عندما تصبح العولمة رؤية خارجية لفرض الهيمنة الثقافية بمقاييس واحدة فإن علينا أن نبادر برؤيتنا وان نواجهها بكل إمكانياتنا وان نجتهد بكل طاقاتنا حتى نستطيع أن نحافظ على هويتنا ونسعى لمواجهة ذلك العصر بكل متغيراته ليس فقط السياسية والاقتصادية بل وأيضا الثقافية في ضوء فعطيات القرن العشرين وإرهاصات القرن الحادي والعشرين.
وقد تتعدد الطموحات وتبقى الإمكانيات محدودة. لكن ذلك ينبغي الا يكون مدعاة للإحباط وتثبيط الهمم، بل علينا أن نجعله دافعا للمزيد من الجهد كي نستطيع الاجابة على سؤال.. أين يقف العالم العربي والإسلامي بثقافته وحضارته وتراثه الأصيل ؟ ولعل كل جهد يبذل في هذا الصدد يبقى جزءا من الإجابة
التي مازالت تحتاج الى توظيف كل الجهود واطلاق كافة المبادرات التي يمكن اضافتها الى مختلف الجهود السابقة في هذا المجال.
وتأتى المبادرة التي أطلقها معالي السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي سفير السلطنة لدى مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية بإعلانه في شهر اكتوبر من العام الماضي عن تنظيم صالون ثقافي باسم «الخليل بن أحمد الفراهيدي» في حلقات شهرية كواحدة من ضمن المبادرات الفريدة لانطلاقها وفق هدف واضح ومحدد يجيب عن جزئية كبيرة من السؤال السابق انطلاقا من رؤيته الحضارية التي تستند الى حتمية التواصل الثقافي بين أبناء الامة العربية المجيدة وما تزخر به لغتها العربية من تراث عظيم وموروث حضاري خالد.
فقد عكست فعاليات الحلقات الثلاث التي تمت أقامتها من صالون الفراهيدي حتى نهاية شهر يناير الماضي عدة دلالات حضارية جعلت من هذا العمل حدثا ثقافيا بارزا شهدت له الأوساط الثقافية والنخب التي شاركت في أعماله سواء من مصر أو السلطنة أو العالم العربي بشكل عام. وعلى الرغم من أن هذا العدد من الحلقات قد يبدو محدودا حتى يمكن الحكم بهذه المقولة، إلا أن قضايا هذه الحلقات ومناقشاتها ونسبة المتابعة والاهتمام بها من جانب مختلف الأوساط الثقافية والاعلامية تجعل من صحة هذه المقولة أمرا له ما يثبته للاعتبارات الآتية:
توقيت المبادرة: ذلك أن إطلاق هذه المبادرة وبما عكس في توقيته واحدة من أهم الدلالات الحضارية التي عبرت عنها رؤية صاحبها فهي تنطلق في عصر أصبحت فيه الرؤى الحضارية متعددة، والمواقف فيه مختلفة، بعضها يرى أن هذا العصر هو عصر صراع الحضارات والآخر يردها في نهاية التاريخ، وتقف بين هاتين الرؤيتين رؤية وسط لم تتضح بمد تتبنى موقف التكامل بين هذه الحضارات.
وفي ضوء ذلك أصبحنا نحن بثقافتنا العربية والاسلامية وتراثنا الحضاري المجيد مسؤولين عن ضرورة ابراز رؤيتها الحضارية وتأسيسها بأسانيد ثقافية نابعة من تراثنا الأصيل وهويتنا المستقلة حتى نستطيع أن نواجه ذلك العصر الجديد بمختلف رؤاه. وربما يكون صالون الفراهيدي خطوة مهمة على هذا الطريق الطويل لانطلاقه وفق ثوابت محددة وأهداف واضحة أجمعت على ضرورة إحياء التراث العربي والاسلامي وطرح البديل الحضاري بالعودة الى الجذور واستغلال الطاقات وتكامل الجهود.
راعي المبادرة: قد يكون غريبا أن تأتي المبادرة من جانب شخص ليس من مسؤولياته كسفير لبلاده الاهتمام بأمور الثقافة، ذلك أن طبيعة العمل الدبلوماسي بكل ما تحتويه من مسؤوليات وما تتطلبه من وقت تجعل جل الاهتمام منصبا على أمور السياسة والدبلوماسية، لكن ادراك المسؤولية وتلازمها مع صيغة واضحة ورؤية حضارية جعلت من صاحب المبادرة معالي السيد عبدالله بن حمد بن سيف البوسعيدي يبادر الى اطلاقها واعلانها رغم ما فيها من عبء – وقد يكون كذلك تفسيرا عاما يرتبط بإدراكه أن طبيعة العمل الدبلوماسي – وهو مقبل على على الولوج الى معطيات قرن جديد تلعب فيه الرؤية الحضارية الواضحة المستندة الى أسس نابعة من تراثنا العربي والاسلامي دورا كبيرا في مساندة العمل الدبلوماسي والسياسي في ظل نظام عالمي ربما تصبح فيه رؤى السيطرة الحضارية والهيمنة الثمانية هي المحرك الأساسي للتفاعلات السياسية بل والاقتصادية والثقافية.
وعليه فلم يكن غريبا أن تأتي هذه المبادرة من راعي مسؤولية دبلوماسية إذا ما أخذنا في الاعتبار بعد النظر والادراك الواعي للمتغيرات الدولية والتطورات العالمية التي أصبحت تجعل من الاهتمام بأمور الثقافة عملا ذا أبعاد حضارية قد يتساوى في أهميته مع الأهمية التي يتسم بها العمل الدبلوماسي.
وربما يضاف الى ذلك سبب آخر وتفسير خاص يرتبط بإدراك راعي هذه المبادرة لمدى ما يزخر به تراث أمته العربية الاسلامية بشكل عام وحضارة دولته بشكل خاص من رصيد علمي وثقافي لعلماء اجلاء ساهموا جميعا بثروة حضارية واسهامات فكرية نادرة. وان إحياء ذلك التراث كفيل بأن يجعلنا نقبل على الدخول الى معطيات قرن جديد «القرن الحادي والعشرين» ونحن مسلحون بسند ثقافي قوي يستطيع أن يواجه كل محاولة للسيطرة والهيمنة.
معنى التسمية: فقد كان اطلاق اسم أحد أهم العلماء العمانيين بشكل خاص والعرب بشكل عام وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي على هذا الصالون أحد الأسباب الرئيسية التي أعطت لهذا العمل أهمية خاصة وذلك بحكم ارتباطه باسم شخصية عمانية المولد عربية الثقافة والتعليم قال عنه ابن خلكان "اجتمع الخليل ابن أحمد وابن المقنع ذات ليلة حتى الغداة، فلما افترقا قيل للخليل كيف رأيت ابن المقنع ؟ قال: رأيت رجلا علمه أكبر من عقله، وقيل للمقفع كيف رأيت الخليل ؟ قال: رأيت رجلا عقله أكبر من علمه , كذلك قيل عنه "من أحب منكم أن ينظر الى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر الى الفراهيدي" فهو علم من اعلام العرب الذين ساهموا بسخاء في دعم ميراث الأمة العربية الخالد وتخرج على يديه علماء وأئمة كثيرون.
الطبيعة النخبوية للمشاركين في أعماله ومداخلاته: لا شك أن عملا بهذه الاهداف لابد له أن يجمع في حلقاته نخبة مختارة من العلماء والمثقفين والاكاديميين انطلاقا
من رؤيته الراعية الى احياء تراث الأمة العربية والاسلامية من أجل تحديد معالم رؤية حضارية عربية نقف عليها ونحن نواجه متغيرات القرن الحادي والعشرين.
وتؤكد أسماء الشخصيات التي شاركت في أعمال الحلقات الثلاث الماضية لصالون الفراهيدي هذا المعنى، فقد شارك في حلقته الأول الأستاذ الدكتور كمال بشر عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة مسابقا وعضو مجمع اللغة العربية، والاستاذ الدكتور السعيد محمد بدوي مدير قسم اللغة العربية بالجامعة الامريكية، والأستاذ الدكتور محمد حماسة عبداللطيف أستاذ النحو والصرف والعروض بالجامعة الأمريكية، والأستاذ الدكتور أحمد عفيفي أستاذ النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
كما حضر مناقشاته وشارك في مداخلاته نخبة كبيرة من أساتذة الجامعات المصرية والشعراء العرب ورجال الفكر والادب والصحافة في مقدمتهم د.عصمت عبدالمجيد الامين العام لجامعة الدول العربية وعدد كبير من مندوبي الدول العربية لدى الجامعة، ورئيس المجلس الاعلى للتربية والثقافة والعلوم الفلسطيني، والامين العام لمجمع اللغة العربية، وعدد كبير من الشعراء من مختلف الدول العربية ورجال الصحافة والاعلام في مصر.
كما شارك في أعمال الحلقة الثانية الاستاذ الدكتور علي الدين هلال عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة والامين العام للمجلس الاعلى للجامعات المصرية والاستاذ الدكتور محمد السعيد بدوي مدير قسم اللغة العربية بالجامعة الامريكية، والأديب المصري والشاعر المعروف الاستاذ فاروق شوشة والاستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي أستاذ اللغة العربية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة. كما شارك في مناقشاته ومداخلاته لفيف كبير من المفكرين والادباء من بينهم الناقد الادبي د. صلاح فضل، والأستاذ الدكتور كمال بشر والكاتب الصحفي عبدالعال الحمامصي، ود. محمد جبر.
كما شارك في أعمال الحلقة الثالثة العالم الجليل الأستاذ الدكتور محمود علي مكي أستاذ اللغة والأدب بكلية الآداب جامعة القاهرة والأستاذ الدكتور أحمد درويش عميد كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس، والدكتور صلاح فضل الناقد الادبي المعروف.
موقع قضايا حلقاته من فكرة إحياء المواريث الثقافة العربية:
لقد ساد أعمال الحلقات الثلاث الماضية لصالون الفراهيدي اتجاه فكري أكد في القضايا التي تناولها بمناقشاته ومداخلاته المختلفة على أهمية إحياء المواريث الثقافية العربية وضرورة إحياء نظمها ومعطياتها الحضارية والفكرية والتراثية ومدى الأهمية التي تشكلها هذه العملية الثقافية في ظل عصر العولمة ومحاولات الغزو الفكري العديدة والمختلفة والهادفة الى طمس معالم الثقافة العربية وهويتها المستقلة وتراثها الضخم الذي شكل في فترة من الفترات أساسا بنيويا لثقافات وحضارات أخرى.
من هنا كان الاختيار لموضوعات الحلقات السابقة دقيقا وهادفا في نفس الوقت، ولا شك أن موضوع الحلقة الأولى الذي دار حول الخليل بن أحمد الفراهيدي وجهوده في الدراسات اللغوية العربية قد جاء مناسبا الى حد كبير لأسباب عديدة ترجمتها أعمال هذه الحلقة ومناقشات المشاركين والحضور فيها على النحو التالي:
1- الدلالات المختلفة التي يحملها في طياته اسم الخليل بن أحمد الفراهيدي كواحد من أبرز العلماء العرب الذين ساهموا بجهود فريدة وغير مسبوقة في مجال اللغة العربية وما يعنيه ذلك من مضمون ثقافي وفكري عبر عن الرؤية الثقافية التي تحملها فكرة صالون الفراهيدي كمبادرة ثقافية ذات رسالة لدراسة الحضارة والفكر والأدب العربي بهدف الوصول الى فكر ثقافي عربي واحد.
2- أن الفراهيدي ووفقا للدراسات التي شارك بها أساتذة متخصصون والمناقشات التي دارت وأعمال هذه الحلقة يكاد يكون ظاهرة في اللغة العربية خاصة في المجال اللغوي فهو من ناحية أولى واضع علم النحو في شكله البنائي ومنظومته النحوية هي أول منظومة كتبت في تاريخ النحو العربي، ونستطيع من خلالها التأريخ لكثير من المصطلحات النحوية التي حملها تاريخ النحو العربي، وكذلك معرفة كنه وطبيعة التأليف النحوي في تلك الفترة المتقدمة نسبيا في تاريخ هذا العلم، كما أنها تحمل لنا ريادة مدرسة المبصرة وسبقها للمدرسة الكوفية المتأخرة عنها وتوضيح كيف أن المبصرة لها اليد الطول والنصيب الأوفر في تأصيل هذا العلم وبناء منهج متكامل له.
من ناحية ثانية فالخليل بن أحمد الفراهيدي هو مخترع علم العروض الذي يمكن أن يكون معجزة في علم اللغة العربية، كما أنه هو أول من وضع معجما في اللغة العربية وهو معجم العين.
فهو باختصار واحد من اعلام الفكر العربي بشكل عام والعماني بشكل خاص فهو عماني المولد بصري النشأة عربي الثقافة والتعليم.
وجاء موضوع الحلقة الثانية حول واحدة من أهم الأعمال العلمية الرائدة بدلالاتها الحضارية وهي موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب والتي تعتبر سجلا لأسماء العرب والأسماء الأكثر شيوعا وتداولا في المحيط العربي المعاصر التي تم تجميعها من خلال دراسات ميدانية في أكثر من 13 دولة عربية تشمل المناطق اللغوية الرئيسية في الأمة العربية، ثم معجم أسماء العرب ثم دراسة عن منهج البحث وأساليب الاستقصاء والجمع الميداني، ثم معجم لمشاهير اعلام عمان.
وقد أكدت هذه الحلقة ما لهذا العمل من قيمة ثقافية تخدم مستقبل الأمة العربية وماضيها وتاريخها وحضارتها في الأتي:
1- فهو مشروع عربي الفكرة، والمبادرة والتنفيذ. حرص فيه فريق البحث من الأكاديميين والمتخصصين على اخراجه بشكل علمي فريد في فكرته، فريد في اسهاماته في المجال التراثي، فريد في منهاجيته، متكامل في إطاره يضع أساسا علميا قويا لمشاريع أخرى تحتاجها ثقافتنا العربية صاحبة الدلالات الحضارية العميقة والفريدة في معانيها وخصوصيتها.
2- كذلك فهو يضع نواة لمشاريع حضارية أخرى، ثقافتنا العربية في حاجة لها، كونه جاء مشروعا عربيا من جميع جوانبه وبالأخص في مبادرته المحمودة من جانب حاكم عربي يحمد له أنه اهتم بأمور الثقافة والعلم والتراث العربي عموما لا لكي يجني هو ودولته من ورائه أمرا خاصا وانما لكي يخدم المكتبة العربية بانجاز حضاري هي في أمس الحاجة اليه، ولذلك فله فضل الفكرة وفضل المبادرة.
3- أيضا فهو بحث لغوي تاريخي حضاري معاصر حصر الاسماء العربية ورصدها ووضعها على الحاسب الآلي بهدف تحديد الأسماء الأكثر شيوعا وتداولا، ثم تحقق من أصول هذه الأسماء من واقع جوانبها التاريخية اللغوية الحضارية والثقافية، انطلاقا من حقيقة أن الأسماء هي جمع بين الأصالة والمعاصرة، فاسم الأب والجد والأسرة يرمز كل منها الى الاصالة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ وجذور الأمة وثقافتها، والمعاصرة تعني الاستجابة لاحتياجات التطور التي تعكس التفاعل الثقافي والحضاري بين الثقافة العربية واللغات والثقافات الأخرى التي احتكت بها في القرن العشرين.
يضاف الى ذلك منهاجية البحث في الموسوعة ككل وانطلاقها من أن الاسم الذي نسمي به ليس مجرد تعبير لا معنى له، بل أن كل اسم هو في واقع الأمر ملخص للتاريخ الثقافي والاجتماعي لاسم من الأسماء أو لشعب من الشعوب أو لمجتمع من المجتمعات لأن الاسم في النهاية هو تلخيص لخبرة اجتماعية وانعكاس لتطور سياسي واجتماعي وثقافي، وبالتالي يصبح ووفقا لهذه المنهاجية نسق الأسماء ومجموعة الأسماء الأكثر شيوعا في مجتمع ما ملخصا مكثفا للخبرة المجتمعية لهذا المجتمع وترجمة صادقة لرموزه التاريخية والثقافية.
4- ان هذا المشروع ذو أبعاد ثقافية جعلته يتجاوز الاسهامات السابقة بملامح ثقافية وحضارية جديدة وعديدة. وذلك تم توفيره لهذا العمل في هذا المشروع بالتعرف على جهود السابقين العرب والأوروبيين في هذا المجال وفق بعض النقاط الأساسية التي عاونت فريق العمل الذي ساهم في هذا المشروع، إذ تمت ملاحظة أن البحث في أسماء العرب له جذور ضاربة في التراث العربي وخاصة في المعاجم العربية العامة مثل «تاج العروس» كما تمت ملاحظة أن جهودا متميزة ارتبطت بعمان "الاشتقاق لابن دريد"، ثم تمت ملاحظة معاجم مكتملة وكلها اسهامات أدت بفريق البحث الى تأصيل هذا اللون من ألوان التأليف من التراث العربي هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية تم الوقوف على دراسات أوروبية في علم اتضحت ملامحه وهو علم أسماء الاعلام الذي بدأ يتكون في دول أوروبية كثيرة بملامح معينة في القرن 19 والاهتمام بأسماء الاعلام في تلك الدول أدى الى بحوث لغوية وصناعة معلومات تطورت شيئا فشيئا لتؤدي في النهاية الى قوانين تنظم الاسماء في الدول الأوروبية وتشريعات ذات أبعاد مختلفة جدا. وبهذا التصور الذي اختاره فريق البحث أصبح واضحا لديه من هذا العمل الحضاري أنه يمكن أن يتم تجاوز هذا كله الى ملامح جديدة هي:
– اضافة الأبعاد الثقافية والاجتماعية، فقد تم خلال هذا العمل اضافة عدة معايير ثقافية جاء في مقدمتها التوازن الثقافي بين القديم والحديث.
– كذلك حرص المشروع على تحقيق التوازن بين المشرق والمغرب حتى يتم توضيح أن ذلك الاسم تم استحداثه هنا وهناك، وكذلك حرص المشروع على تحقيق التوازن التخصص.
من هنا جاء مشروع السلطان قابوس لأسماء العرب متميزا عن أي مشاريع أخرى أو تخصصات ذات تمثيل محدود، الأمر الذي جعله عملا عربيا شاملا فيه توازن شديد ويتضمن افادة لأول مرة في عمل ثقافي لغوي موسوعي من الحاسب الآلي في بعض الجوانب الاحصائية في أنه خضع لتجربة شديدة في التحرير المعجمي.. باختصار هو بداية لأعمال عربية يمكن أن تؤصل الضجة الثقافية للانتماء العربي.
5- هو فرصة لا تتكرر كثيرا لعمل لا يتاح إلا في ظل مؤسسات قومية ودولة ترعاها كالجامعة العربية أو الأمم المتحدة، وأكد أن الثقافة العربية متداخلة ومتراكمة ولا يمكن الولوج الى أحد أبوابها دون أن نجد أمامنا أبوابا أخرى، أي أن الثقافة العربية من ميزاتها الكبرى أننا عندما نلج من أحد ابوابها أو أحدى نوافذها فإننا لا يمكن الطرق على بنيتها دون أن نتحرك في كل الدوائر، وقد جاءت موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب تحاكي هذا النهج المعرفي الشمولي.
وهي بذلك جاءت لكي تبنى عليها رسائل أكاديمية متخصصة تتناول موضوعات عديدة جديدة وجديرة بفتح مجالات البحث والدراسة، كبنية الأسماء في التكوين الثقافي العربي، البنية الصرفية للاسماء ومنطقها ودلالاتها الاجتماعية. باختصار، فالدائرة الموسوعية في هذا العمل تفتح الطريق أمام أبحاث أكاديمية متخصصة عديدة تستطيع الاجابة على سؤال ماذا بعد موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب بعد أن وفرت هذه الموسوعة المثال والمنهج المتكامل لعمل معرفي، بل انها تجعلنا ننفذ الى المستقبل مسلحين بخبرة ضخمة وعمل حضاري فريد.
6- انفراد هذا المشروع في رؤيته لتسجيل الظاهرة اللغوية العربية. إذ أنه لا يوجد معجم عربي يضم الكلمات العربية الحديثة وخاصة تلك التي نشأت في الثلاثين عاما الأخيرة. فجميع المعاجم التي تدعي أنها تسجل الظاهرة اللغوية العربية والحديثة غير دقيقة ولا يوجد في أي منها وسيلة يمكن أن نعرف من خلالها المعنى المحدد الدقيق للكلمة العربية او المعربة حديثا، هذا في الوقت الذي تضع فيه موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب خطة واضحة لعملية جمع الجهد المباشر من الميدان، ويبقى أن نستفيد منها ونطورها في جمع مفردات اللغة العربية.
عادل أبو طالب (كاتب من مصر)