كان قد صدر عام 1987 عن دار غاليمار Gallimard كتاب للناقدة الكبيرة جوليا كريستفا Julia Kristeva تحت عنوان «شمس سوداء، اكتئاب وكآبة ٍSoleil noir ,dépression et mélancolie ويبدو الكتاب كأنه قد كُتب حديثاً.ذلك أن الناقدة كريستفا تقدم من خلال الأدب والجمالية والتحليل النفسي دراسة غنية لحالات الإنسان المعذب. إننا نقدم حواراً أجراه دومينيك آ.غريزوني مع كريستفا.
بدأت جوليا كريستفا كتابها «شمس سوداء، اكتئاب وكآبة «بالأسطر التالية:
«إن الكتابة عن الاكتئاب لن يكون لها معنى، لمن تجتاحهم الكآبة، اللَّهم إلاَّ إذا كان ما كُتب قد أملته الكآبة نفسها.أحاول أن أحدثكم عن هوة من الحزن، عن ألم لا يوصف يبتلعنا أحياناً، وغالباً ما يستمر مدة طويلة إلى أن يفقدنا الرغبة في الكلام، وفي العمل، وفي طعم الحياة ذاته».
في الحقيقة إنه نص غريب، فهو يتحدث عن الآلام والموت، عن البؤس والحزن، وعن الضمائر المنهارة، والمشتتة، والمسحوقة، وعن عالم داخلي جمَّدته البلادة، فكاد أن ينعدم.إنه نص تكمن غرابته في سمات أبحاثه. فهي تارة تاريخية، تقدم عرضاً محدداً وسريعاً لمفاهيم الكآبة عبر العصور، وطوراً نظرية، وهنا يتدخل التحليل النفسي فنجد فرويد Freud وتلامذته كما نجد الصور والنظريات التي يقدمونها لنا. وقد تتسم بعض تلك الأبحاث بواقع ثقيل وخانق، مع سرد لبعض حالات نموذجية لمن أصابتهم الكآبة : ثلاث نساء أتين ليفرغن جعب بؤسهن على أريكة التحليل النفسي في عيادة جوليا كريستفا. أخيراً تستعرض الناقدة أعمالاً أدبية وجمالية. فنقرأ في مجال الرسم دراسة تأملية رائعة عن تمثيل الموت في لوحة هولبين التي بعنوان : موت المسيح كما نجد في المجال الأدبي تعليقات مبهرة عن الشاعر نرفال وعن دستويفسكي ومرغريت دوراس حيث تحلل كريستفا الكاتب والشاعر وظلمات النفس.
إن كريستفا التي كانت قد أصدرت كتاباً بعنوان : «قصص حب» عن دار دونويل Denoël، وجدت من «المنطقي» على ما يبدو، أن تطرق موضوع الكآبة، أي أن تعبر من النور إلى الظلمة، ومن البحث في دوافع الكائن إلى تحليل حالاته المؤلمة. إن الناقدة كريستفا تملك، بلا شك، طرق بحث فريدة تأخذها من السيميائية Sémiotique ومن التحليل النفسي في آنٍ واحدٍ. وهذا ما يخولها أن تدرس الظاهرة دراسة مبتكرة وجادة تنقلها إلينا بشكل مباشر.
v هل تسمحين أن تفسري لنا بإيجاز ما يُقصَد اليوم بالكآبة.
إن تلك الكلمة تغطي فعلاً حقائق مختلفة اختلافاً كبيراً. وأرجو المعذرة إن كنت أسرع قليلاً. فلنقل إنه يمكن أن نميّز ثلث دلالات ترتبط بكلمة «الكآبة». إنها تعني بالنسبة إلى الطب النفسي مرضاً خطيراً يظهر على شكل تباطؤ الفعاليات النفسية وصعوبة التركيز الفكري، كما يظهر على شكل انعدام الرغبة في الكلام وتوقف كل فعالية وأخيراً بانجذاب نحو الانتحار لا يُقاوم. إلاَّ أن هناك شكلاً أخف من هذا الانهيار (شانه شأن الكآبة) يتناوب مع حالات إثارة تنتج عن حالات عُصابية يُطلق عليها اسم الاكتئاب.وغالباً ما يهتم المحللون النفسيون بهذا النوع من الاكتئاب. وأخيراً فإن الكآبة تعني، في المعنى العام، والرأي السائد، «حزناً عذباً» «وسأماً» إنها حنين، نلتقط أصداءه في الفن والأدب، وغالباً ما يتسم بمظهرٍ سامٍ للجمال وإن بقي ضيقاً وعسراً.وأذكر في كتابي هذا أن الجمال وليد بلد الكآبة، وأنه تناغم في ما وراء اليأس.
v في أي من تلك المجالات الثلاثة درستِ الكآبة؟
إن نقطة انطلاقي سريرية. إنني إذ أقيم وزناً لملاحظات الطب النفسي، أهتم كثيراً بدراسات فرويد وابراهام Abraham، وميلاني كلاين Melanie Klein. كلنا نعرف أن فرويد في كتابه الذي تحت عنوان Métapsychologie والذي فيه مقاله الشهير: «حداد وكآبة «الذي نشره عام 1917 قد ساوى بين الكآبة وتجربة الحداد : هناك في الحالتين فقدان الغرض المحبوب الذي لا يُعَوض الذي هو مكروه سراً كما أن السيطرة على ذاك الفقدان مستحيلة.
يبدأ فرويد دراسته عن الاكتئاب والموت في الجزء الثاني من أعماله حيث يشرح آراءه بوضوح تام في كتابه الذي نشره في عام 1920 تحت عنوان «ما وراء مبدأ اللذة Au-delà du principe de plaisir. إن فرويد وإن ظل يؤمن أن مبدأ اللذة يسيطر على الحياة النفسية، إلاَّ أن ما تجلى له بوضوح كبير هو أن الدافع المحرض هو دافع الموت. إنها قدرة حقيقية يرفضها كثير من المحللين النفسيين. لكن يبدو لي أنه من الضروري جداً أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الاكتشاف بشكل خاص في معالجة حالات الكآبة وبعض الحالات الأخرى كالذهان. فحين يعني Eros أو دافع الحياة خلق صلات، يعني Thanatos أو دافع الموت تفكيك الصلات وقطع الاتصالات والعلاقات مع الآخر…..
v تفكيك الصلات؟ أليست هذه هي الفكرة التي تستعملينها لتعرّفي التعبير الذي تسمينه «الكآبة الاكتئابية»؟
ـ بالضبط، فبعد أن ميزت الفرق بين الكآبة والاكتئاب، أعتقد أنه من الممكن أن نتحدث عن «الكآبة الاكتئابية». لماذا ؟ لأننا إذا نظرنا إلى ما وراء التباين الذي لا نريد أن نزيله لوجدنا على الأقل خاصتين مشتركتين: فعدم استثمار الصلات، وقطع الروابط من جهة كأن المصابين بالكآبة والمكتئبين يقولون لنا: «إن مجتمعكم، ونشاطاتكم، وأقوالكم: كل ذلك لا يهمنا. نحن في مكان آخر، نحن غير موجودين، نحن موتى» وتدني معنى الكلام من جهة أخرى. إن كلام المكتئب قد يكون رتيباً أو مضطرباً، لكن المتحدث يوحي إلينا دائماً أنه لا يصدق ما يقول وأنه لا يعيش ذاك القول، وأنه صامت، خارج اللغة، في مقبرة ألمه الخفية. يبدو لي هذا الاهتمام من بوادري الشخصية في الإصغاء وفي معالجة الاكتئاب النفسية. وبالفعل فإن المشكلة تكمن هنا: إذا كان المريض يهرب من اللغة، أو يعتبر اللغة مبتذَلة أو مزيفة، فكيف يمكننا أن نتصل بألمه عن طريق الكلام ( لأن المحلل النفسي يعمل بالكلام ) ؟ إنني ألح في تلك الحالة على أهمية الصوت، أو على سمات أخرى تختلف عن اللغة وإن كانت تصل عن طريق اللغة، ويمكن أن تصبح تلك السمات وسيلة اتصالنا بالمريض. أخيراً، يبدو لي من الأهمية أن أظهر كيف أن ذاك المتألم وأقصد المصاب بالاكتئاب، الصامت غالباً، هو عاطفي متكتم، وانفعالي يُخفي مشاعره أو قد أسيء فهمه. وبمجمل القول تكون الكآبة حينئذٍ انحرافاً بريئاً تتعذر تسميته. ومهمتنا أن نوصل تلك الكآبة إلى الكلمات…. وإلى الحياة.
تقتضي تلك الملاحظات السريرية، كما ترى، افتراضات كثيرة. ولنقل، على سبيل المثال، إنه : إذا كانت الكآبة قد عادت ثانية لتصبح «مرض العصر»، وإذا كانت حالات الكآبة تزداد، ألا يحدث كل ذلك في ظروف تقطعت فيها الصلات الرمزية؟ إننا نعيش تقطع النسيج الاجتماعي الذي لا يستطيع أن يقدِّم أية مساعدة، بل على العكس يزيد من تجزئ الهوية النفسية التي يعيشها المكتئب. ومن جهة أخرى، فإن تشديد فرويد على دافع الموت، وهو ما سُمي «بالتشاؤم الفرويدي»، ذاك الدافع الذي لا يمكن أن نعتبره مجرد ظاهرة مرضية ألمت بفرويد، الطبيب النمساوي، بسبب اقتراب الحرب العالمية الثانية، يسمح لنا ذاك الإلحاح أن نغير مفهومنا عن الهوية النفسية كما يقدمها لنا كل يوم العالم الحديث المضطرب، والمهتز، والمشبع بالعنف وبالإجرام. وإذا ما اقتصرت الرغبة على فلم مبدع ومسلٍ لكنه مهتز إلى أبعد الحدود وتُعرَض صوره على شاشة محيط دافع الموت؟ تبدو الثقافة إذن كثروة ثمينة لكنها سريعة الزوال. إن المصاب بالكآبة والذي رفض الحياة لأنه فقد معنى الحياة، يرغمنا حينئذ على أن نبحث عن الوسائل لنجد ثانية معنى للحياة: ليس له وحده لكن لحضارة بأكملها. هذا يعني أن اهتماماً علاجياً لربط المعنى بالحياة، والذي يضعنا المريض فيه على مستوى عميق، لهو اهتمام يمس جذور الحضارة التي كانت دينية في الماضي. إنني أشير من هذا المنظور إلى مشكلة : أليست الحضارة التي تخلت عن المدلول المطلق للمعنى هي حتماً حضارة عليها أن تجابه الاكتئاب؟ وبمعنى آخر أليس الإلحاد هو ضمنياً بمكتئبٍ ؟ وأين يكمن حضور الإلحاد المتفائل والقاتم ضمنياً أفي الشكل ؟ أفي الفن ؟
v تقولين في كتابك إنك مهتمة بالطب النفسي ؟
لقد خصصت جزءاً هاماً من كتابي للاكتئاب النسائي. إنه أكثر حدوثاً ويصعب إلى حد ما السيطرة عليه بسبب التصاق المرأة بأمها وهو التحام غالباً ما يصعب فصله. كما ألاحظ الدور الرئيسي الذي يلعبه الارتباط بالأم والذي يظهر في أشكال الكآبة. إن هلع المهووس بأمه المكتئبة، وتوغل الكآبة إلى أعماقه يجعله يجابه فكرة اعتباره امرأة مكتئبة وهذا ما لا تقوى على تحمله…. ونتساءل ما علاقة الطب النفسي الذي يعالج الاكتئاب بالأدوية المهدئة ؟ لقد صِيغت مؤخراً الفرضية التي تقول إن «مورِّثة الاكتئاب تنتقل بواسطة الصبغية الأنثوية. إنها فرضية مبسطة، يجب التحقق منها… إلا أنها تتفق وآراء التحليل النفسي. ألا يحاول التفسير التحليلي خاصة. أن يفصل المكتئب عن التصاقه بأمه المحبوبة – المكروهة، وأن يعطيه كلمات أخرى ورغبات أخرى ؟
يجب أن نحترس من عقائدية الطب النفسي شأن احتراسنا من عقائدية التحليل النفسي. وإن التقدم الذي أحرزته الأدوية المهدئة قد أعطى وسائل فعالة للسيطرة على المرض وغالباً ما تكون هذه الطريقة هي الوحيدة لمعالجة كآبة خطيرة. بقي أن نقول إن المهدئات أو أملاح الليتيوم تعيد للمريض دفقه الكلامي إلا أن أقواله تبدو ضعيفة و «آلية «. هنا يمكن للمعالجة النفسية أو التحليل النفسي أن يتدخلا ساعيين أن يحدثا تغيرات عميقة في الشخصية وذلك بربط التأثر الشعوري باللغة وببقية المشاعر…
v إن الصورة الحديثة للكآبة، كما تصورينها تقر أن كل شيء يدور حول موضوع علاقات الفرد مع الآخرين وكذلك بكل ما هو اجتماعي ومع ذاته. ولكن ماذا كانت هذه الصورة في الماضي على وجه الدقة؟
إن أول كئيب يوناني ويدعى بيلّيروفون (Bellérophon) قد ظهر في الإلياذة: لقد أضناه الحزن وخزلته الآلهة فراح يهيم أبداً يائساً يتحاشى الناس كافة. أما هيبوكرات (Hippocrate) في نظريته عن الطباع فينسب الكآبة إلى المرة السوداء. ويبدو لي أن أهم نص من العصور القديمة اليونانية عن هذا الموضوع هو (Problemata 30 :I ) الفصل الأول لكتاب نسب خطأً إلى أرسطو. إنه يستقصي الكآبة من المرض ويرى فيها حالة قصوى للطبيعة البشرية، كأزمة «طبيعية» إن صح التعبير، وهي تكشف بالتالي حقيقة الكائن: فالكئيب إذن هو العبقري. ولقد أغوى هذا المفهوم بالطبع الفلاسفة المحدثين. لأنه إذا لخصنا ذلك بصيغة موجزة، لاستطعنا أن نقول : إن حالة الاكتئاب هي الشرط الأساسي للفكر، وللفلسفة، وللنبوغ. وبالفعل لماذا يغير المرء الفكر والأشكال الفنية، إذا لم يجابه قبل كل شيء ابتذالها وعدم جدواها. وبمجمل القول، إن الاكتئاب هو على حافة الإبداع. إنه اكتئاب مسمى وبالتالي مسيطر عليه.
v وهل تغير بالتالي كل شيء ؟
وبشكل تدريجي، وخفي من خلال الأفلاطونية الجديدة ومن العلاقة التي أقاموها بين الكآبة والكون : زحل، كوكب الاكتئاب. وإن لوحة دورير La Mélancolie «الكآبة» (1514) هي النتيجة الشهيرة لهذا التيار. تلا ذلك المسيحية التي رأت الكآبة من المنظور الديني فاعتبرتها خطيئة إلا أنها أوحت بها، في التجارب الصوفية، كطريق للوصول إلى الله. وهذا ما يسمى بالتواصل الإلهي لرهبان العصر الوسيط.
v هل يمكن القول إن التأثير المسيحي هو وحده القائم في العصر الوسيط ؟
كلا طبعاً. فهناك أيضاً الفلاسفة الباطنيين وهو موضوع أعالجه بشكل غير مباشر من خلال تفسيري لقصيدة نرفال EL Desdichado وأوراق التارو، وأمير الكآبة الأسود، وفكرة السواد في قعر الإناء السيميائي : وهذه كلها صور مجازية ترجعنا لحالات تكوين المادة وانحلالها والتي يمكن قراءتها أيضاً كاستعارات ترمي إلى تقديم صورة عن بنية الهوية النفسية وانحلالها، كما تقدم صورة عن تكوين العلاقة الاجتماعية وتفككها.
v أود أن أطرح سؤالاً تاريخياً: ما هي التغيرات الأخرى والتبدلات التي تحدد مفهومنا للكآبة، بعد العصر الوسيط؟
ـ هناك نقاط كثيرة يجدر أن نشرحها مطولاً. ولكنني، أختصر، فأقول : لقد ظهر مثلاً في أوروبا، في القرن الخامس عشر والسادس عشر، لدى الشعراء «السيدة كآبة» ونجد لدى البروتستانتيين عودة لموضوع الكآبة. وهذا ما يناقض الصور التي خصصت لرسم الإنسان المولود من جديد كبطل مفرط الحيوية والمرح، مندفع نحو المستقبل وزجاجة الخمر في يده.
أود أن ألفت الانتباه إلى أن هذه الصورة ليست كاذبة. ولكنها ليست وحيدة فلقد صحبها شعور بالقلق عُرف كطابع أساسي للإنسانية وهذا القلق يبدو جليا لدى الرسام الشاب هانز هولبين. حدث ذلك في عصر النهضة الفرنسية بالرغم من «السيدة كآبة «، وبشكل أوضح في القرنين السابع عشر والثامن عشر اللذين لم يتصفا بالكآبة. ويبدو أن فرنسا قد نجت من ذاك المرض الذي أصاب أوروبا. وبالفعل فإنني أعتبر بشكل عام أن الثقافة الفرنسية، خلال تطورها التاريخي قد تجاوزت، أو ربما اقتصرت على أخفاء الاتجاه الكئيب عن طريق الإباحية أو البلاغة. ويرجع الفضل في ذلك إلى ساد Le Marquis de Sade وإلى بوسيوه Bossuet.
مع ذلك، يوجد اليوم في فرنسا كتاب اتسمت مؤلفاتهم بالكآبة، كمرغريت دوراس Marguerite Duras مثلا التي تتحدثين عنها مطولا في كتابك.
ليس الفرد هو الثقافة. إلا أن من الدقة أن نلاحظ لدى مرغريت دوراس وجوها كثيرة للكآبة. نساء منطويات، لهن وجه الأمهات، ينبوع الحقد الداخلي والدمار العميق، أو نجد عرضاً لنساء سحاقيات، ويكون هذا الشذوذ ضمنياً أو صارخاً أو مدمراً.
ويمتاز بوضوح كبير لدى مرغريت دوراس تصوير العلاقة بالمرأة الأخرى، ومن خلالها صورة الأم،. وإننا نميز عندها نوعاً من العبقرية التي تمت إلى الطب وإلى السحر معا.
وبالمقابل نجد في كل مؤلفاتها دعوة إلى الانصهار في حالة القلق والكآبة النسائية كما نجد انجذابا قوياً نحو الانحلال والأغوار. ويمكن أن نقول بهذا الصدد، إن هذا الأدب ليس مطهراً للنفس كما يبدو لي، فهو يحقق ما يسميه نيتشه بعدمية الفكر المعاصر. ليس ثمة ما ورائية ولا حتى جمالية للنص. لنر كيف تكتب دوراس : كتابة تعمدتها مهملة، شأنها شأن زينة أو تبرج قد تشوه لتوحي بمرض لا شفاء منه وإنما المحافظة عليه. إنها نصوص تشدنا وتؤلمنا. وغالباً ما تحدثت مع طالباتي عن كتابة دوراس وهل تعلم ماذا كان رد فعلهن ؟ الأمانة والخوف. فلقد قلن لي : إنهن يخشين قراءة كتبها، خاصة حين يكن في حالة ضعف…. لأنهن يخفن من أن يمكثن في تلك الحالة. فحقيقة دوراس تحتبسهن. إننا نخاف، اليوم، الألم الذي قد يصيبنا والذي يستمر، والجثة المفترضة التي سنصيرها، أكثر من الخوف من الجنس أو الانزعاج منه. من يريد أن يرى كل ذلك مواجهة ؟ إن الاكتئاب هو السر، وربما ما هو قدسي في العصر الحديث.
ترجمة: كــيتـي ســالم مترجمة من سوريا