يُعد الشاعر الأرحنتيني غِيٍيرمو إيبانْييث / Guillermo Ibiiez أحد أبرز أسماء المشهد الشعري الأرجنتيني المعاصر. ولد بمدينة روساريو سنة 1949.وقد أصدر العديد من المؤلفات الشعرية والنثرية منها: «أزمنة» 1968. «الجدران» 1970 . «قصيدة الكائن» 1986 . «أصواتُ الكلمة أو الظلالُ الناطقة» 1992. «فن النسيان» 2000. كما يشرف على «المجلة الدولية للشعر» التي تصدر منذ سنة 1993. وتعتبر مجموعته «أصوات الكلمة أو الظلال الناطقة» أحد أبرز أعماله؛ فإضافة إلى كونها شكلت انعطافة مميزة في مساره الشعري، فقد ترجمت لأكثر من لغة . ونقدم هنا ترجمة عربية لبعض مقاطع هذه المجموعة التي صدرت عن دار «خولْغاريا » بمدينة روساريو سنة 1992 ، قبل أن تصدر في طبعات أخرى.
يستند هذا العمل إلى خصائص كثيرة أبرزها الاحتفاء بالكلمة من خلال منح دهشة الإنصات العميق لنبضها، وملاحقة الاستعارات والصور التي تشتعل محلقة في اتجاه التخوم البعيدة للخيال الإنساني. ومن خلال هذه النصوص القصيرة والرشيقة ، تحتفي الذات باغترابها الأبدي أمام رعب الكلمة ، مما يضيف ثراء دلاليا ورمزيا، يعززه استحضار صور شعرية تتسم باللانهائية والعمق والفداحة؛ إنه الثراء الذي تنتجه مخيلة تمنح لنفسها «متعةَ» ملاحقة أمل ما فتئ يبتعد شيئا فشيئا، مضاعفا بذلك مأساة الإنسان وضآلته أمام سطوة وجبروت الوجود ،رغم توهمه أحيانا بعكس ذلك. يقول الشاعر:
أصِلُ استجابةً
لصوتي هذا،
لكن بعيدا
عني.
إن الحضور الأونطولوجي والأبدي للكلمة على امتداد تاريخ الإنسانية ، يحولها إلى إيقاع متواصل للوجود والحياة والأشياء. فجميع الكلمات ،على اختلاف خصائصها الصوتية والدلالية، هي أفق مشرع ينتشر من خلاله الصوتُ الحميمي مقتحما مجاهل موغلة في العتمة والعماء.وفي ضوء ذلك كله ، يمكن القول أن هذا العمل قد عكس إلى حد بعيد ، بعض جوانب قدرة الذات الشاعرة على بناء وتشكيل شعرية تجعل من الكلمة، بكل ألقـها البدائي، أصلا للأشياء ومبررا لها.
d d d
«يُعرف الشجر
من ثمراته» .
رجل وشاعر
تعرفت عليهما
في حركتهما الصامتة.
d d d
كُلْ، سِرْ،
حَلقْ ،إهْذِ .
إذا كنتَ تنتبه،
احتفظ بخطوتكَ،
فكرْ.
الوقت يمر
من أجل العابر،
الذي يعبرُ
عبورَ الوقت.
d d d
تكرارُ الزغرودة.
نعيقُ القبرة.
نعيقُ الغراب.
بهذا الصوت
تتمزق
الحُجُبُ.
d d d
أصِلُ استجابةً
لصوتي هذا،
لكن بعيدا
عني.
d d d
لا يتعلق الأمر
بإعادة الوصال،
ولكن بالعزلة.
الموعظةُ ليست هكذا،
وإنما هي القول
بأن الواحد فقط
هو وحيد ومنفرد.
d d d
ينساق الزورقُ
مع التيار.
في الداخل
عطشٌ وماءٌ.
d d d
غوايةُ الكلمات،
نسيانُ الأفعال.
d d d
محاصرا بتقلبات الزمن،
أهْجرُ حركة
وصوتا
لا يمُتان إلي بصلة.
d d d
في اتجاه النور هناك الفكرةُ.
في اتجاه النهار هناك الصوتُ.
في اتجاه الظل هناك الغيبُ.
في اتجاه العدم هناك الصمتُ.
d d d
الصمتُ للأشياء
والصوتُ للإنسان.
d d d
السطوعُ من الترقب.
والمؤلمُ من الجسد.
والفكرُ من الوعي.
والحياة من المجازفة.
فماذا نختار؟
d d d
الجوهري تقليدٌ وأسطورة.
الصوت رجْعٌ وصدى.
المسمى رنينٌ ومعنى.
صوتُ الآلهة والطيور.
d d d
أنظر فيتبددُ ما أرى،
غير أن ما يتراءى فقط
لا يضيء الوسَطَ.
d d d
لا تكن المغني
أو الموسيقيَ
أو الشاعر،
بل كن الأغنية.
d d d
لبلوغ نداء الطائر
هل يحتاج الأمر
لبعْثٍ أم تقليد.
d d d
الواحد هو الإيماءة
والآخر هو الرمز.
ليست هناك طقوس من أجل الدهشة.
هناك ريح
تنادي جموعا من الكلمات.
d d d
كلمة.
كلمات.
كحد أقصى،
إنه تشويه للغةِ الآلهة.
d d d
في هذا الإجماع الهائل والهادئ لليل،
تتيه الضواحي
فتلغي المرايا والظلالَ.
ليس معروفا إذا كان القلب
يخفق في حنايا أحدهم
أم في الشجرة القريبة.
d d d
تَكَلمْ مثل الريح
مثل الطيور.
هي تمنح أصواتَها
صدى الزمن،
وتزفُ المستقبلَ.
d d d
يذهب الواحد بحثا
عن نصفه الآخر
الذي لا يدركه أبدا.
d d d
لتتركْ اسمك
على ضفة النهار.
فلن تكون لا أقل ولا أكثر
من إنسان.
d d d
بالكاد يترك
أثرَ الخطوة
التي تمحوها
الرياح السريعة والهادئة.
d d d
إذا ما تركتُ الهويةَ
والبحث والوهمَ ،
ربما ، وربما فقط ،
تنبثقُ الكلمة.
d d d
يهيم الإنسان
بين الظلمات
بحثا عن الكلمة.
d d d
كل يوم تُفتح باب
ما بعد الخمسين من العمر.
خلف الجدار تنتظر المرايا.
d d d
تُدرَكُ الكلمة،
أوبالكاد تُلمسُ برؤوس الأصابع.
فتشحبُ وتتسربُ،
ثم تخفتُ.
d d d
في طيف المرآة
الآخرُ عبارة عن ظل يخفقُ.
فقط هذا الظلُ،
الظلُُ الناطقُ .
d d d
الصدى المحفورُ في الصخرة.
انقباضُ وانشراحُ الأكوان.
انبثاقُ الكلمة .
d d d
كم من تضرعٍ
للوصول إلى الإله.
إنه التخلص من كل قناع.
هذه الصورة ، يا فرويد المحترم ،
رائعة جدا.
فبِدون المرايا وهذا التخلص ،
كل شيء يصبح بلا جدوى.
d d d
أكتب
وأنا أنتظر.
سأكتب عن النسيان حاضرا.
d d d
عُدْ
إلى شفافيات الحجاب.
وليكنْ ذلك خلف الكلمة
أفضل من أن يكون قبل القصد.
d d d
أُنشِدُ
الشعرَ.
هذه الكلمة المُرصَعة والفوضويةُ،
المُشذبةُ والمجسدةُ ،
لا نهاية لها.
d d d
وجهي يغني
منعكسا في الماء،
دون أن تصدر عنه إشارة واحدة.
d d d
لقد أكلنا
من الشجرة المحرمة .
نعرف عن وعي
ما يقدمه لنا الزمن الآن.
النور، الظل ، السماء أو الجحيم.
المعرفة عقاب كاف.
d d d
تولد القصيدة
في الكلمة ،
فلا تموت.
ترجمة وتقديم : محمد أحمد بنيس
شاعر من المغرب