذا ما حنت العيس حنتي
وأبكي بدمعٍ مسبل فوق وجنتي
الشاعرة نضيرة بنت العبد الريامية (توفيت على التقريب سنة 1340هـ الموافق 1922م) ولدت بمعمد في ولاية منح. كانت على اتصال بالامام نورالدين السالمي سائلة إياه عن قضايا ومسائل فقهية، كما عاصرت الإمامين سالم بن راشد الخروصي والإمام محمد بن عبدالله الخليلي ولها فيه مدائح عديدة وللشاعرة كذلك أراجيز فقهية. لم يورد فهد السعدي في كتابه (معجم شعراء وفقهاء الإباضية –قسم المشرق) نماذج لقصائد الشاعرة.
الشاعرة عائشة بت سليمان الوائلية المولودة في بهلا حوالي عام 1283هـ الموافق 1866م وتوفيت في العوابي 1347هـ الموافق 1928م. نشأت في كنفه والدها ناسخ الكتب المعروف سليمان بن محمد بن مطر الوائلي. خرجت من بهلا وعملت معلمة للقرآن في الرستاق ثم في العوابي. بقي من شعرها سبع قصائد تعود إلى فترة خروجها من بهلا؛ قصيدة في الزهد وقصيدتان في رثاء والدها وقصيدتان في نصرة الإمام سالم بن راشد الخروصي وقصيدتان في رثائه.
عزاء بنت حماد المغيرية من أهالي بطين من شرقية عمان ذكرها الأستاذ أحمد الفلاحي في كتابه (بطين) ويسوق لها عدة نماذج من شعرها دون أن يحدد تاريخ ميلادها ووفاتها.
الشاعرة حسينة بنت راشد بن حميد بن راشد الحبسية (عاشت إلى سنة 1396هـ/ 1976م ) نشأت في بيت علم فهي أخت العالمين أبي جبل مسعود بن راشد وأبي سهل عبدالله بن راشد الحبسيين اللذين تتلمذا على يد الإمام نورالدين السالمي، ولها أخت فاضلة لها دور في الحركة العلمية في المضيبي في القرن الخامس عشر الهجري، وللشاعرة حسينة قصيدة في تأنيب والي المضيبي آنذاك تربو على خمسين بيتا. لم يورد السعدي ولا الشيباني في معجميهما نماذج لشعرها عدا عن ذكرهما لهذه القصيدة. كما كانت حسينة مفتية للنساء في عصرها.
بأمكاننا أن نعد هذه الأصوات المرحلة المبكرة من التجربة الشعرية للمرأة العمانية، ومع ذلك لا يمكن الجزم بأنَّ الأصوات الشعرية التي استعرضناها هي النماذج الوحيدة، بل بالأحرى هي ما بقي أو ما أمكن الوصول إليه، فمازالت خزائن المخطوطات والوثائق العمانية المتحفظ عليها من قبل ملاكها تحتاج إلى إخراج وتمكين الباحثين من النبش فيها لاستخراج التراث الثقافي الدفين فيها.
برغم أنَّ المصادر التي اعتمدنا عليها في تقصينا لتلك الأسماء لم تعمد إلى توفير النصوص الشعرية جميعها حتى نتمكن من الوقوف عليها بشكل جلي إلا أنه يمكننا الخروج بعدة خلاصات في هذا الجانب منها:
توثيق التجارب الشعرية في كتب السير والتاريخ وتداولها دليل على عدم الاستنكاف عن شعر المرأة الذي هو في النهاية يدور في فلك الموضوعات المطروقة سواء أكانت هذه المواضيع أسئلة نظمية، رثاء ، زهد أو مديح.
الأصوات الشعرية النسائية قد تكونت في ذات المحيط الذي تكون فيها الشعراء والعلماء من الرجال على حد سواء. مستخدمة ذات الطرق الكلاسيكية في طرح القصيدة وبنيتها.
يلاحظ أنَّ البيت العلمي والأسرة هما الحاضنة الأولى لرعاية الموهبة الشعرية ولتمكينها من العطاء، فالمحيط الأسري يوفر المناخ الأساس لبزوغ وظهور هذه الموهبة.هذا بجانب المدرسة أو مكان التعليم الذي يتيح للشاعرة أن تكون ضمن المتعلمين بحيث تكون المرأة مُمكنة من طرح الأسئلة والتحاور مع أهل العلم. فالمرأة بجانب كونها شاعرة فهي معلمة للقرآن ومفتية.
من الضروري التأكيد هنا أن هذا الاستقصاء مازال ينقصه الجانب المتعلق بزنجبار التى انتعشت فيها الحركة الفكرية والثقافية وشهدت مرحلة الوجود العماني هناك تمكن الاسر الموسرة من ابتعاث الأبناء من الجنسين للدراسة في دول عربية وغربية آنذاك، وبما أنَّ الكثير من وثائق تلك المرحلة ما زالت بعيدة عن متناول الباحثين والدارسين وربما لفقدان الكثير من تلك الوثائق التي ربما تحمل في طياتها نماذج من الابداعات الشعرية. كما ينطبق القول كذلك على الاسهام الأدبي إن وجد للمرأة العمانية في ثورة ظفار.
التحول في مسار القصيدة:
بحسب تقصينا السابق رأينا أن الشاعرة حسينة الحبسية قد توفيت في عام 1976م إلا أن هذه السلالة الشعرية لم تنقرض فهناك شاعرة من تلك السلالة مازالت على قيد الحياة وهي الشيخة عائشة ينت عيسى بن صالح الحارثية المولودة في القابل في 1945م ذكرها الخصيبي في الجزء الثاني من كتابه شقائق النعمان وعدَّها من شعراء الطبقة الثانية وهي الشاعرة الوحيدة التي أتى على ذكرها في كتابه بجانب شعراء عمانيين من مختلف العصور الأدبية. وقد أورد الخصيبي عددًا من قصائد الشاعرة وهي تدخل ضمن المنظومة الشعرية الكلاسيكية إلا أنها تمتاز بعذوبة وبشفافية شعرية. في 2012م صدر للشيخة عائشة كتاب «من أيامي» متحدثة فيه عن سيرة حياتها، وضمت هذه السيرة مجموعة من قصائد الشاعرة لم ترد منفصلة بل ضمن متن السيرة بحسب الموقف أو المناسبة التي قيلت فيها القصيدة.
الشيخة عائشة تمكنت بموهبتها وإرادتها من أن تتعلم رغم أنها أصيبت بالعمى في سن مبكرة إلا أن ذلك لم يمنعها من طلب العلم، كما وفرَّ المحيط الأسري ذو الميراث الأدبي والعلمي للشاعرة ما تحتاجه من عوامل الإبداع والنبوغ.
المسار الشعري للشيخة عائشة الحارثية أتى في السياق العماني الموروث ذاته ولم يلعب الإعلام دورا في التعريف بهذه الشاعرة، وقد كتب القليل عن شعرها وتجربتها، وصدرت سيرة حياتها في مرحلة قريبة جدا وبرغم احتواء السيرة على نماذج شعرية كثيرة إلا أنها وردت غير مؤرخة، ومع ذلك تبقى تجربة الشيخة عائشة مهمة في سياق فهمنا لمسار التجربة الشعرية النسائية في عمان.
في فترة السبيعنات والثمانينات نجد أنَّ انتشار التعليم بمختلف مراحله في مناطق كثيرة في السلطنة قد ساهم في فتح آفاق جديدة للوعي في ذهن الجيل الجديد، وبرغم توفر الجرائد والصحف ووسائل الإعلام الأخرى ولكن قليلة هي الأسماء الشعرية النسوية التي بقيت واستمرت من تلك الفترة، ومع ذلك يبقى هذا حكم يحتاج إلى إثبات من خلال الرجوع إلى أرشيفات عدد كبير من الصحف والمجلات التي صدرت في تلك الفترة للوقوف على حقيقة ومسار الصوت الشعري النسوي الحديث في عمان آنذاك .
في منتصف الثمانينات لمع اسم سعيدة خاطر الفارسية المولودة في 1956م والتي تعد من ضمن الأسماء الشعرية النسوية المبكرة التي تنشر أول عمل شعري لها في 1986م. لقد شكلت الأسرة والحياة الجامعية التي عاشتها الدكتورة سعيدة خاطر في الكويت خاضنة مهمة لها كشاعرة وكاتبة ستهم فور عودتها إلى السلطنة في الحراك الثقافي منذ تلك الفترة إلى الآن عبر مواقع العمل التي تولتها أو من خلال النشاط الثقافي العام. ومازال نتاجها الأدبي مستمرًا حتى الآن.
في عقد الثمانينات نجد كذلك الشاعرة تركية البوسعيدية وأمينة العريمية، عائشة الفزارية، نوال آل سعيد ونورة البادية. مع تفاوت في استمرار التجربة وبقائها أو انزواءها وابتعادها عن المسار الشعري لأسباب غير داخلة ضمن نطاق هذا المقال.
لقد لعبت الموسسات الثقافة والتعليمة الدور المهم سواء في الكشف عن المواهب الإبداعية أو دعمها وتوفير المناخ المناسب لها مثل النادي الثقافي طوال فترة الثمانينات، المؤسسات الصحفية، والمنتدى الأدبي عند افتتاحه أواخر الثمانينات، هذه المؤسسات جميعها فتحت منابرها للصوت الشعري النسائي العماني، هناك أيضا كليات التربية والمدارس في مختلف مراحل التعليم قد ساهمت في دعم وتشجيع الموهبة الشعرية والأدبية لدى الطالبات.
أفق التسعينات:
لقد شكل افتتاح جامعة السلطان قابوس نقطة انطلاق فعلية لخلق أجيال من العمانيين المؤهلين معرفيا وفكريا في مختلف النواحي ولقد كان لتشكل جماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي بالغ الأثر في تنمية وتحفيز الأصوات الشعرية النسائية كما لعبت الصحافة الثقافية دورًا بارزًا في سبيل الوقوف مع المرأة الكاتبة. كما نجد في هذه الفترة أن المسابقات الأدبية والمهرجانات الشعرية وتكون أسرة الكاتبات في النادي الثقافي في 1996م كلها بؤر ومناخات سعت لفتح آفاق جديدة أمام كافة الاشكال الابداعية الأدبية بما في ذلك الكتابة الشعرية النسائية.
ومن الأسماء الشعرية التي صدحت في دوحة جماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي نجد الشاعرات؛ هاشمية الموسوي، فاطمة الشيدي، ذكريات الخابوري، حصة البادي، ومريم الساعدي. بجانب ذلك هناك أصوات برزت من خارج الجامعة مثل نسرين البوسعيدي، سميرة الخروصي، بدرية الوهيبي، عزيزة المعشري.
نجد في هذه الفترة أن القصيدة لا تحمل ملمحا واحدا بل نجد التنوع في أساليب كتابة القصيدة بين العمودي والتفعيلة والنثر. وبرغم كثرة الأصوات الشعرية في هذا العقد نجد أن بعض الاسماء لا نستطيع القول أنها اختفت بل احتجبت عن النشر كما أن بعض الشاعرات العمانيات من جيل التسعينات من تأخر نشر دواويهن لفترة طويلة وعند النشر يتم استبعاد جزء كبير من التجربة وذلك احتكاما على مستوى الوعي الفني الذي وصلت إليه الشاعرة في لحظة النشر، فهناك بعض الشاعرات من قمن باستبعاد تجاربهن الشعرية في القصيدة العمودية والإبقاء على تجاربهن في التفعيلة مثلا. فهذا الحذف يحرم الدارس والمتتبع لهذه التجارب من فهم مسار تطور هذه التجارب.
في هذا العقد نجد أن الأسرة التي تنتمي إليها الشاعرة قد ساهمت في الوقوف معها وتشجيعها ولكن عملية النشر والمشاركة في الأمسيات التي تقيمها المؤسسات الثقافية كان لها الدور الكبير في وجود متابعين ومحفزين لهذه التجارب الشعرية كما شكلت المشاركة في الأمسيات مناسبة للاعتراف بإبداع هؤلاء الشاعرات. كما لا يمكن نسيان المشاركة في المهرجانات الشعرية والمسابقات المحلية والخليجية والعربية التي ترعاه مؤسسات مختلفة منها المنتدى الأدبي، وزارة التراث والثقافة، الهيئة العامة للانشطة الشبابية والرياضية (سابقا). هذه المشاركة التي رسخت فكرة الفوز والحضور القوي للصوت الشعري النسوي، وهذه المشاركة كسرت حاجز الخوف والعزلة التي قد تنتاب بعض الأصوات المبتدئة.
آفاق الالفية الجديدة:
يمكن القول أن الفترة منذ العام 2000 وحتى الآن هي من أخصب إن لم تكن أخصب فترة عرفتها الأصوات الشعرية النسائية في مختلف أشكال القصيدة من عمودية وتفعيلة ونثر ففي هذه الفترة لعبت عدة ظروف في نضح هذه الأصوات ومن هذه الظروف اتجاه مؤسسات ثقافية عمانية إلى دعم الإصدار الأدبي بشكل عام وقد لعب هذه الدعم الدور المهم في ظهور أصوات شعرية كان يمكن لها أن تبقى في طي الكتابة بعد توقفها عن النشر في الصحف أو حتى الظهور في مناسبات شعرية وقد كان للنادي الثقافي ووزارة التراث والثقافة في 2006م بمناسبة مسقط عاصمة للثقافة العربية ثم أتى انطلاق مشروع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء. ثم أن وتيرة إصدار ملاحق ثقافية أسبوعية كان لها الدور الحيوي في وجود نافذة نشر أسبوعية مشرعة أمام مختلف الأصوات الأدبية. كما نلاحظ زيادة في عدد المؤسسات التعليمية بما فيها الجامعات الأهلية ومن بعدها الكليات والمعاهد التقنية التي تشرف عليها وزارة القوى العاملة وبرغم تغير مسمى كليات التربية إلى كليات العلوم التطبيقية إلا أننا نلحظ وجود جماعات أدبية تلعب دورا محفزا لمنتميها.
لقد استمرت جماعة الخليل كحاضنة إبداعية من عام 2000 وحتى الآن فأغلب الشاعرات العمانيات الفاعلات قد خرجن من عباءة هذه الجماعة الأدبية فهناك عائشة السيفية، شيمسة النعمانية، رقية البريدية، نوف السعيدي، الشمياء العلوية. من كلية التربية/كليات العلوم التطبيقية نجد الشاعرات منيرة بنت خميس المعمرية، رقية بنت علي الحارثية، وأحلام الحضرمي. بجانب هؤلاء نجد شاعرات يجمعن بين كتابة القصيدة الفصيحة والنبطية مثل بدرية العامرية، بدرية البدرية، هاجر البريكية، وجوهرة الشريانية. وهناك الشاعرة طفول زهران القادمة إلى الشعر من القصة القصيرة. ومن الأصوات التي ساهمت المسابقات والفعاليات الثقافية في إبراز أصواتهن فنجد الشاعرة دلال الجساسية والشاعرة مرهونة المقبالية.
خلال هذه الفترة أيضا ظهرت أصوات شعرية جديدة متخذة من قصيدة النثر نقطة بداية بعكس التجارب الأخرى التي انطلقت من العمودي والتفعيلة في بداية مشوارها مثل الشاعرة ريم اللواتي والتي صدر لها ديوانان، فتحية الصقرية والتي صدر لها ثلاثة دواوين، وفاطمة إحسان التي صدر لها ديوان واحد ، وفوز ريا /فوز الحارثي التي صدر ثلاثة دواوين. هذه الاصوات بعضها ساهمت فترة دراستهن خارج السلطنة في إبراز موهبتهن ومنهمن من اعتمدن على أنفسهن في تطوير موهبتهن الإبداعية . وفي سياق قصيدة النثر يمكن الإشارة إلى الأصوات الشابة والمنتمية إلى جماعة وطيس الأدب بالكلية التقنية العليا بالخوير وهذه الأصوات هي عهود الأشخري، زهراء البُحري، وعبير السعيدي.
لقد لعب ظهور الانترنت وانتشاره دورًا مهما في ذيوع وانتشار الصوت الشعري النسائي العماني من خلال المنتديات الخاصة بالأدب، المدونات الشخصية، كما استمر هذه الذيوع والانتشار عبر انتشار مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر وغيرها من الوسائل التي مكنتنا من التعرف على أصوات شعرية عمانية لم يكن لها ظهور في الصحافة المحلية وفي الوقت ذاته ساهمت هذه المواقع في إيصال الأصوات الشعرية التي كان لها وجود عبر الامسيات أو النشر في الصحف المحلية إلى مزيد من المقروئية والانتشار. ومن الأصوات الشعرية الفاعلة في الفيسبوك والتويتر، الشماء العلوية، سمية اليحمدي، عهود الاشخري، فوز ريا، فاطمة إحسان ، مريم حارث السيابي فما تنشره أغلب هذه الأسماء يتكئ على قصيدة النثر وإن على درجات مختلفة من الوعي والتمثل لإمكانات القول الشعري. فكما أن بعض الشاعرات يفضلن الكتابة بأسمائهن الأدبية الصريحة يميل بعضهن إلى الكتابة من خلف قناع لأسباب ليس أقلها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي مستغلة في ذلك المساحة التواصلية التي تتحيها مثل هذه الشبكات. وهناك أسماء كتبت القصة القصيرة ولكن نجد لها أعمالا منشورة في مجال الشعر أيضا مثل بشرى خلفان وأمامة اللواتي، كما نجد في الوقت ذاته شاعرات يكتبن في فنون أخرى غير الشعر من قصة قصيرة ومقال ومسرح أو في مجالات تتعلق بالصحافة أو في تخصصات علمية بعيدة كل البعد عن المجالات التي تتعاطى مع الأدب.
الكتابة في أفق لغة أخرى:
الشاعرة نصرة العدوية تكاد أن تكون الشاعرة العمانية التي تكتب الشعر بالانجليزية، وهي من مواليد زنجبار وترعرعت في الإمارات العربية المتحدة. وكانت بداياتها في مشوراها الشعري بكتابة الخواطر الشعرية ثم انتقلت للكتابة باللغة الانجليزية وفي الفترة ما بين 1994 و1998 اشتركت في عدة مسابقات شعرية بالإنجلزية في الولايات المتحدة عن طريق المراسلة. في عام 2002 صدرت لها مجموعة شعرية تحمل عنوان «باقة أفكار» في 2004 صدر لها كتاب شعري آخر وقد قامت جماعة الترجمة بجامعة السلطان قابوس بترجمته إلى العربية تحت عنوان «بين حنايا أضلعي: القوة الدافعة للحياة لتخطي مرض السرطان»، في 2007 م أصدرت مجموعة شعرية أخرى بالإنجليزية تحمل عنوان «وجوه باسلة: مقاومة السرطان بصلابة»وهي تأخذ ذات المنحى الذي تكرسه العدوية في تجربتها الشعرية كاملة لأجل بعث روح الأمل والتفاؤل لتحدي السرطان، وترتكز في شعرها على القوى الداخلية في داخل الانسان القادرة على الخروج من ضيق هذا المرض الفتاك إلى أفق الإيمان بقوة الأمل.فهذه التجربة تكتسب أهميتها من كونها تخرج من الهم الذاتي إلى أفق إنساني أوسع وتتجاوز الكثير من الثيمات والصور التي تتعاطى معها الأصوات الشعرية النسائية العمانية الأخرى.
الخلاصة:
هذه الإطلالة السريعة رغم طولها النسبي سعت لتلمس المعالم الأولى لتجربة شعرية مازالت في طور التشكل والتحول. فالتجارب الشعرية المبكرة مازال بعضها منتجا حتى اللحظة وهناك أصوات تجرب حظها في الشعر ثم تنتقل إلى فن آخر وهناك من يترك فنه ليلتحق بالشعر. في اللحظة التي تنشر فيها تجربة شعرية نتساءل عن المحذوف والمقصي من الشعر، كم من النصوص الشعرية التي فقدت أو من الصعب الوصول إليها بسبب عدم وجود نظام أرشفة يسمح لنا باستعادة النصوص المنشورة في الصحف والمجلات المتفرقة أو في المواقع الالكترونية والمنتديات التي طالها الغلق لسبب أو لآخر.
ليس ثمة من حكم نهائي على مسار القصيدة التي اجترحتها المرأة في عمان منذ الثمانينات وحتى الآن فحتى هذه اللحظة هناك أصوات تتشكل وهناك تجارب قديمة مازالت في أدراج النسيان هناك الكثير من المفقود. وبرغم ذلك فلدينا الآن متن شعري يغري فعلا بقراءته بالصورة التي تليق به فحصا وتحليلا بعيدا عن المجاملات وأوهام الريادة أو التعصب لشكل القصيدة. من المهم أن نجيد الاستماع إلى هذه التجارب ومحاولة التبصر فيما تثيره من رؤى وتفتحه من آفاق.
————————–
عوض اللويهي