** حتى الأن لا أعرف كيف حدث هذا؟ ولا متى تم ؟ وان كان قد جرى حقيقة . أم انه نوع من الخيال المتعب من رحلة السفر، كنت قد وصلت لتوي الى ذلك البلد البعيد. بعد طيران وصلت ساحاته الى الخمس طيرانا متواصلا ومتصلا. بدأ من الوقت الذي لابد من الوصول بعده . والانسان متعب حتى انعدام القدرة على الحركة .
كنت قد تركت بلدي وقت العصر.. عندما يكون الكون محاطا بهذا اللون الاصفر من صفرة العليل . او من شفي من علته وطالت عليه أيام النقاهة .. ومع اجراءات المطارين، مطار السفر ومطار الوصول وحساب فارق التوقيت بين وطني الذي جئت منه، والبلد الذي سافرت اليه، فقد وضعت قدمي في الفندق لحظة انتصاف الليل، بالتوقيت الجديد طبعا.
كانت عصافير الدهشة قد ماتت في صدري.. وغناء الاماكن الجديدة قد خفت من أذني، كنت جائعا لحد الموت لانني لا أتذوق طعام الطائرات الذي يذكرني بما يقدم للمرضى في المستشفيات، مهما كان التفنن في تقديمه .
ومع هذا، وما إن انتهيت من اجراءات التسجيل وسلمتهم جواز سفري، فالفندق من الآن وحتى سفري هو كفيلي، الذي يسحب مني جوازي، واي تحقيق لشخصيتي، طوال فترة وجودي هنا.
ما إن انتهيت من هذه الاجراءات .. حتى كانت الرغبة في النوم هي هدفي الوحيد.. لأكن أكثر دقة، واقول الارتماء على السرير.. حتى بملابس السفر، ثم يروح الانسان في نوم عميق، يخلو حتى من الاحلام .
كل ما لفت نظري، قبل الابحار في قارب النوم اللذيذ أن غرفتي كانت في الدور الرابع .. ولان الفندق كان مكونا من ثمانية أدوار، فقد كنت في المنتصف، وان المصعد كان من الزجاج، ولهذا أحسست في أول مرة صعدت فيها بدوار جميل، تحول الى مقدمة نوم هادىء، وان كانت زجاجة المصعد قد تحولت الى خوف طارىء عند النزول – بعد ذلك – من الرابع الى الارضي.
أما الغرفة التي كانت من نصيبي، فقد جاءت عند نقطة التقاء ضلعين من اضلاع الفندق الداخلية . يتعامدان عند بابها، فتحت الباب بالمفتاح الذي سلمه لي موظف الاستقبال، شممت تلك الرائحة الغريبة ورأيت الاشياء نفسها، التي تؤكد لي أن اقامتي هنا ستكون عابرة . وأنني لن اعرف الاستقرار في هذه الغرفة، ولا أحب ان يكتب علي البقاء هنا اسبوعا او عشرة ايام . واعود الى حيث أتيت .
استغرقت فكرة النوم بملابسي، كما لو كنت أريد أن أثبت لنفسي أنني السندباد الذي صحا من نومه فوجد نفسه يطفو فوق قطعة صغيرة من الخشب .. وسط بحر لا أول له ولا آخر.. ومهما أخذه الموج الى هنا او هناك فانه لم يلح لعينه أي قطعة من اليابسة، حتى تريحة من حركة المياه المضنية والقي بلا نهاية .
أخرها لمحته عيناي.. قبل اغماضهما، أن ثمة بابا في جوار الغرفة، الذي كان مقابلا للسرير، قلت لنفسي وأنا بين النوم واليقظة .. ربما كانت هذه الغرفة جزءا من جناح كبير، حولوها الى غرفة، لعدم وجود زبائن للاجنحة، وكنت قد اخترت أياما هادئة تخلو من الاحداث الهامة . وقتا لسفري الى هذه البلاد.
ولأن سفري كان الاول، لتلك البلد، فقد كانت هناك جدة في كل ما وقعت عليه عيناي من المطار حتى الفندق، رغم ان مداخل المدن واحدة، خاصة عندما تدخلها ليلا، وربما كان هذا هو السر في ان الغزاة كانوا يدخلون المدن التي يفتحونها جهارا نهارا. حتى يكتمل لهم معنى الغزو، لا الدخول تحت ظلام الليل، يجعله خلسة وبعيدا عن شهود اللحظة .
أخذني النوم، وهدهدني على وسادته الناعمة، رغم أن تغيير مكان النوم بالنسبة لي، يجعل الدخول في النوم، عذابا ما بعد« عذاب .. ويصبح هذا العذاب لحارثة في الليلة الأولى . فالانسان لا يستطيع استبدال مكان بآخر بسهولة، لان الامر لا يتصل بالبناء والهندسة والاطوال والارتفاعات، ان للمكان روحا تختلف من مكان لآخر.
أتى النوم .. فجاء وطني الذي سافرت منه منذ ساعات تعجبت من النظام والنظافة وانعدام الفوضى، كما لو كانت شوارع الستينات هي التي تطالعني.. كان الحلم بالابيض والاسود لابد من سؤال أحد علماء سيكولوجية الاعماق عن الحكمة من أحلام الابيض والاسود هذه .
ولكن ميزة الابيض والاسود ان المشهد بدا لي كما لو كان منتزعا من أفلام هذه الايام الجميلة التي تستفزنا بعذوبتها وهدوئها وبهائها، كلما شاهدناها، كنت أطير، ولكن بدون جناحين، وحلقت فوق قريتي وشربت من مائها السلسال، وجلست تحت ظل شجرة السرو، وهفهف علي النسيم الذي يرد الروح . ومددت قدمي في الترعة التي أمامي، غير مبال بأخطار البلهارسيا، فذلك من مزايا ان يعيش الانسان هذه الاشياء الجميلة في الحلم .
ومن جنة قريتي المستحيلة، الى جحيم مدينتي ألممكن، كأن الانتقال، ومع هذا لم أشاهد من الجحيم الأ ابسطه، واقله اثارة للنفس، وجاءت وجوه الاحبة، لا اعرف لم تهرب الاحلام من العدا؟ أو لماذا يختفي الاعداء من الاحلام ؟!
ولكن هاهم الاحبة، يبدون مثل حور الجنة على الأرض، في شفافية الملائكة وعذوبة الايام التي لم نعشها بعد، ولمكن ثمة مقدمات ان الحلم سيتحول الى كابوس، ما الذي اتى بالاعداء على البال والخاطر،إلا يكفي أنهم يعكرون صفو لحظات اليقظة، حتى يسرقوا مني لحيظات الحلم التي بدونها تصبح الحياة كلها نوعا من الجحيم .
نمت بدون عشاء، ولم اتناول غدائي، وكل ما دخل بطني كان الافطار في الصباح المبكر في بيتي. ويقولون لي ان الكوابيس تنتج عن عشاء ثقيل يتناوله الانسان وينام قبل ان يهضمه.
فوجئت بصدور خروشة عند الباب الموجود في جدار غرفتي شعرت بقشعريرة . هزت كياني كله، يبدو ان الآية الكريمة التي أفكر فيها كثيرا في السنوات الاخيرة، قد تحدث لي وتنطبق علي، "ولا تدرى نفس بأى أرض تموت " الموت في الغربة موتان .
صمتت الخروشة، فبلعت ريقي، فكرت في القيام والبحث عن ماء، ولكن ثمة تنميلا جعلني غير قادر على تحريك أي جزء من جسمي، في الغربة الوحدة نصف شجاعة ونصف جبن، تسلبك القدرة على مو احهة أتفه الاشياء.
بعد فترة صمت، عادت الخروشة أقوى من الأول، أعقبها تحريك الباب الذي يبدو كما لو كان جزءا من الجدار. انكمشت في سريري، يخيل الي ان الشجاعة اختراع نظريه كان عزائي الوحيد ان هذه الامور ربما كانت تجري في حلم، وميزة هدا التصور ان الانسان يمكنه الاستيقاظ من الحلم في الوقت الذي يريده .
كان الضوء خفيفا، ذلك أنني في الغربة، من الصعب علي بل من المستحيل أن أنام في الظلام، ولعدم وجود السهاري في الفنادق التي لاتعرف سكون الليالي، وتهرب من هدوء النهار ات، لان صمت الفنادق قد يعني أمام النزلا؟ خلوها من السكان، اي عدم الاقبال عليها، ولهذا فانني أضيء غرفة الحمام وأوارب الباب فيكون في الغرفة انعكاس ضوء او بقايا اضاءة او اطلال نور، لا ينعكس على وجهي مباشرة فيحرمني من النوم .
انفتح الباب .. ودخلت منه قطعة من السواد، ومع خيالات انعكاسات الضوء تذكرت النداهة في بلدنا، وبعض اقاربي الذين أعرفهم، ولم ينج منهم أحد من غواية النداهة .
ولكن الجنية في بلدنا لم تكن تظهر في الغرف المغلقة كانت تنتظر ضحاياها في آخر الليل، وفي الليالي التي تخلو من القمر، وفي الشوارع الواسعة، وتأخذهم الى بحر النيل، وعلى شاطئه إما ان ينقذ الضحية منها أحد المارة، يكفي صوت بني آدم، حتى لو كان طفلا لم تنبت له سنة واحدة، او ان تنزل بالضحية تحت الارض السابعة وتخاويها حتى الموت .
لم تدخل جنية تحت سقف، كانوا يقولون في بلدي إنها ان أخطات، ودخلت بين جدران او تحت سقف تفقد سحرها، وتصبح آدميا عاديا، يمكن قتلها بسهولة، ولكن في الاماكن المفتوحة تكون قدماها من الحديد، وأسنانها أنيابا وأظافرها سكاكين، ومن عينيها يخرج شرأر وقت ان تريد، وهذا الشرر يمكنه قتل من تشاء، ولأنهم كأنوا يقولون ان النور في الليل يحرقها، فقد اتجهت فورا، بل اقول هجمت على زر النور، وأضأت الغرفة .
كانت قطعة السواد عبارة عن امرأة، ترتدي خمارا أسود اللون، وان كان الجزء الأعلى من الخمار عبارة عن شعرها، الذي يبدو كما لو كان جزءا من الخمار.
عيناها واسعتان، ونظراتها جريئة وشفتاها دسمتان، وهي ممتلئة الى حد ما، وفي يدها من الذهب ما يمكن ان يشتري قريتي وفي القدمين شبشب من نفس لون أظافر قدميها وأظافر يدها، ولون شفتيها وجزء خفيف من اللون نفسه على خديها. كان اللون أقرب الى دم الغزال، مما أعطاني الانطباعه ان هذه المرأة جرى أخذ وجهها وازالة بكارتها منذ ربع ساعة فقط .
تركت المرأة الغريبة، الباب الذي يفصل بين غرفتي وغرفتها مواربا، كان يطل منه ضوء، سحبت كرسيا وجلست، وجاءني صوت طفلة تحلم في الغرفة الاخري، سمعت تقلبها في الفراش، وبحثها عمن معها، بصوت خارج من ضباب الاحلام، كان من الصعب علي أن أميز فيه أي احرف او كلمات ولكن الصوت أعطاني الانطباع ان الاحرف جزء من حلم وان الكلمات تبحث عن هذه الجالسة امامي.
وضعت ساقا على ساق، ونظرت الي ولم تتكلم، بحثت عن لساني في فمي فلم أجده، حاولت ان انفخ عروق رقبتي بكلمات، فتاه مني الهواء فيها كانت تنظر الى بتركيز، وكنت أحدق فيها بتوهان وحيرة، وان كان الصمت قد استتب بيننا.
بعد قليل بلعت ريقي وهمست، وان كنت لا أدري لنفسي أم لها:من أنت ؟! ضحكت وكان هذا أول صوت أسمعه منها، وان كنت قد خشيت ان صاحبة الصوت الحلمي التي في الغرفة معها، يمكن ان تصحو من نومها على الضحكة، وتفسد علينا هذه اللعبة، اللذيذة رغم ما اشاعته من خوف في قلبي.
قالت لي، ردا على سؤالي وهي، تشير الى الغرفة التي جاءت منها: جارتك . تجرأت وسألتها: ما اسمك ؟! حركت أصبعها امام شفتيها دلالة على طلب الصمت . وقالت لي: لا تسأل . أوشكت ان أصيح فيها. ان السؤال أبسط حقوقي. بعد أن أعطت نفسها الحق في اقتحام غرفتي. واقلاق نومي.
توقفت أمام كلمة غرفتي، أي غرفة لي . نحن عابرو سبيل، حتى لو أقمت هنا سنة . يبقى الفندق بيتا للعابرين، اعبر فيه من مكان لآخر.
قامت من مكانها. أضاءت كل لمبة في الغرفة . الاباجورة القريبة من الشرفة . اللمبة التي تعلو السرير، لمبة مدخل الغرفة . لفت في المكان بهدوء، وكأنها تبحث عن شيء ضاع منها، خيل الي أنها ربما كانت في هذه الغرفة قبلي، ونسيت شيئا هاما جاءت لكي تأخذه.
جازفت وسألت . تبحثين عن شيء؟! طلبت مني الصمت بالاشارة . قالت وهي تشير الى غرفتها وإلى غرفتي: الغرفتان نسخة واحدة .
ضحكت في عبي، قهقهت بدون صوت هل جاءت هذا المجنونة بعد منتصف الليل لكي تكتشف ان كانت غرفتي مثل غرفتها أم لا؟ من الذي اعطاها هذا الحق ؟! ومن الذي جعل بيدها فتح الباب الموصل بيننا ولم يكن ذلك بيدي أنا؟ أنا على الاقل رجل وهي امرأة، ولكني رجل غريب .لا تكون له اليد العليا على امرأة من أهل هذه البلاد. خاصة أن في تصرفاتها ما يوحي بالثقة في النفس، ومعرفة ماذا تريد بالتحديد.
دخلت الحمام، ومكثت فيه بعض الوقت . قلت لنفسي لابد وأنها تخلع ملابسها الآن، وتلك هي مفاجأة الزيارة الليلية، ستخرج انسانة أخرى، تخلع هذا الخمار الاسود. الذي لابد وان تحته ملابس شفتشي، قماش رمش العين، نسيج يكشف ما تحته اكثر مما يخفيه . وتبدأ ليلة حمراء من تلك الليالي التي لا تحتسب من العمر. اجمل شيء في هذا العالم ان تكون مرغوبا، وان تسعي اليك المرأة الاجمل .
جاءني صوتها قبل أن تخرج من الحمام، سألتني: لماذا لا توضع سوى أشياء الرجال فقط؟! وانطلق رشاش الاسئلة منها. هل يفترضون أن نزلاء الفندق من الرجال فقط ؟ حتى أدوات التجميل الا يوجد منها سوى ما يساعد على حلاقة ذقن الرجل . قالت ان هذا الوضع موجود في غرفتها أيضا. قلت لها. ان هذا الكلام يوجه الى ادارة الفندق، سخرت مني وهي تقول: أعرف هذا. كان في صوتها شيء ذكوري رغم كل ملامح الانوثة التي رأيتها في وجهها، سألتها قبل فوات الاوان: من. انت ؟! ردت على: سؤال مستحيل .
شرحت لها، ان الانسان بعد اللقاء الاول. يرتبط في ذهن من يقابله باسم يطلق عليه . يصبح هذا الاسم جزءا من كيان الانسان في المخيلة . وانني لهذا السبب أسأل عن اسمها. قالت وهي تبتسم لاول مرة " لا تحاول ". أشرت الى مكان على السرير لكي تجلس عليه . نط الشرار من عينيها، وقالت وهي تكز على أسنانها بعدوانية وشراسة: "شغل افلام ".
حاولت الاقتراب منها فنفرت . قلت لا مفر من العودة الى المربع رقم واحد. وهو الكلام .
متطوعا. بدأت اقدم لها نفسي قلت لها اسمي، فردت علي . وهل سألتك ؟! أكملت وكأنني لم أسمعها وظيفتي.. والغرض الذي جئت من اجله الى هذه البلاد والمدة التي سابقاها في بلادها. قالت: ومن قال لك ان هذه بلادي؟
كنت سعيدا، بامتداد خيط الحديث بيننا. سألتها ان لم تكن هذه بلادها فمن أين هي؟ ومن التي تنتظرها في غرفتها؟ وهل هي في هذا الفندق وحيدة ؟ اي بدون رجل .
ضحكت «دائما رجل » غيرت الكلام وسألتها عن موعد نزولها الى المطعم . لا أعرف ما هو السبب من هدا السؤال الغريب . ولكنها قالت لي: أنزل ولا أنزل " لم افهم ولم أحب أن ابدو أمامها غبيا. قالت: "هو يصعد الي "
محيرة هذا المرأة، غموض يقود الى غموض اكثر. ظلام يؤدي الى عتمة . ما حكايتها معي؟ من سلطها علي؟! مجيئها نفض تراب التعب عنى مرة واحدة . صهللت يقظة طارئة، فرضت نفسها علي مع انها لم تقل شيئا. وأنا لم أفعل معها أي شيء.
لقد جئت من آخر الدنيا لكي أجد هذه الشعنونة في انتظاري، امرأة من المستحيل عليك ان تتنبا بما ستقوم به . احتبس السؤال في حلقي عن السبب من قدومها الي . ربما كان الملل هو السبب، واضح انها من علية القوم . لا يعكس وجهها حرمانا. والاتتعارك على وموش عينيها الاحلام المؤجلة . وليس ثمة كبت في حركة يديها.
لفت نظرها على المنضدة كتب كانت معي. بعضها من مؤلفاتي وأخرى أقرأها في السفر عادة . اتجهت اليها . قلبت فيها. قالت: "سجن اللغة الواحدة والوحيدة " استغربت ملحوظتها، بقدر ما كانت دقيقة، فقد جاءت مؤلمة لحد الأذى. نظرت الي وقالت:الحياة أصدق . منها لله، الشياطين التي تركتها ورائي. أعداء السنوات التي مضت تجمعوا في هذه المرأة لكي يحولوا العمر الى مجموعة من الاوهام .
وكما جاءت فجأة . حاولت الانصراف بنفس الفجائية قلت لها مسبقا. الى اللقاء. حركت يديها بلا. وقالت:الوداع قمت . قوة طارئة لا أعرف مصدرها حركتني. امسكت الباب قبل ان تغلقه . حاولت ان تغلبني كانت قوتها غريبة على امرأة . ولكني تشبثت بالباب تشبثي بآخر أمل لي في الحياة . قلت لها والبكاء يسيل خيوطا من عيني. لو ناديتك في خيالي . ماذا اقول ؟ ارحميني. قالت: أسرة .
وللأسماء الغريبة، وقع الدهشة على حبة القلب . آسرة . أسرت من ؟! أنا الاسير وأنت الآسر يا آسرة . الهث طويلا وراء الاسماء التي
لها دلالة ما. أسرني اسم آسرة . . قبل ذلك وقعت أسير منظرها .
الكل رجل دمنا امرأة خياله . تلك المرأة التي تتجمع فيها كل الصفات التي يحبها ويبحث عنها. ومن المستحيل أن يجدها في امرأة واحدة . قد تجد صفة في امرأة ما. .و قد ينقصها الكثير من الصفات الاخرى.
آسرة، فيما كل الجزئيات الصغيرة التي بحثت عنها طوال العمر. كازانوفا مات وهو يتمني لو تجمعت كل نساء حياته في امرأة واحدة. وقبلهن في شخصها قبلة وحيدة . وآسرة هي المرأة التي تتجمع فيها كل نساء الارض . آسرة في الغرفة الفندقية العابرة . أحاول أن اتذكر عند خروجها من الحمام . اي ملابس كانت عليها. الخمار الأ سود أم الملابس الداخلية . وان كانت قد غيرت ملابسها في الحمام . فهل هذا معناه أنها تعرت تماما وانا جالس في سريري. تداخلت الامور علي . حلم أم علم ؟ لابد وانني كنت احلم . ولكن لحظة الافاقة من النوم مازالت ماثلة أمامي.
أوشكت ان اقترب من الباب الذي يفصل غرفتي عن عرفتها. هل أحاول فتحه؟ ولكن يا ويلي ان كان ما جرى كان حلما. وخرج من وراء الباب اناس آخرون . ربما اشتكوني لادارة الفندق . وقد يتطور الامر الى ما هو أسوأ.
لابد من الانتظار حتى الصباح . جافاني النوم رغم تعبي فكرت في التليفون . من السهل معرفة رقم غرفتها، ومن السهل أن أطلبها. وان لم ترد. اعتذر. ولانني بطبعي لست مغامرا. ولهذا انتظرت حتى الصباح . ولان الانتظار كان صعبا. سألت عن موعد فتح المطعم صباحا
احترت متى أنزل. النساء دائما يتأخرن في النوم . ناموسية المرأة كحلي . خاصة كما كانت المرأة جميلة . تأخرت في النوم جمالها يتغذى من راحة البال . اكثر من الطعام والشراب، ونصف راحة البال تأتي من القدرة على النوم اكبر وقت ممكن .
لابد وأن نزولها الى المطعم سيكون قبل اغلاقه بلحظات . هل نسيت أنها قالت لي . ان المطعم يصعد اليها في غرفتها. ومع هذا لا بأس من المحاولة . أين ستذهب مني؟ ما دامت الغرفة ملاصقة للغرفة سأقبض عليها ولو بخيالي ..
في المطعم . كنت أول من يدخل . وآخر من خرج . مكثت أطول وقت قضيته في مطعم في حياتي ثم يستغرق تناول الطعام شئ هذا الوقت . ولكني أسرفت كثيرا في شرب الشاي والقهوة . وبدوت أمام العاملين من الهنود كما لو كنت صاحب مزاج قراري. لدرجة انهم أحضروا لي كميات من الشاي والقهوة ووضعوها أمامي، آخذ منها ما أشاء دون أن أطلب منهم .
احترت منضدة في مواجهة مدخل المطعم . بعد ان تأكدت انه الباب الوحيد، خوفا من ان تدخل من باب جانبي لا أراه، كانت كل حواسي تتنبه عند دخول ايا كان . رجلا أو امرأة .
مرتان فقط، في هذا الصباح الطويل، اقشعر بدني، الأولى عندما دخلت. امرأة ترتدي الخمار ويداها متشابكتان مع شاب . الحناء في اليدين وصغر سنهما. ولهفة كل منهما على الاخر. اكدت لي انهما عروسان في شهر العسل . علاوة. على ان ما بدا منها. اكد0انها لم تكن في جمال آسرة .
المرة الثانية عزما دخل رجل ووراءه امرأة ملفوفة في خمار ووراءها طابور من الاطفال . كان من السهل عدهم لانهم كانوا يدخلون ببطء وكان والدهم يوزعهم على المقاعد المجاورة . كانوا أثنى عشر طفلا. ولكن من المؤكد ان المراة لم تكن آسرة .
خرجت من المطعم عندما كانوا يغلقون الباب ويستعدون لوجبة الغداء. صعدت الى الاستقبال حمدت الله عندما وجدت موظف الاستقبال بلدياتي سالته وانا ادير وجهي الى الناحية الاخرى. عن نزيلة في الفندق اسمها آسرة . لم يفتح . دفاتره، ولم ينظر على شاشة الكمبيوتر، ولا نظر على لوحة المفاتيح ولكنه رد على سؤال نزيلة ؟! قلت: نعم قال لي: هذا مستحيل . شرح لي الموقف المعقد. كان يخفض من صوته . لان رجلين من ابناء البلد كانا يجلسان بالقرب منا. تحت خيمة عربية . وامام احدهما عدة قهوة عربية . .كان موظف الاستقبال يخشاهما قال لي ان العرف في هذا البلاد يمنع ان تحجز حومة غرفة بمفردها. في اي فندق . مهما كانت الاسباب وانه لابد من عائل يكون الحجز باسمه وان تصادف وحجزت غرفة باسم امراة، لابد وان تكون من جنسيات اخري.أي اجنبية،وعموما لا توجد اي غرفة محجوزة لحرمة في هذا الوقت .
سالته بصوت اقرب الى الهمس . بعد ان قربت وجهي من وجهه من الذي يشغل الغرفة التي على يسار غرفتي ؟ أحضر خريطة للفندق . سألني عن رقم غرفتي. وبعد ان اطال التحديق في الخريطة . قال لي لا توجد غرف مجاورة لغرفتك . لاعلى يسارها او على يمينها. من اليسار سلم للطوارىء لا يفتح سوى في حالات الحريق والزلزال ما شابه . وفي اليمين سلم خاص بعمال النظافة والصيانة وخدمة الغرف .
شكرته وانصرفت . جلست في انتظار حضور المرافق الذي كان موعده قد اقترب . لم اجد في نفسي رغبة في صعود الغرفة مع انه كان لدي الف سبب يدفعني الى ذلك . حالة من الخمول والهمود بل والرغبة في النوم هجمت علي . زغللت عينات . وتاهت ملامح الاشياء المحددة . هل معقول ان يحضر المرافق ليجدني اتأهب للنوم ؟! لابد من مواصلة اليوم . ويؤجل النوم الليلة القادمة . بكل ما قد تحمله المفاجآت .
جاء المرافق، كان يلبس جلبابا زهري اللون وغطاء الرأس الوانه قوس قزح أكثر من بديعة كان شابا صغيرا. قليل الحجم . جلد على عظم . وذقنه النابتة كان منظرها بديعا.
بدا يكلمني عن تفاصيل برنامج اليوم الاول الذي كان مزدحما. كنت استمع اليه بنصف اذن . لان وجداني كان يتردد فيه . غناء عذب من الزمان القديم ..
قل للمليحة في الخمار الاسود..
ماذا فعلت بناسك متعبد ؟
يوسف العقيد(روائي وكاتب من مصر)