إهداء إلى: أشرف العناني
أحُبُّ مورغان فريمان، وطعم الشكولاتة
وكُتبَ التصوفِ، والترحالِ في بلادِ اللهِ،
.. أنا أعُيسرُ اليدِ والقدمِ، ليسَ هذا دليلٌ علي التميزِ،
خطيِّ جميلٌ ومنمّقُ؛ فأكتبُ قصائدي على الكيبوردِ.
لا ميزةَ تميِّزُني عن الآخرين
فقصيدةُ النثرِ ليس لها قدسيةُ المعلقاتِ.
ربّما قلتُ كما همس صديقٌ: “مخجلٌ أنْ تكونَ شاعرًا”.
ليسَ للعولمةِ دخلٌ في الأمرِ،
ولا اللاندكروزر التي تندفعُ بقوّةٍ.
حتى أنَّ بناطيلَ البلوجينزِ لنْ تعيدَ تشكيلَ الأساطيرِ
في الجغرافيا المرميةِ بلا مبالاةٍ.
وإنَّ ناسًا هنا لا يعرفون مورغان فريمان
ولا تستهويهم الشوكولاتة بأنواعِها،
ربّما؛ لأنَّ طعمَ اللّوزِ المرِّ أكثرُ مصداقيّةً
في واقعٍ “كالخطايا السبعِ”.
ماذا لو أنَّ الجغرافيا امتنعتْ عن القيامِ بدورِ أيريما لادوس؟!
وأن التوراتيين تمعّنُوا في تجريدِ الخطِّ العربيِّ
مثلَما يصنعون القنابلَ الذّريةَ،
وأنَّ الأفكارَ التي تتسلّلُ من النفقِ أصابَتْها شظيّةُ الهيل فاير.
هل سيظلُ لجبلِ الحلالِ سطوتُهُ الكاذبةُ؟!
هذه أساطيرُ تتنفّسُ بالكادِ تحتَ ثقلِ الحداثةِ
لا تظننَّ أنّني أهذي،
لعلَّ الشاطئَ المثقلَ بالنفاياتِ، والسفنِ
صورةُ حضارةٍ تشرئبُ كسحليّةٍ في ظهيرةٍ
هنا، أمام العالمِ الصاخبِ.
هلْ تحبُّ مورغان فريمان والشوكولاتة السوداءَ؟!
الفُطرُ السَّام
أخطو في الوادي الملغَّمِ بالديناميتِ
وأثرِ العابرين في الماضي البعيدِ يتكاثرُ كالفُطرِ.
ليسَ للأنبياءِ سطوةٌ كما تظنَّ،
ولا للتراجيديا وقعُ التّطهرِ.
فهذهِ اليدُ الغامضةُ تتحرّكُ
ورأسُ المالِ، والأفكارُ الكبرى،
وطبقاتُ المجتمعِ الكادحةُ.
فالشعوبُ التي تعاني وسواسَ الماضي
ستعيدُ بناءَ أساطيرِها كالخنفساءِ.
والوادي المقدّسُ إذ تنظرُ فيه
ترابٌ يتطايرُ في الريحِ
خُطى نَبيٍّ حَافٍ ذاتَ ليلةٍ،
دمٌ ناشفٌ، وقرابينُ…
تلك أسطورةٌ تنمو كالإخطبوط
لا شيءَ سيبقى، سوى أثرٍ باهتٍ يتلاشى..
لستُ نصيرًا لأحد
لستُ نصيرًا لأحدٍ،
أواري رُعبي في الكلماتِ.
رعبي من الآخرين،
من شاحنةٍ تعبرُ الشارعَ وسائقُها مُنتَشٍ،
من الكآبةِ، من الصخبِ والعنفِ،
من رصاصةٍ طائشةٍ
يطلقُها جنديٌّ متوجسٌ من الصمتِ.
كلّما نظرتُ للسماءِ وجدتُها بعيدةً،
أبعدَ من كلامِ الناسِ عنها،
وإيمانِ المؤمنين.
أنا خائفٌ، نعم خائفٌ
فلستُ نصيرًا لأحدٍ،
وبلا اعتقادٍ قاطعٍ يحرسُني.
حتميّةُ التاريخ
لعينيكِ المُرتبِكةُ أوّلَ القَصفِ وآخرَه
الرحلةُ ليستْ آمنةً كما تظنّين
فنحن نَجُرُّ خلفَنا الإرثَ العتيقَ.
تقولين: ما دَخلُ كلِّ هذه الطائراتُ بنا،
إن كنّا نموتُ بلا سببٍ واضحٍ
أعرفُ أنّ السماءَ غيرُ متصالحةٍ معي
وأن صُراخي سيشرَعُ في بناءِ سَدٍّ من اللامبالاةِ.
يدكِ مرتبكةٌ، وجسدُكِ يتعرّقُ في حُمّى الشّهوةِ
الصواريخُ ليستْ بِدَعةً جديدةً
فلا تخافي، الموتُ بها سريعٌ وشهيٌّ كالجنسِ
ولا يتركُ أثرًا لبقايا دمٍ على الأرضِ؛
لأنّ النارَ تطَهِّرُ أحلامَ البؤساءِ، وصراعاتٍ تافهةٍ حولَ الحياةِ.
الدمُ الشهيُّ بلونِهِ القُرمُزِيِّ لا يراهُ الطّيارُ
حين يطلقُ صواريخَهُ جهةَ الأحياءِ،
وأحلامِ أمهاتٍ يتمنّين سلامةَ أطفالهنّ.
لستُ معنيًّا بذلك الآن،
فاللهُ يديرُ كونَهُ بما يراهُ صالحًا لعبادِهِ.
أنتِ مريضةٌ، ومرتبكةٌ
لابدَّ أن تعرفي القليلَ: عن حتميّةِ التاريخِ،
وصراعِ الأفكارِ الكَونيّةِ، والاقتصادِ السياسيِّ، ورواياتِ كونديرا
لتفهمي أنّ العالمَ ليس أُحاديًّا؛
وأن التراكتورَ الضّخمَ سيمرُّ من هنا حَتمًا.
لا تحزني الحمىّ تأخذُ وقتًا قليلاً؛
ليعبرَ المارينزُ من الميناءِ إلى الريفِ الأخضرِ
ويوقّعَ المسؤولون على أوراقِ الإعمارِ.
ما دخلي أنا بكلِّ هذا التعقيدِ؟
أريدُ أن أبوسَكِ، كعادتنا في الصخب
فالطائراتُ التي تحوّمُ في السماءِ، جعلتْ الحبَّ صراعَ حضاراتٍ
والبلادَ صادراتٍ مكدّسةً في الحَاوياتِ، وهجراتٍ غيرِ مشروعةٍ.
لقد أخذتِني بعيدًا عن عينيكِ العميقةِ،
كنتُ أريدُ أنْ أقولَ: أحبُّكِ.
لكنَّ مشهدَ الدّمِ المتجلّطِ شدّني كثيرًا،
والطائراتُ تطيرُ، كأممٍ ليستْ مثلَنا.
أغنيةٌ مرحة
لستُ بريئًا أيّها التافهون.
لم أُرِدْ يومًا أن أكون رجلاً أنيقًا، فاترًا، متحضرًا.
كنت أريدُ أن أكون همجيًّا؛
أجرعُ الخمرَ ملتذًّا
أغرسُ خنجري في صدرِ مَن ينظرُ في عينيّ،
أتصارعُ مع الكلابِ في الخلاءِ؛
ثمَّ أنامُ تحت الشجرةِ بعينِ ثعلبٍ.
أركلُ الحبَّ بقدميّ، كبقايا عظامٍ نخرةٍ
أصغي لعواءِ الذئبِ،
وأبكي؛ لأنّني لم أُخلقْ ذئبًا يعوي في الليلِ.
نعم، أكرَهُ العالمَ، وأكرهُ الآخرين
وأكرهُني حين أكونُ مهذبًا؛
تفيضُ أصابعي عطفًا لزجًا كلعابِ الدبٍّ.
أريدُ أن أركضَ حافيًا فوق الصخورِ المدبّبةِ،
الناعمةِ كجسدِ أنثويٍّ قديمٍ،
ألتهمُ الطعامَ بأصابعي القاسيةِ.
فارغًا من الحبَّ المُللَّ كالصداعِ، ومن ثقلِ الآخرين.
أجلسُ علي الصخرةِ وحيدًا،
وممتلئًا بي، بقوتي الواثقةِ كحجرٍ
أحصى غرائزي بلا خجلٍ
أغنّي بصوتٍ أجشٍّ أغنيةً مرحةً
عن رجلٍ يلوي الكلماتِ بتملقٍ،
وهو يجرُّ جسدَهُ الهزيلَ
في مكبِ نفايةِ العالمِ
ليراهُ الآخرون مهذبًا،
كرجلٍ متحضرٍ..
نوستالجيا
تعثرتُ ليلاً في حقلِ الغربانِ!
كانَ تاركوفسكي ينحتُ في الزمنِ.
بكيتُ، لم يخضّرْ الغضنُ الناشفُ،
خرجتُ من الساعاتِ الرتيبةِ
وطعمُ الدهشةِ يلسعُ لساني كالقرنفلِ.
لستُ البدويَّ، تاجرَ النُّوقِ القديمَ،
ولا الراحلَ وراءَ القافلةِ؛
إنّني بدويٌّ البلوجينز، وسجائرَ LM
لا أملكُ إلا كلماتٍ عطنةً
في العراءِ العريضِ.
تجرحُني الرائحةُ عندما تمرُّ النُّوقُ العتاقُ
في فضاءِ التلفزيون.
وأسكنُ شقّةً بالكادِ تسعُ جديًا يتقافزُ،
أتكلّمُ لهجاتٍ عدّةً كأعرابيٍّ،
وأكتبُ قصيدةَ النثرِ هذه.
أرأيتُم رجلاً يحيا محنةً عويصةً مثلي؟!
بدويٌ يملكُ من البداوةِ: مجردَ اسمٍ
ولهجةً تذوبُ كقطعةِ ثلجٍ
لذلك، جلستُ أمامَ تاركوفسكي
والنوستالجيا تسيحُ مطرًا قديمًا.
سالم أبو شبانة *