أنطونيو بيلايز روفيرا
فيما يتعلق بالورق المستخدم في المجال الإسلامي في العصور الوسطى؛ فإن الإطار الزمني والجغرافي المُدرج تحت تسمية مملكة غرناطة النَّصرية يمكن أن يجعلنا نعتقد بأن المعطيات المتعلِّقة بأصل هذه المواد وباستخدامها يمكن فهمها بسهولة، نظرًا للإنتاج الكتابي المكثّف الذي عرفته الإدارة الإسلامية وللتخصصات المعرفية المتعدِّدة. وفي دراسة الحالة هذه بالذَّات، فإن البقايا القليلة المحفوظة والإشارات المأخوذة من مصادر مختلفة للثقافة الإسلامية، وبصورة أقل، من مصادر مختلفة للثقافة الأندلسية في غرناطة على وجه الخصوص، تجعل من الصعب مقارنة البيانات التي تم الحصول عليها مع المعلومات التي قدَّمتها المخطوطات المحفوظة. إنَّ المصادر التي تمَّ الرجوع إليها، والتي تأتَّت من المجالين: النَّصري (نسبة إلى بني نصر، أمراء غرناطة) والأجنبي، تجعلنا نعتبر الإشارات إلى استخدام الورق في المصادر التاريخية (النَّصرية والأجنبية) والأطروحات القانونية والدينية والنباتية والزراعية ذات أهميّة خاصة. ففيما يتعلق بالمواد المحفوظة، فإن التحليلات التي أجريت حتى الآن على بقايا الورق التي كانت تُستخدم -تلبيَّةً للاحتياجات المعرفية الإدارية والفكرية الخاصة بغرناطة النَّصريَّة- كدعائم كتابيَّة للوثائق القانونية، وللنصوص المكتوبة بخط اليد لاسيما لغرض توثيق الأعمال ذات التخصصات المختلفة، وللنصوص القرآنية، وللوثائق التجارية المختلفة، من بين أمور أخرى، في غاية الأهميَّة.
من خلال التجميع المعقَّد للبيانات المكتوبة بالمخطوطات المحفوظة، يمكن مناقشة سلسلة من الفرضيات للإجابة على الأسئلة التي طرحَتْها مشكلة أصل دعائم الكتابة في غرناطة، فبعد تتبع مسار اقتناء الورق الذي استخدم من جهة قنوات التجارة الدولية، ومن جهة أخرى مصانع لتصنيع المواد الورقية وإعادة استخدامها، فإنَّ هذا يُشير إلى أنَّ استخدام الورق يعود، في ظلِّ وجود حالات قليلة من مصانع الورق في المنطقة النَّصرية، إلى مصادر من أصل أجنبي خارج مملكة غرناطة النصرية، وهذا النَّوع من الورق اُستُخدم خصِّيصًا كدفاتر حسابات التُّجار الجنويِّين مع الإشارة بالطبع إلى كونه ضمَّ معلومات عن تجارة الورق. لا شك في أن العنصر الأثري أساسي في هذا المجال، والذي، وفقًا للنصوص المحفوظة، يدلُّ على نوع الورق المصنوع من الأقمشة (الخرق) أو الألياف النَّباتية (السليلوز، القنب).
بناءً على كُلِّ البيانات التي تم جمعُها، تسلِّط الدِّراسة الضوء على الانتشار الواسع للورق في المجال الإداري (لاسيما وأنَّ الدَّولة كانت تمثِّل أعلى نسبة في مجموع الطلبات المقدَّمة للحصول على الورق)، والفكري والديني الخاص بإقليم النَّصريين. في الوقت نفسه، تُثَارُ سلسلة من الأسئلة حول أصل مادة الكتابة الأساسية هذه، بداية من أصلها الخارجي، لاسيما انطلاقا من تجار جنوة كما هو مذكور أعلاه، إلى غاية تصنيعها في موقع غرناطة، بالإضافة إلى طرق التَّصنيع والمعالجة قبل استخدامه. إزاء كل هذه المعلومات، يتم تقديم بانوراما عالمية لحالة المواد الورقية، مع التركيز على بيانات محددة ذات أهمية خاصة لا تتوقَّفُ على المجتمع الإسلامي فقط. وبناء عليه، تبرز بعض الفتاوى، بعدما ثار الجدل حول موضوع نسخ القرآن على ورق من أصل مسيحي، والذي يكون قد احتوى على إشارات مسيحية (كالصَّليب وغيرها)، كما تمَّ إثباته في بعض الحالات الملموسة والمحفوظة.