الشاعر حميد بن عبدالله الجامعي من الشعراء العمانيين المجيدين في حركة الشعر العماني، واستطاع أن يشق طريقه رغم ظروفه وسط المصاعب وان يلحق بركب الشعراء حتى غدا من الشعراء المهمين في الساحة الشعرية عمان ونظرا لدوره في حركة الشعر العماني نوقشت في الجامعة الأردنية في نهاية شهر مايو 1995 رسالة ماجستير بعنوان "شعر حميد بن عبدالله الجامعي (أبوسرور)" للباحث العماني محمود بن مبارك بن حبيب السليمي وتناولت الدراسة حياة الشاعر وبينته وجاءت في مبحثين الأول : عني بدراسة البيئة العمانية تاريخا وحضارة واسهاما في مسيرة الحياة الفكرية والأدبية ، وتحدث عن مدينة الشاعر سمائل باعتبار أن الوسط الذي ينشأ فيه الشاعر لابد أن يترك بصماته على نشأته وثقافته ونشاطه الفكري.
والثاني : درس فيه الشاعر ولادته ونشأته ، وتعليما، ثم درس أغراضه الشعرية ، الغزل والشعر القومي، والوطني، والرثاء، والفخر والشكوى والزهد والحكمة إضافة الى دراسة فنية تناول فيها بنية القصيدة واللغة والصور الشعرية والتشكيل الموسيقي.
تسعي هذه الدراسة الى اماطة اللثام ،عن شخصية شعرية ، كان لها حضور على الساحتين العمانية والعربية ، وكان لشعرها أثر واضح في أبناء الجيل. ويعد الشاعر أبو سرور من أشهر الشعراء العمانيين المعاصرين ، ليس بسبب الجوانب الفنية التي ينطوي عليها شعره ، بل لشهرته حضوره المتميز في المهرجانات الشعرية لمنتديات الأدبية ، سواء في عمان أو في بلاد العربية الأخرى، فإلى جانب تصدره تلبدت المنتدى الأدبي، والنادي الثقافي خل عمان ، فإن له اسهامات واضحة في المهرجانات العربية الأخرى.
لقد عاش أبو سرور في فترة تشكل تحولا تاريخيا وحضاريا في عمان ، ووقف شاهدا على جوانب التغيير الواضع بين عهود مختلفة ، وعايش ثورات متعددة الاتجاهات ، متشعبة الأيديولوجيات ويمثل نتاجه الشعري تراثا، يعبر عن قيم معنوية ، وأفكار تحررية وتطلعات وطنية وقومية ،
تعبر عن مسعى الشاعر، ودعوته الى إقامة كيان عربي قومي متماسك ، يقوم على مبدأ التعاون والشورى بين الجمهور والقيادات.
واستفاد الباحث من المناهج النقدية ، التراثية منها والمعاصرة ، بما يتناسب والنصوص الشعرية ، وحيثما اقتضت الحاجة في معالجة الموضوعات ودراسة البيئة وأثرها في تشكيل تجربة الشاعر، وفق السياق الاجتماعي، والمنهج الخارجي في دراسة الأدب. ولا يعدم افادته من المنهج الداخلي في تحليل بعض النصوص الشعرية.
وتغنى الشاعر أبو سرور بأهله وقومه ووطنه وأجاد وصف عراقة عمان حتى لقب بـ "عاشق عمان " وهذا ما نلمسه في قصياته "عمان المفاخر» التي يقول فيها:
سواك سلوانا لو محلا نجم والبدرا
فانك مجد الدهر والفوز بالأخرى
رضعنا لبان المجد منك على القنا
وطلنا على العليا وكان لها الفخرا
بلادي لا أدري بماذا أجيبها
إذا ساءلتني من صحائفها نشرا
أفوضي لها هذي النجوم قلائدا
ولو شئتها تعدادها لا يفي قدوا
بلادي أم الماجد ين وتاجهم
اذاقت قنا كسرى مناضلها كسرا
وتبقى قصائده الجميلة تجري بسهولة ويسر، وتبقى هذه الدراسة خطوة مهمة ومتواضعة في التعريف بشعر أبي سرور ، وقد برز فيها أن مصادر التجربة الشعرية ، لها أثر بعيد في تحديد اتجاهاته وموضوعاته الشعرية ،وتعميق بعضها دون الآخر، وهذا ما يفسر لنا سر اهتمامه بغرض الفخر أو التغني بعمان ، تاريخا وحضارة. كما تركت الميول السياسية في بداية حياته ، لمساتها على قصياته ، لا سيما تلك القصائد التي كتبها وهو بعيد عن الوطن ، إثر نشاطه السياسي ، حيث عبرت تلك القصائد عن إحساسه بالغربة المشوب بالحنين ، والشعور بالمرارة من الأوضاع السياسية.
وليست مصادر التجربة الشعورية العامة وحدها التي تركت أثرها فيه ، بل إن تجربته الحياتية الذاتية ، بكر عافيها من صعوبة الحياة ، وعنت الدهر معه ، وقسوة الأيام عليه ، كل ذلك انطبع على شعره ، بحيث يستطيع الباحث أن يقرر أن شعره كان تعبيرا صادقا عن وطنا وعن حياته.
وعلى الرغم من مصادر تجربته المتعددة لكنه لا يصدر عن اتجاه أدبي، أو مدرسة بعينها، فالشعر عنده فطرة حاول صقلها بثقافة محدودة ، تقتصر على الجانب التراثي والتمسك به ، نأت – الى حد بعيد – عن متابعة فروع الثقافة ، ومنجزات القصيدة الحديثة على المستوى العربي والعالمي. مما حرم قصيدته من الانعتاق من أسر الدوران في جدران المصدرية التراثية ، وبالتالي ضاعت عل الأدب العماني فرصة استثمار امكانية شعرية كان يمكن أن تكون علامة في تطور الحركة الشعرية
الحديثة.
ويمكن القول إن الشاعر من المتفردين بين أبناء جيله ، في طرح القضية القومية ، الى جانب القضية الوطنية. وقد احتلت " فلسطين " مساحة واسعة في إبداعه الشعري، وهو متفرد أيضا بين أولئك الشعراء في دعوته الى اعتماد (الشوري ) المستندة الى التراث ، المستمدة من واقع الأمة العربية وحاجاتها في آن معا. وكان في قصائده الوطنية ، صريحا مباشرا ولم يتستر بقناعات وأغطية.
كما عبر الشاعر عن مهاناته الوجدانية ، بشكر واضح ، ولم يأبه بما يصكه من كونه قاضيا فقيها، فصرح بحبا، وكشف الستار عن دخائل نفسه ومكنوناتها. فنادى المحبوبة ، وناجى الطبيعة ، وفي هذا الاتجاه تنازعه اتجاهان : اتجاه رومانسي ، من حيث المعالجة الموضوعية ومناجاة الطبيعة والهروب اليها، وإشارات الى حالته النفسية البائسة ، وان قصر الشاعر عن بلوغ هذه المرتبة ويأتي الاتجاه (الكلاسيكي) التراثي وسيلة الشاعر الفنية ، التي يعتمدها للتعبير عن هذه الموضوعات.
أما مهنة التعليم التي مارسها فكان لها أكبر الأثر عل لغته الشعرية ، التي تميزت بالسهولة والوضوح والمباشرة في الخطاب ، بداعي ايصال الفكرة الى المتلقين في سهولة ويسر.كما أن الرؤية التقليدية للشعر، باعتبار وظيفته الاجتماعية كانت سببا آخر في تعامله مع اللغة تعاملا وظيفيا مما أوقعه – أحيانا كثيرة – في اقتصار استخدامه للجانب المعجمي من المفردات ، دون استثمار ما في الكلمات من طاقات ايحائية.
ويعد الشاعر أبو سرور شاعرا مكثرا. وغزارة نتاجه الشعري أدت به الى تكرار معانيه وألمفاظه ، فظل يعيد الفكرة المرة تلو الأخرى، فيقع في شرك تكرار المعاني في غير موضع من موضوعات قصائده. واتخذ الشاعر الأسلوب القصصي والحكائي، وسيلة من وسائل التعبير، بحيث جعله إحدى الوسائل التي كان يبث آراءه من وراثها، ويخفي صوته خلف جدارها، لتحقيق ماربه الذاتية والوطنية والقومية والاجتماعية. وقد أفاد من الموروث الشعبي في استيحاء قصصه ، وان كان ذلك لا يعني ادراكه لشروط القصص الشعري وعناصره ، وانما كان حسبه ، أن يستثمر موروثه الشعبي والتراثي في صياغة قصصه ، التي أغلب ما عالجته قضايا سياسية واجتماعية.
ومع أن الشاعر معاصر، لكن ارتباطه بالتراث ، ظل أقوى من المعاصرة ، حين مضى يتمثل الصيغ والتراكيب الجاهزة ، فنالت اهتمامه ، وعمد الى ادخالها في قصيدته ، على نمط من الانساق المرسومة ، لكن الشاعر وان تثمل هذه الصيغ والتراكيب ، إلا أنه لم يخضع لسيطرتها القاموسية إذ استطاع أن ينقل تجربته – بصدق – من خلالها. فهي في حقيقتها تنتمي الى التراث من جهة ، وتنتمي الى الشاعر نفسه من جهة أخرى. وقد تجلى تأثره بالتراث من خلال عدة محاور تم رصدها في دراسة لغة الشاعر.
أما الصور الشعرية عنده فكانت قليلة ، وكان يلجأ اليها بعفوية ، دون أن يكد ذهنه ، أو يشغل خياله في تشكيلها. وكانت الحياة والمرأة والطبيعة ، هي الأساس الذي يستمد منه الشاعر صوره. وقد تبين أن المرأة والطبيعة استحوذت على النصيب الأكبر من تشكيي الصورة عنده. لا سيما حين يبث هذه الطبيعة أحزانه ويتقاسم معها آلامه.
ومن اللافت في شعر أبي سرور، كثرة تنقيحاته واصلاحاته في شعره ، التي اتخذت أشكالا متعددة ، وتباينت الأسباب حول هذه التنقيحات ، وكانت رغبة الشاعر في الجدة ومسايرة الواقع سببا رئيسيا في ذلك. وتبين للباحث ان اهتمام الشاعر بشعره ، وكثرة نقله من مخطوطة الى أخرى، ومداومة مراجعته مرة تلو أخرى، كانت هي الأخرى، أسبابا في التغيير والاصلاح. ومن هنا تباين نجاح الشاعر في إحداث هذا التغيير، فبينما نجح حين كان الاصلاح ناشئا عن اضطراب أو قلق في العبارة أو محاولة تكثيف انعني، نواه قد أخفق عند محاولته جعل القصيدة مسايرة للواقع المعاش ، وتثمل ذلك في حذف أبيات من صلب القصيدة الرئيسية، وإضافة أبيات عديدة اليها، مما جعلها غريبة على جسم القصيدة الأولى.
ووصل الباحث من خلال دراسة شعر أبي سرور، إلى أن إقامة صلة بين الغرض الشعري والوزن أمر لا يمكن ان يؤخذ به ، وأظهرت الدراسة أن أي بحر عروضي، قابل لأن يحتضن القصيدة في كل غرض من أغراضها، وأن الفرض الواحد يمكن أن ينتظم في سلك أي من الأوزان الخليلية.
كما أظهرت احصائيات شعر أبي سرور، أن الشاعر حصر أوزانا الشعرية في ثمانية بحور هي: البسيط – الكامل – الطويل – الوافر – الخفيف – المتقارب – السريع – الرجز – أي أنه استخدم نصف الأوزان العروضية ، وانتظم شعره في جميع دوائر الشعر العربي. ومجيء معظم قصائد الشاعر على هذه البخور، ينسجم مع ما هو متعارف عليه من شيوع هذه البحوث في الشعر العربي القديم. وهنا يلاحظ تأثره بالشعر القديم ، حين استمد ما تيسر له من مخزون ذهني في أوزانه ، وعلى الرغم من التزام الشاعر القافية الموحدة بأنواعها المختلفة ، إلا أن الباحث وجد الشاعر قد مال الى التنويع في قوافي بعض قصائده أو أناشيده على وجه الخصوص.
وأخيرا فان الشاعر قد طرق معظم أغراض الشعر العربي التقليدية ، عدا المدح والهجاء، فإنه لم يتطرق اليهما. ولعل اعتداده بنفسه كان سببا في ابتعاده عن شعر المديح.
محمد أحمد القضاء(كاتب أردني)