(مؤخرا وبمتحف الشارقة للفنون – بيت السركال سابقا كان معرض الفنانات العربيات الأول "عيون عربية » وهذا المعرض "تأسيس وتحريض, بل خطوة الى الجمال والفكر، إنه تشوف الأنثى واختراق الحاضر، إنه الذات يعاد اكتشاف وظيفتها عبر فعلها الفاعل وانسانيتها". و" قيمة المعرض ليست في كونه يلفت النظر الى أهمية المرأة الفنانة, بل في كونه يؤشر الى قضايا إبداع, وقضايا اجتماع – قضايا حياة عربية, المرأة فيها شريك وفاعل ومبدع ". كما جاء في كلمة دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عن المعرض.)
حوى المعرض حوالي 80 لوحة وقطعة خزفية وشاركت فيه الفنانات والناقدات العربيات: حصة المكتوم, بدور القاسمي، حور القاسمي، فاطمة لوتاه, نجاة حسن مكي من الامارات, جاذبية سري وفاطمة اسماعيل من مصر، د.زينات البيطار من لبنان, وفاء الحمد من قطر، وجدان علي – الأردن, ميسلون فرج – العراق, ليلى نصر وسامية ابراهيم – سوريا، كمالا ابراهيم من السودان, فدوى بزاري من فلسطين, شعيبية طلال من المغرب, سامية السيد عمر من الكويت, رابحة محمود من سلطنة عمان, بلقيس فخرو من البحرين. اختلفت التقنيات المستخدمة في لوحات وأعمال هذا المعرض, فاستخدمت تقنيات جداريات الخزف, في بعضها، حضر الخزف واضحا منفصلا أيضا في قطعه المستقلة, استخدمت تقنية القص واللصق بالقماش النايلون والقماش العادي، استخدمت الألوان الزيتية والباستيل والمائيات والاسبراي والرمل, كانت البطولة الكبرى في معظم اللوحات للتعبيرية بحكم أن المرأة تحب دائما أن تطر ح قضاياها من خلال إبداعاتها الفنية.
قرأءة فى العيون العربية هنا أتعرض لإبداعات العيون العربية بشكل سريع في هذه القراءة الموجزة فأبدأ بفنانات الإمارات, الفنانة "حصة المكتوم " قدمت جماليات ابداعها من خلال طفلة صغيرة في لحظة تعبيرية معينة, في اللوحات براءة وشفافية في التعبير أضفت عليها المائيات المزيد من الصفاء والنقاء الطفولي, في بعض اللوحات تستفيد الفنانة من الزخارف الموجودة سواء زخارف ثياب الطفلة أو زخارف المكان فتنمنم بها عالم لوحاتها الطفولي بمحبة وتصنع في كل لوحة لطفلتها تاجا في استعارة شاعرية تعكس انحيازا واضحا للبراءة والطهر والنقاء، وبينما يتأمل المتلقي اللوحات هنا يتساءل من منا يتأمل من ؟ الطفلة الجميلة تتأمل المتلقي، أم المتلقي هو الذي يتأملها ويتأمل وجهها الجميل المشع وابتسامتها الطاغية ؟
" نجاة حسن مكي": تقدم هنا أربع لوحات ضمن مرحلتها الفنية الأخيرة التي تراوح فيها منذ زمن مرحلة العزف الفني الموسيقي بالفراشات وريش الطواويس وصفار أوراق الشجر، مساحات لونية واسعة تلعب فيها نجاة هنا بموسيقاها التي تأخذ ابعادا دراسية احيانا يطو فيها الحوار أو الصراع ما بين الأحمر والأسود والكحلي في ظلال التجريد الذي يستوحي ويستلهم ما تفعله الألعاب النارية في أفق داكن, انفجارات ضوء ومستويات لونية تنبثق فجأة بشكل برقي، ولكنه هنا برق ملون, وتمنحنا نجاة جمالية عالية بعزفها الجميل تشكيليا بريش الطواويس, هذا الريش الذي له عيون "تبص وتشرف " وفي خضم الأزرق والأخضر والأصفر تتخذ عيون ريشات الطواويس شكل السمك الملون فتستحيل لوحة ريش الطواويس بحرا ايضا، وتتعدد بالتالي مستويات قراءة اللوحة ومن هنا سحرها وجمالها. وفي لوحة أخرى تستفيد نجاة من زخرفة أوراق الشجر الإبرية فتصنع عالما تتحاور فيه المساحات اللونية المستطيلة المختلفة مه مستوى لوني دائري مختلف فيما يوصل نجاة للوقوف على ضفاف الحروفية فيما لا حروفية لديها، إنها تخلق عالمها الجمالي الخاص.
"فاطمة لوتاه ": تقدم أعمالا متميزة في لوحات كبيرة الحجم يغلب عليها السواد، وهذا السواد يعكس موقفا احتجاجيا على وضعيات معينة, وهو مستمد من كثرة السواد الذي يغطي المرأة بطبقاته الكثيفة من الأقمشة, ولذا فهي تستخدم القص واللصق في لوحاتها بالقماش ذاته مطويا أو مسطحا، لامعا أو داكنا، وتأخذ تكويناتها المجردة في أعمالها أحيانا ملامح الطائر المحلق في حلم له مغزاه, أحيانا تستفيد من هذا القماش اللامع الذي تصنع منه غالبا بدلات الراقصات في جعل كائناتها في طقس أشبه ما يكون بالرقصة الغامضة خاصة عندما تستخدم الاسبراي الذهبي، فاطمة لوتاه تستفيد من رسومات الأطفال الذين إذا عجزوا عن رسم النجوم يكتبون في موضعها "نجوم ". هي هنا تفعل الأمر ذاته وربما كان هذا هو اسم اللوحة, ففي لوحة أخرى تفعل الامر ذاته ولكنها تكتب في أقصى يسار اللوحة من أعلى "نغمات شرقية " وفي اللوحة التي تكتب فيها كلمة نجوم فعلا تحس أن المشهد مشهد نيازك منبثقة وشهب ساقطة في قتام اللوحة, تستخدم فاطمة لوتاه في لوحاتها كل ما يخدم عملها الفني وقضيتها التعبيرية.
تقدم "بدور القاسمي " لوحتين لامرأتين في لحظات تعبيرية, ويتجلى تميزها في حوارها الجميل هنا ما بين الظل والضوء مع التركيز على التعبير في الوجهين في كل حالة, لحظات بيتية تؤصل للمكان, فيما تستوحي الفنانة "حور القاسمي" أيضا الطفولة من خلال بورتريه طفلة مع دميتها في لحظة طفولية في ظلال أزرق الحلم.
تقدم "جاذبية سري" هنا أربع لوحات, لوحتان تأتيان في إطار مرحلتها الفنية الأخيرة المستمرة معها منذ سنوات, مرحلة استيحاء الجمهرة البشرية والجموع فيما يمكن أن نسميه فن استلهام الزحام, ولوحتان تطوير لهذه المرحلة, ففي لوحتها "ليلة مقمرة " تصير تجمعاتها زهورا وردية تسبح على سطح الأخضر والأصفر والتركواز في تبسيطات جمالية وجغرافيا وتضاريس لونية أخاذة من خلال البقع اللونية التي تعطي كل منها الأخرى نقاء الليلة المقمرة, اللوحة الأخيرة هنا تنفصل فيها جموع د«جاذبية سري" في جزر بعضها للرجال / بعضها للنساء. يبدو هذا – رغم التجريد – محسوسا الى درجة ما، هنا اتصال وانفصال في نفس الوقت, حوار ما بين الكتلتين البشريتين فيما يشبه الجوقة الاغريقية, هذا مستوى من مستويات الرؤية, مستوى آخر يعكس الانفصال والتجزر والحالة الأرخبيلية التي يعيشها البشر رجالا ونساء أو بشرا وبشرا، رغم هذا الجموع فلا حوار، ورغم عدم حضور زحام المعمار في لوحات "جاذبية سري" هنا الا أن اللوحة الأخيرة هذه تحمل معمارها المبسط الذي يجعل البشر في هذه اللحظة الانفصالية في خضم المعمار.
"رابحة محمود" فنانة عمان الشهيرة في لوحاتها التجريدية المعروضة هنا تفكيكية وجوه وملامح واضحة, فن الأشلاء، اللوحة تبدو أشبه ما تكون بساحة معركة منتهية توا، ملامح ورموز ملقاة في فضاء اللوحة, صراع ينشب ما بين كل شيء وكل شيء، ترقب, توجس, غموض مشع, انتصارات وانكسارات,تحد، إصرار، فيما يشب اللون الأخضر فجأة في لوحة ما، هل نحن في خضم حياة أم في غابة؟ تبسيط تجريدي تعبيري واضح من خلال هذه الملحمية لدى "رابحة ".
تطور الفنانة البحرينية الانطباعية "بلقيس فخرو" مراحلها الفنية كثيرا هنا, فبدلا من كونها كانت تستوحي في السابق "الفريج " البحريني، أو القرية البحرينية, صارت تستوحي واجهات المعمار البحريني فقط – أفنية البيوت القديمة أو مداخلها وواجهاتها – مما يعطيها حرية حركة أكبر على المستوى الفني واستخدام المساحة اللونية واقامة العلاقات ما بين هذ0المساحات بعضها البعض في الإطار الانطباعي، وتبدو لوحات بلقيس هنا بحكم أنها لواجهات ذات بعدين فقط (أي مسطحة ) لكن البعد الثالث ( العمق ) يحضر حينما تعثر بلقيس على درج البيت فتكون فرصة لمنظر بانورامي لمدخل البيت وواجهته بمعمارها الجميل وزخارفها البسيطة.
"وفاء الحمد" فنانة قطرية تستلهم أيضا المعمار القديم والفنون الإسلامية في لوحاتها، وتكون لوحتها أجمل ما تكون حينما تكرر بالتصغير والتكبير تكوينها ذاته داخل اللوحة بالتداخل من جوانب مختلفة, فيما يخلق واجهة صرحية لمعمارها ويعطي لوحتها جدة وتميزا.
الفنانة السورية "ليلى نصير" لها تكنيكها الفني الخاص فهي تقدم اللون في لوحاتها من خلال أشرطة شلالية ينساب فيه اللون كشلال الماء، وفي أربع لوحات هنا، أفادها هذا التكنيك تماما في لعبة التحول من مستوى تعبيري ودلالي وجمال لمستوى آخر، فأحيانا تكون هذه الشلالات اللونية قضبانا تحبس خلفها سجينات أو أسيرات بائسات, تطل الواحدة منهن بانكسارها علينا في مجرد بورتريه بائسن حزين, أحيانا تعطينا فرصة لنرى المرأة التي تنظر الينا من شقوق اللون سواء كان الشق شق باب أو نافذة, أحيانا انسياب اللون بهذا الشكل يعبر عن تجمعات وجمهرة بشرية, الانسان فيها منساب في خضم النمل البشري، وعلى أية حال فإن هذا العالم الذي يبدو براقا وجميلا من الخارج باطنه البؤس والعذاب. هذا ما أوحته لي أعمال "ليلى نصير" المعروضة هنا..
الفنانة العراقية "ميسلون فرج " قدمت لوحتين أقرب الى الجداريات, هي فنانة تستوحي الزخارف الشعبية والفنون الحروفية البسيطة, خزافة من طراز ممتاز، تحيط تكوينها الحروفي غالبا بدوائر لونية مضيئة للتأكيد عليه أو للتأكيد على أنه ما يزال فنا مشعا، التركواز يعطي عالمها الشعبي سحره الخاص خاصة عندما تستوحي السمكة التي لها دلالاتها، في الميثولوجيا الشعبية كرمز للخصب, معمار لوحتها بسيط ومليء بالحركة خاصة وأنها تجعل لتكوينها أكثر من إطار دائري.
الفنانة الفلسطينية "فدوى بزاري" تؤكد من خلال أربع لوحات هنا على هويتها الفلسطينية فتسجل من خلال ألوانها الحارة والساخنة بدفء وحميمية بعض ما تحفظه الذاكرة عن وطنها، فلسطين القرى، وفلسطين البدو، البرتقال والليمون وجامعاته, وحائكة الصوف في أفق من الرمل والنشامى في سباق هجنهم, ينطلقون في يوم صحو. "فدوى" تقدم فن الحنين.
الدكتورة "وجدان علي " قدمت لوحة من تسعة مستويات مستطيلة, تقدم فيها مستوى عاليا من التجريد، اللون أخضر/أصفر/أزرق / برتقالي /أسود. والمساحات اللونية في كل مستوى تخلق جمالية إجمالية, هنا تأويل جديد للطبيعة يخلو من المحاكاة والاغراق في التفاصيل.
"كمالا ابراهيم " فنانة سودانية تقدم لنا المائدة السحرية, وليمة سحرية, وجوه مشوهة فيما يشبه الطقس السحري وجوه نساء، ألوان حارة افريقية, ملامح مبسطة عفوية وفطرية في التعبير، هذا في لوحة, في لوحة أخرى أكبر ذات ثلاثة مستويات مستطيلة تقدم كمالا فنها الزهوري بألوانها الحارة وأخضرها المبهج, هنا فن أقرب الى التأثر بفن السجاد الإسلامي ولكن الزخارف خاصة بكمالا، وفي لوحة ثالثة فيما يشبه غصن الشجرة تتدلى النساء فيما يشبه الثمار/ الأغصان منها في طقس تمرأي – وقوف أو بروز على صفحة المرأة – أحيانا تستحيل المرأة رحما وتصبح النساء أجنة, وتسكن الأجنة رموز ما. هو فن سحري يمكن تفسيره أو تذوقه على أكثر من مستوى. كمالا تنطلق من خصوصيتها ومن هنا تميزها.
نأتي الى "شعيبية طلال " هذه المغربية الفطرية التي تحتفي بها أوروبا والتي لا تعرف القراءة ولا الكتابة والتي بالتالي لم تتعلم الفن من أحد، وهي "محمد شكري" الفن المغربي. فهي مثله لم تبدأ مشروعها الإبداعي الا في سن الخامسة والعشرين, البطولة في لوحات شعيبية لبشر عاديين ولكنها تضع على رؤوسهم هنا تيجانا، إنهم يشبهون ملوك أو شياب "الكوتشينه " في الغالب, ألوانها زاهية, اعتمادها الأكبر على الخط شخوصها دائما في لحظات مشهدية, كأنما هم تحت إمرة شعيبية لتصورهم بفنها الفطري.
الفنانة السورية "سامية ابراهيم " فنها مبهج, وألوانها المستخدمة في هذا المسار المحبب, فهي تنحاز الى التكامل الجمالي في مجمل لوحتها، ليس فقط من خلال التعبير السار على وجه مغنيتها التي تشبه الجواري المغنيات, وانما أيضا من خلال وردية وبنفسجية اللون المبثوث في حنايا ثوب المغنية وبالتالي في مجمل اللوحة.
محمود جمال الدين (كاتب من مصر)