كأسي
نديمي
لا تلمسه
هو ما تبقى لي
من انجراف الحياة
نحو أفق يصاهر
أشرعة الريح
ويحث اللغة على المشي
عارية خلف القصيدة
هو سر الوشاح
الذي يربك تفاصيل الاشتهاء
لتبدو عادية
كمشهد مترف
على حافة الجهات
التي ترقص للدوران
كما يفعل « رأس المسافر » (٭)
تماما
وهو ينشد ترحاله
في المدن الراسخة
في وقع الذاكرة ..
كأسي
لا تلمسه
فقط خذ كأسك
وشاطرني الفكرة إن شئت
عن العالم المدمج في قرص
العنكبوت
وعن الأحذية التي تهيئ خيوطها
لاحتلال أرض الغير
وعن المشي في اتجاه
المحبة المحتملة
والسلام المعطل ..
عن الوشوشات التي تسكن شراييني
وتعد بانسداد يوصل
الى أرخص مشفى
على هذه البسيطة
عن أشياء كثيرة
أصر أن أجهلها حتى لا يتوقف القلب
عن صغاري العائدين
من مدرسة «لويس بيبيس»
عن « أمانوفا»
الآتية من سلالة الموريسكيين
ومن رحلة فك وزرها
عباب البحر
والمراكب المشحونة بانكسارات
ملوك الطوائف ..
هل تعرفها ..؟!
أمانوفا هي التي علمتني أول درس
عن الملكية و العائلة و الدولة
دون أن تعير أي اهتمام
لـ « فريدريك أنجلز»
وأوصتني أن لا أحشر أنفي كثيرا
في طاولة « كارل ماركس »
والتماس مع جدار العولمة العازل
لأحلام البروليتاريا
لكنها لم تمنعني قط
من السهر في حان « تروتسكي »
الصاخب إلى حد العدم
والمولع بخطاب الجحيم
وأعطاب الصراع الطبقي
في القارات الآهلة بالحرب
وتدخل النسر النبيل
في أجنحة بؤر التوتر
ومحترفات الثورة ..
كأسي
تتحسسه يدي
وأناملي ترتعش له
كلما استهواها توازن الأمكنة
كأنه ينال من سعة القلب
خفقان المعنى
ويزيح عني غبار الرؤيا
كأسي
ليس المركب السكران
على حد استعارة « أرثور رامبو»
لكنه شرك البوصلة
التي تدرك شأن التسامح
والتعايش مع جزر مثقلة
بملح الحياة
أسفلها
أعلاها
سقفها الذي لا يرى
ترابها الذي يعتري
منيت الجذور
لتكبر العرصات
و الفكرة عن المعمور
الذي أسكن أحيانا
حاناتِه المجاورة ..
هو الحياة إذن
سفر التكوين
نشيد الإنشاد
بلاغة السهو
والوصايا التي يهدهدها الماء
ويباغتها المحو ..
كأسي
دوارة الموسيقى
التي أحتاجها لصياغة الضوضاء
في أدراج الروح
الشرفة العارية
إلا من أوراق الكرم
ومن شرك الدوالي
التي تأسر نسغ العظام
وتسيره رمادا
وحبات كرز ..
ورشة التأمل المشتهى
لتحصين سياج العمر
من أعطاب الرتابة
وخنق الحواس في طي النسيان
المسرح السفلي
الذي لا يبالي بتاتا بانزياح
الجدار الرابع
وانطفاء الممثل
في عتمة الكواليس
حتى لا يفضحه النص
و الدور المفتعل
في المسرحية ..!
كأسي
الرعشة برمتها
بمنأى عن الحزن الآسر
لتيه النشوة
يحرض الكيان الذي يزج بي
لإخراج سيناريو الحياة
من « بلاتو » سينما
منتصف الظهيرة
وحواشي القصة القصيرة
وما تبقى من دهشة
قصيدة « الهايكو»
وروعة الفصول ..
كأسي
شبيه بسحنة بحار
يحن للكتاب
و المرافىء
وفيض الموسيقى
وحانات المدن المحاذية
لشريعة الموج
وسيقان نساء قادمات
من شرخ المحيطات
اقتفين أثر سرير الغرباء
ووهبن اللذة للعابرين ..
كأسي
لا أعرف له وقتا
منشطر هو إلى حد الثمالة
بين سدول الفيء
وغسق الليل
وأروقة المدار
بيان المتعب مثلي
يحاكي تجليات البهاء ..
كأسي
مزلاج لفتوحات تأتي
من انصراف الحالم
إلى دكنة معبد الغيم
وباب اللمعان
المفتون بانسياب
الأسئلة
الهودج السحري لمدار
يتوسد الرياح ..
كأسي
كلما شربته تلألأت حبات
العنب في مقلتيّ
وكلما تفرسته رأيتني
ربانا بلا قرار
لا يأبه للمرساة ..!
كأسي شأن آخر
.. وكفى . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٭ مجموعة شعرية لسيف الرحبي