النهر والمنبع
* شيركو بي كه س، أنت غني عن التعريف، دواوينك الكثيرة، دورك الطليعي، نشاطك المتنوع، هذه كلها تجنبنا مسألة التقديم والتعريف. نحن متلهفون لمعرفة ما انجز شيركو وفعل في المنفى.
– شيركوبي كه س: حين ابتعدت عن النبع غدوت نهرا هائما وحافلا بالمخاض (نحو مجرى طويل لم أره من قبل). انفصلت عن ضفافي الجغرافية والنفسية، فارقت المهد، هذا الاختيار لم تفرضه ارادتي، ظروف كردستان المتشابكة انتقت لي مسيرا آخر. لم يدر في خلدي ان اصبح في يوم من الايام شاعرا مشردا في المنفى بعيدا عن المنبت على نحو ما رأيت.. كانت وحشت مدببة تسحقني. لقد كانت هجرتي من كردستان المدثرة بدخان القصف الجوي والانفجارات، نحو اوروبا، مباغتة جدا. لم يكن النهر يدري كيف يطوي الدرب، نحو اي جهة يتجه. كانت الرحلة بلا موعد وعنوان، كان غياب منزل ما يقلقني وكأنني كنت اسير المصادفة التي لها حرية التعرف بي كيفما تشاء.. على اي ارض تسقط هذه الغيمة، عند اي مرفأ من مرافيء الغربة ترسو هذه السفينة ؟ تقلقني ايران وسوريا من هناك توجهت نحو ايطاليا، واستقر بي المطاف في السويد. لم يكن عمر منفاي طويلا اذا قيس بمقياس زمني ولو قيس بمعيار المعاناة لبلغ القرون.
كانت هذه التجربة جديدة من ناحية البيئة والحياة الاجتماعية والعلاقات الانسانية كنت حديث العهد بها. في البدء اصيب شعري بدوار، كنت مثل طائر تركز عليه اضواء التقمير. أجل كنت طائرا تعبا يرغب في ان يجوب الآفاق والسماوات الجديدة كلها في الوهلة الاولى من وصولي دون ان اجد اي جدوى. هناك اصبت بانكسارات نفسية لجهلي احدى اللغات العالمية، كنت شبيها بتمثال.
أشباح المرأة طوقت حياتي. ما كنت أملك مفتاح العلاقات، فارغمت على الانطواء، هناك كنت صدى الجبل والدخان والخندق والشهداء والاصدقاء ايضا، ولهذا كانت معظم القصائد التي انجزتها في الغربة ضربا من الحنين نحو المهد والموطن الاول، ونوعا من امتداد تجاربي الأولى في الوطن مع مزيج من الاشواق وسعير الغربة. الوحشة في اوقات التشرد مصدرا لابداع بالنسبة امثالنا.
* التاريخ يقذفك نحو الخارج، ان تاريخ عمرك تاريخ آخر، زمكان مختلف. لا ينجب التعب سوى التعب، فماذا تفعل في الحالة هذه ؟
– يقفل الشاعر راجعا نحو داخله، للشاعر ملاذ دائم انه اللغة والكتابة. انها سند حياته. كان الشعر صديقي الوفي الوحيد، عن طريقه اخترقت الاعاصير والعواصف. بعد مضي فترة قصيرة احسست بان الشعر جسر كبير بوسعه ان يوصلني الى أقصى الدنيا كن الوحشة الروحية كانت ثقيلة وقاتمة. ترجت اشعاري الى السويدية احسست انهم يحتضنونني ويحتفون بي وبابداعي. قلت ان الابداع واحد ن كل الدنيا. كتبت كثيرا في المنفى بعدئذ، اعادتني اجواء الغربة نحو أدب الشعراء المغتربين الكبار في الشعر الكردي، اعادتني نحو نالي، وحاجي قادر، من هنا ظهرت فكرة قصيدة (مضيق الفراشات) الطويلة. التجربة المتشعبة والمغايرة لتجارب الجيل. لقد كانت افرازات وتأثيرات اخري للغة، اعتقد انني انجزت (مضيق الفراشات) في المنفى.
الشعر أسئلة
* شيركو شاعر له محاولات تجريبية متنوعة، مناضل أمضى سنوات من عمره في الجبل، يعرف أين يبدأ الادب وأين تنتهي حدود السياسة. ان السياسة أغنت أدب شيركو على العكس من أدب بعض الادباء الذي هبط بسبب السياسة، من هنا نسأل كيف ينظر شيركو الى السياسة والادب؟
– شيركو بي كه س: هذا صحيح المسألة هي اللهفة واكتشاف لغة التعبير. من شجرة جرداء تنمو أرق وردة، حين تقتحم السياسة في ثوب الايديولوجيا المنطقية عالم الشعر يتجمد الثاني على الفور ويخسر روحيته الحسية.
الأدب بمعناه العام يبدأ من الوعي والاحساس وينتهي في حدودهما. لا ريب في ان الادب لا يعلن القطيعة مع السياسة لكنهما متغايران. ان نوعية التعبير الادبي، ولغة النفس واختلافها في اللغة العلمية هي التي ترسم تلك الحدود الفاصلة: معلوم ان الرؤية والخيال والصور المجازية التي تنفر من المنطق العلمي تمنح الادب هذه الاستقلالية. (شرفة الفؤاد) ماذا تعني هذه العبارة في لغة المنطق والسياسة ؟! لا شيء. ولكن حسب قول اليوت: هذه معادلة موضوعية أدق للغة الأدب والشعر..
السياسة ذات حدين اذا عجزت عن استغلالها وتوظيفها تفتك بالشعر وتقتله. لا تجد عندي قصائد سياسية هزيلة. انها تجربة صعبة للغاية وقتما تترك ذاتك وتغادر نحو ذات الآخرين تجد الشعر الدرامي اصعب وسائل التعبير. الى هذا تعزى أسباب ندرة الاعمال الشعرية الجيدة. لابد من انزال المطر نحو السهول القاحلة. الموضوع دائما في متناول اليد لكن ما يستعصي هو سبل التعبير. من هنا ينبع الفارق، ينبغي ان تمارس الحب مع السياسة كي تصطادها. انها فرس جامحة تريد فارسها الرشيق. لا يمكن ان يستجدي الشعر اللغة من السياسة واذا فعل ذلك يسقط ويتداعى. يجب ان ينفصل عنها لئلا يسقط في فخها. السياسة سلطة، واجوبة جاهزة لكن الشعر اسئلة متواصلة وغير مكتشفة.
الغـرب والـغربـة
* أي مدى أثرت اجواء الغربة في شعر شيركو. الغربة رهيبة ورتيبة ألم تخلق رتابة الغربة رتابة سلبية في أدباء المنفى؟
– شيركو بي كه س: قلت: كان عمر منفاي قصيرا.. تبعا لهذا لم تسقط التجربة. سرعان ما انفلت من قيده ومع ذلك كنت احس بمخاطره. الغربة اما ان تنتج ادبا خلاقا خالدا. او تخنق صاحبها وتحصده في مكانه. الحدود الوسطى بين هذا وذاك ضئيلة جدا. كثير من نماذج الآداب الخالدة ولد في الغربة، وثمة أدباء كبار تجمدوا وانتهوا في الغربة.
* ألم يدفعك وجودك في الغرب الى تناول حضارة الشرق والغرب أو الجدلية القائمة بينهما مثلما فعل ادونيس والطيب صالح ويوسف ادريس…؟
– شيركو بي كه س: لم اطرحها في شكل تجربة كاملة ومستقلة، ولكن يكنك ان تحس ببعض خطوط هذا الموضوع في مطولتي (مضيق الفراشات) الاغتراب في ذاته جزء من تلك الجدلية. السقوط في تلك الدوامة ينتج اسئلة تلو اسئلة ومنها ينشأ الحوار الحضاري.
* استاذ شيركو نحن نلاحظ ان أدب المهجر الكردي يهبط. ماذا تتول أنت؟
– شيركو بي كه س: ومتى كان صاعدا؟ لا أدري اذا كنتم تقصدون مهجر السنوات الاخيرة، فان الهجرة الكبرى للشعب الكردي والادباء الاكراد بشكل خاص تعود الى سنة 1975 وما بعدها. التعقيد الحاصل في هذا الامر نابع من التعقيدات التي تحيط القضية الكردية نفسها.
مهجرنا لا يشبا مهجر أحد. ربما يلعب شبر اليأس الكبير دورا ملحوظا عند بعض الادباء الذين هاجروا في تلك الظروف الصعبة بعد اشتداد الاحباط السياسي والاجتماعي. هذا اذا صيغ السؤال بهذا الشكل: (ماذا يفعل الشعر؟)! علاوة على ذلك ان الحياة اليومية في المهجر تذبل ورودا كثيرة حتى الدراسة بمعناها الاكاديمي لا تفسر المجال للشعر والادب. على كل حال لم يولد عندنا حتى الوقت الحاضر أدب نطق عليه تسمية (أدب المهجر) بمعناه الشامل.
* جائزة توخولسكي زادته من شهرتك في الخارج. لقد فرحنا بهذا الفوز، انه تكريم الشعر الكردي بشكل عام ماذا اعطتك هذه الجائزة ؟ ومن رشحك لنيلها، وهل نالها اي شاعر عربي او عراقي قبلك ؟
– شيركوبي كه س: نادي القلم السويدي الذي يعد اكبر اتحاد أدبي في السويد منحني هذه الجائزة. منذ خمس سنوات راحوا يوزعون جائزة باسم جائزة توخولسكي لاديب اجنبي يعيش في المنفى (توخولسكي شاعر الماني انتحر في السويد في عهد النازيين). اقتراح اي اسم للترشيح يرفع من قبل منظمة او اتحاد أدبي او شخصيات أدبية. بالنسبة الي قدم بعض الادباء الاكراد من كردستان تركيا الطب بعدئذ تبناه النادي السويدي. وعلى هذا الاساس يقدم نادي القلم من جانبه على المراقبة والبحث عن قيمة الاعمال.
لفحص وتقويم الانتاج يوجد لديهم خبراء من بين الشرقيين اضافة الى ذلك كان لصدى واثارة القضية الكردية الدور، ومجيئي انا من الجبال الى اوروبا كان عاملا مساعدا أخر. من ايجابيات هذه الجائزة هي انها فتحت بوجهي الابواب وقربتني من وسال الاعلام السمعية والمرئية والمقروءة، هكذا وجدت قصائدي اقصر الدروب نحو الصحف، قبلي (1987-1988) منحت هذه الجائزة لشاعر بولندي وروائي من جنوب افريقيا.
خصوصيات التكوين
* ماذا اخذتم من عبدالله كوران وكيف تم تجاوزه من قبلكم ؟
– شيركوبي كه س: اخذنا من كوران الروحية الجديدة، والرؤية الحديقة، يكمن ابرزها في التخلص من قاموس اللغة التقليدي والتشبث بالطبيعة الرومانتيكية. أخدنا من اهتمامه بالصورة وعودته الى اصل ايقاع الموسيقى الكردية وتشذيب اللغة وتصفيتها من العربية والفارسية والمقارب من هموم البسطاء واللغة اليومية واستخدامها في القصيدة الحديثة. بهذه الآلة كنا نلتقط صورا أجمل واحسن نتآلف معها ونميل اليها اكثر من ميلنا الى الشعراء القدامي. وقد بدأ تجاوزنا حين امتلكنا رؤى جديدة للحياة، بالسبة لهذه النقطة أتوقف عند هذه الحدود تاركا اجابة هذا السؤال للآخرين.
* رأيك في أدب الذين وقعوا معك بيان روانكة الأدبي هل استطاعوا ترجمة النيات التي ينطوي عليها البيان الى حيز التطبيق والممارسة ؟
– شيركوبي كه س: ينبعث عمل الكاتب وموقفه من اللغة قبل كل شيء.. بمعنى آخر تأتي ثورية الادب من مدى قيامه بانتاج وانعاش اليقظة الادبية من داخل هذه اللغة. او الى أي حد يواصل الابداع في البدء كان "روانكة" صرخة قبل ان يكون نصا. كان طموحا قبل أن يكون تجاوزا بعد ذلك ظهر روانكة الانتاج والخلق والابداع، ورح الغدير الراكد. الفترة التي برزنا فيها كانت مختلفة جدا عن الفترات السابقة، كانت اصعب وكانت احداثها اكثر توترا. كنا في بداية التفتح حين هبت عاصفة ثورة ايلول. اشتدت عملية الوقوف بوجه المتسلطين الجبابرة، داخل الساحة أناس مناضلون. تفجرت كنوز الحياة، وأضحى السلاح، سلاح المقاومة والدفاع عن الوجود اضحى أقدس ظواهر الحياة. وديان الامس تعرضت لعاصفة مخيفة. كان كل شيء يأخذ طابع التغيير والانعطافة. لم تعد العلاقات الاجتماعية مستقلة. كان البارزاني رمزا اسطوريا، وخرج الشعر من هودج الرومانسية ليدخل فضاء الدخان والبارود. صار دوي قصف الطائرات، والنابالم الاصوات الغالبة، والسائدة في الحياة اليومية. لقد غاب عهد الهدوء والاستقرار اللذين اتسمت بهما رحلة قرة داغ وهورامان. مضى عهد العشق تحت وميض الليالي المقمرة. كان من الطبيعي أن يطرأ تحول على لغة الشعر والادب. في اوال الستينات عرضت تلك الظروف المأساوية القاتمة الادباء الى نوع من الدهشة والصمت.
كان هذا التحول لا يتطابق مع الاحداث ولا يتسع لها. وكان الوسط الادبي يلزم جانب الصمت.
يمكنني القول: ان بيان روانكة (المرصد) اختمر في رحم الستينات وولد في اوائل السبعينات وفي أواسط السبعينات حبا وتعرف عليه الملأ. كان الشعراء كاكة ي فلاح وكامران موكري ومحمد صالح ديلان من الستينيين البارزين غير انهم كانوا يشبهون النيام. كانت بينهم وبين الاحداث مسافات طويلة. كانت نتاجاتهم شبحا مصغرا للاحداث والوقائع. كان المفروض هو ان يتمرد الخطاب الأدبي والشعري على ذاته: لغته ودوافعه السياسية والاجتماعية. كان بيان روانكه خطاب التمرد والمقاومة في آن واحد.
كان ضروريا ان يحطم جليد الستينات وتتوج اللغة. في تلك الفترة كنا اصحاب دواوين مطبوعة بيد ان قاموس لغتنا كان امتدادا لقاموس لغة من سبقنا. كنا ندور في تلك الحلقات المفرغة. اضحت الحرية مفتاحا سحريا لفتح أبواب أخرى ولتفجير رؤى روانكا. بدون الحرية يسترسل الشعر في الركود. الحرية فضاء الادب.
من بين الموقعين كان حسين عارف احسنهم انتاجا ونشاها وحيوية، أدهش القراء بقصصه الاخاذة، صاغ بنية القصة الكردية بلغة اخرى داخل حركة أخرى. فوق هذا كان روانكة حركة فكرية، دعا الى تطوير الانسان الكردي وتحريكا من حالة الوقوف نحو آفاق التغيير، من التمركز نحو الانزياح عن الخطوط السائدة. كان خصاما بيننا وبين الجهلة. كان دعوة للعدالة والمساواة وتحرير المرأة. فالامر الذي صار لرجمنا، وقصة تعليق اسمائنا على الحيطان وغضب اصحاب الذوق الشعري البالي كل ذلك يشكر تاريخ روانكه.
في البداية كان روانكه بذرة لكننا كنا نتحدث عن مستقبل السنابل، كان قطرة وكنا نتحدث عن نهر. صحيح اننا دخلنا وتعرضنا لازقة ودروب مسدودة. في البداية انعكست ظلال بياننا في كتاباتنا النقدية والنظرية وليس في نتاجاتنا الشعرية.
ان البذرة كانت تحتاج موسما من الزمن حتى تغدو دغلا وبيدرا.
اعتقد حين كتبت قصيدة (الرحيل) المطولة عام 1975 وتكاملت تجربتي في كتابة القصائد القصيرة، رأيت لون وصدى روانكه الخلق والابداع والانتاج لا عجب في هذا، احيانا يتطب التبلور والاختمار زمنا. على صعيد آخر تمخضت حركة نقدية جيدة عن بيان روانكه أثارت ضجة في الاوساط الادبية.
الحرية، التنوع
* ما رأيك بشعر الشباب، هل تستطيع ان تحدد بعض الاسماء الجيدة ؟
– شيركوبي كه س: حتى مطلع الثمانينات كنت لا اجد صوتا مغايرا لاصواتنا. كان الخطاب الشعري واحدا وامتدادا لشعر السبعينات غير انني حين قفلت راجعا الى الوطن رأيت بضعة رعود، والوانا في الطريق لا تشبه ألواننا بمعنى آخر لم تكن ظلالا لنا. الخطابات ومضامينها مختلفة أساسا. على سبيل المثال يجد خطابي الشعري نفسه في الوجود الوطني والتاريخي الكردي. ان بعض الاصوات التي ظهرت بعدنا هي اصوات الشك وخطاب الانكسار الوجودي. كنا أصوات المقاومة. الموجة البنيوية الاوروبية ألقت ظلال تأثيرها على هؤلاء.
في توظيف الميثولوجيا والملاحم كنا نفيد من الرموز القومية المحلية لكن اصوات الثمانينات على العكس منا تفيد من الاساطير والرموز الاوروبية والاغريقية.
يختلف الابداع من شخص الى آخر، في رأيي تكمن الاهمية في اختلافنا لا في اتفاقنا على نمط واحد من الكتابة والابداع. ما يتبقى لنا في كل الاحوال ورغم اختلاف الآراء والاجيال والتجديد ليس موضوع الكتابة بل نوعية الابداع مهما كانت المصادر واينما كانت. ما أبعد نالي ومولوي زمنيا عنا وما أشد اقترابهم ابداعيا منا. هذا هو الشيء الهام. وما اكثر الذين يقتربون منا على صعيد الزمن ويبتعدون عنا على صعيد الابداع. هناك قصائد ولدت قبل عصور لكنها لا تزال خالدة تعيش معنا. هناك قصائد اخرى تولد اليوم وتسجل موتها في اليوم نفسه، يجب ان يكون الشعر خالدا مثل الطبيعة. بختيار علي موهبة جيدة.. الشعراء قوباد جلي زادة، كريم دشتي دلشاد عبدالله، نوزاد رفعت – ولو انه من جيل يسبقهم – كه زال احمد، فرهاد بيربال، هؤلاء باساليبهم المتنوعة زينوا الشعر الكودي.
قصيدة النثر والاجنحة
* شيركو لم يكتب قصيدة النثر، لكن له كتابات نثرية تتوافر فيها الشعرية، ما هي اسباب امتناعك عن كتابة قصيدة النثر، وكيف تنظرون الى هذا الضرب الادبي؟
– شيركو بي كه س: كلا، لم أكتب قصيدة النثر بالكيفية التي تقصدها أنت. هذا ليس امتناعا بقدر كونه مسألة مرتبطة بالمزاج الادبي، مع هذا فقد نثرت في مستهل السبعينات عدة قصائد منثورة كانت وراءها العفوية. اتصور ان الجدران لم تعد قائمة بشكل صارم بين الفنون. قصيدة النثر كانت موجودة في الادب الكردي ولكن على نحو مغاير لما يكتب اليوم نجد بعض ذلك في اشعار رشيد نجيب، ابراهيم احمد، رفيق جالاك،ع. جالاك وعلى صفحات مجلة كه لاويز أيضا.
لقد فتحت قصيدة النثر آفاقا اوسع للشاعر فتوسعت له ساحات الابداع وحررت اجنحة الحركة، وهيأت مجالا جديدا للايقاع الداخلي والخارجي للقصيدة. لم تضع خطة ثابتة لموهبة، وألفت كافة الاوزان المألوفة. كأن الحياة كلها ايقاع. في بعض نتاجاتي المكتوبة في الفترة الاخيرة تناولت هذا الضرب الابداعي. علينا الا نكون طيور حديقة واحدة. ينبغي الا نعب الماء من نبع واحد فقط. يتحتم علينا الاهتمام بتجربة كتابة قصيدة النثر. من بين الشعراء العرب ذوي الممارسة والتجربة في هذا المجال برز الشاعر محمد الماغوط.. يجب ان تكون قصيدة النثر ساحرة تنسيك ماذا ترتدي.
لابد أن تجعك غائصا فيهادون أن تمنحك مجالا للتحرر من سلطتها.
كوران ايضا
* ماذا تقول الآن عن كوران بعد مضي أكثر من خمس وعشرين سنة على رحيله؟
– شيركو بي كه س: ان شعر كوران كجزء من طبيعة كردستان، خالد كخلودها. يعد كوران عمودا كبيرا لجسر التحديث. انه من الرواد. صوت أصيل، احدث انقلابا وتغييرا في لغة وايقاع الشعر الكردي. ليس في الدنيا مشاعر يمثل أحاسيس الاجيال كلها لأن لكل عصر طابعه السياسي والاجتماعي والحضاري الخاص، هذه السنة الحياة. الجمال لغة، خاضعة للتغيير، كان كوران قبل وبعد رحيله شاعر الطبيعة والجمال والاشياء الحسية، لم يكن شاعر الشعر السياسي. اعتقد ان بعضا من قصائد كوران مات قبل رحيله.
الحداثة.. الغناء.. الدراما
* كيف تنظر الى الحداثة التي تلغي دور المتلقي وتعدمه، الحداثة التي تصبح نوعا من الاسرار والالغاز؟
– شيركو بي كه س: الحداثة والتجديد والقارىء عوامل دائمة متلازمة ومؤثرة. الحداثه والقارىء فتحتا جسرا واحدا. اذا الغي دور المتلقي فلمن تكون الحداثة؟! للعدم، للفراغ ؟ حتى الاسرار والالغار لها اصحاب. لم تكتب في الحالة التي تتشابه فيها الكتابة وعدم الكتابة.
هذه ليست حداثة بل نوع من السخرية والاستمراء بالحداثة. انها سقوط الابداع بالنسبة الى الذين يمسحون دور القارىء من الوجود. الموضة المفتعلة ذات عمر قصير تموت دون ان ينتبه أحد الى مماتها. التحديث ايجاد الرؤى الجديدة، كثفت الآفاق المستقبلية. ان القارىء متمم تلك الكشوفات.
* يقول الشاعر سعدي يوسف "الشعر لصيق بالدراما والغناء معا" هناك محاولات لمحو الغنائية في الشعر ماذا يقول شيركو حول هذا الموضوع ؟
– شيركوبي كه س: كلام جميل. لو جاز لي أقول انه: طائر الروح والغناء.. ما الفارق بين طائر بلا حنجرة وطائر محنط؟! روح الشعر هي الموسيقى، الايقاع يمنح الشعر تلك الحيوية التي تدهشنا في بعض الاحيان. المهم هوان تكون تلك الروح في حركة دائمة سواء كان الايقاع ناجما عن تلازم الايقاع الداخلي والخارجي أومن الداخلي في. تبذل المساعي لاشياء كثيرة ولا يحالف كلها النجاح. المحاولات الفاشلة لا تحصى.
اذا افترقت الغنائية عن الدراما بشكل قامع يسود الجمود النصوص. لو كان الدراما جبلا او قصرا ستكون الغنائية زهوره وزجاجاته الزاهية.
الدراما الفارغة من الغنائية تشبه بطلا تاريخيا فاقدا لفؤاد والشفقة.
لندع الاطر والمدارس والمذاهب جانبا، لا يقدر الشعر على ان يمتلك تعريفا واحدا، أو ينظر الى الاشياء بعين واعدة او يقف على قدم واحدة. الشعر شعر، حين يهزني شعر جميل ويجعل روحي (منبع الاسئلة). لا يهمني الى اي مذهب ينتمي هذا الشعر. يكفي ان ينتمي الى وطن الابداع أينما كان موقعه الجغرافي. لو كانت الدراما الجسد فان الغنائية هي القلب.
خطوط في حياة شيركوبي كه س
– 1940 ولد شيركوبي كه س في مدينة السليمانية.
– 1956 شرع يكتب.
– 1967 صدر له ديوان شعاع القصائد.
– 1969 اصدر ديوان هودج البكاء.
– 1970 التوقيع على بيان روانكه (المرصد) وهو اول بيان شعري كردي يدعو الى التحديث والتخلي عن الاطر والقوالب البالية.
– 1973 اصدر ديوان باللهيب ارتوي.
– 1976 أصدر "الشفق" وهو ديوان شعري يحتوي على قصائد قصيرة سماها الشاعر بـ(البوسترات) وركز فيها على الاقتصاد في اللغة والرؤيا واهتم بأنسنة الجمادات والحيوانات والطيور.
– 1979 اصدر مسرحية شعرية موسومة بـ(الغزالة).
– 1980 قدم مداخلة نقدية في ملتقى القصة في اربيل.
– 1981 اصدر ديوان (الهجرة).
– 1981: ترجم مسرحية الدكتور بالمي وعرضت في السليمانية ودام عرضها عدة اسابيع.
– 1983: ترجم له القاص مصطفى صالح كريم مجموعة قصائد في مجلة الاقلام العراقية اجتذت انظار الادباء والقراء العرب.
– 1984: اصدر ديوان (النهر).
– 1985: صدرت له في الجبل القصائد الشعرية التي كان ينشرها باسم مستعار (جوامير) وبيعت الكاسيتات المحتوية على قصائد منتخبة بصوته.
– أواخر 1985: ترك المدينة وعاد الى الجبل ليكتب.
– 1986: اصدر المرايا الصغيرة وهي قصائد منسوجة على منوال ديوانه (الشفق).
– 1987: اصدر ديوان (الصقر) وهو قصيدة طويلة.
– 1987: توجه نحو اوروبا ونشرت قصائد مترجمة له في صحف ومجلات عربية عديدة.
– 1988. حصل على جائزة توفولسكي وهي جائزة سويدية معروفة.
– 1991: عاد الى كردستان.
-1992: اصدر ديوانه (مضيق الفراشات).
– 1993: اصدر ديوان (الآفات).
حوار أجراه: عبدالله طاهر البرزنجي