تتمركز كتابات الدكتور نصر حامد ابوزيد حول تجديد الفكر الاسلامى الذى لابد ان يتحرر من القواعد والقولية والتكرار التى تؤدى الى الفهم الخاطىء باتجاه التحليل والتفكير او باتجاه الاستنباط والاجتهاد.
فحسب ابو زيد ان العقل المسلم فى عصر الجمود اخذ يستهلك تراث اجداده، دون ان يكون قادرا على تنميته وتطويره فكان مثل الوارث الكسول الذى يكتفى بالافتخار بما ورثه من الاسلا ف.
ومن هذا المنطلق لابد لهذا الفكر الانسانى الذى يحتوى امكانيات الخلق والتفكير من انتاج المعرفة والمساهمة فى تحديث الحياة وتطويرها.
وقد كان لمجلة "نزوى" هذا اللقاء الخاص مع الدكتور "ابوزيد" قبل زيارته للسلطنة التى نتمنى تكرارها.
الدكتور نصر حامد ابوزيد واحد من ألمع المفكرين العرب فمن خلال نتاجه الفكرى استطاع ان يعيد قراءة التراث قراءة علمية عميقة جريئة، ولم يكن يتوقع الدكتور ان تقوم ضجة مفتعلة حول ما كتب، صحيح انه فى عالم الفكر والمعرفة لابد من الاختلاف والتنوع والاخطاء، أما أن تأخذ شكل التكفير والاتهام بالردة فهذا امر يرفضه الاسلام الحقيقى الذى لايقبل التكفير بناء على شبهات واثارات دون دليل.
وابو زيد يرى ان الارهاب لايمكن ان يكون حكما على الفكر، فإنه بدون مساحة واسعة من الحرية والبحث العلمى لايمكن لنا أن نتقدم.
والتطرف لابد ان يؤدى الى اغراق المجتمع فى مزيد من البؤس والحرمان والدم، انه ضد الفكر والتاريخ بالمعنى العميق.
ان مشكلة الدين الحالية كما يراها محاورنا هى استغلال البعض له، من اجل تحقيق مآرب سياسية واقتصادية الى الحد الذى أخذنا نسمع الفتاوى الغريبة التى تبرر النصب المالى او السياسى او الاجتماعى.
فى هذا الحوار مع الدكتور نصر حامد ابو زيد بعض الجوانب الفكرية التى يلقى عليها الضوء، وبغض النظر عن الاختلاف والاتفاق مع ابوزيد فى بعض مواقفه ومنطلقاته الفكرية، يظل صوتا مؤثرا فى ساحة الفكر العربى.
* كيف نفرق بين التدين والتعصب ؟
– التدين سلوك طبيعى وانسانى، وجزء من الروابط الاجتماعية بين البشر والتدين فى الاسلام جمعى بإقامة الشعائر والعمل بتعاليم هذا الدين، وهو جزء من الوجود الذى لايستغنى عنه الانسان.
وليس صحيحا ان الانسان يستطيع أن يستغنى عن العقيدة فهى دليل تماسك ورؤيا للعالم والوجود، فأوجاع هذا الوجود يجعل التدين من تحملها امرا ممكنا.
متى يتحول التدين الى تعصب ؟ هذا يحصل حين يحول المتدين دينه وسلوكه وشعائره الى الشكل الوحيد من ممارسة الدين ويرفض اى شكل سوى هذا الشكل.
اذا سألت المتدين العادى: ما هى صفات الله ؟ فليس عنده اجابة، الله عنده مشخص ومجرد والله موضوع للحب والرهبة، دون وجود تناقض عنده فى ذلك وليست لديه مشكلة مع متدين أخر.
المتدين الحقيقى يرى فى كل اشكال التدين تدينا.
* وفى مصر كيف انتقل المجتمع من التسامح الدينى الى حالة الصدام والتكفير؟
– عشنا فى المجتمع المصرى فى فترات من الزمن كان فيها المسلم يحترم شعائر المسيحى، وكذلك المسيحى بل يتشاركان فى المناسبات الدينية… لماذا؟ لأن هذا دين وهذا دين، وهذا الدين لا يقل عن الآخر بالنسبة الى من يعتقده.
والتعامل مع العصاة يجرى بقدر كبير من التسامح يعنى "يا ابنى صل يا ابنى مش كويس كده " لكن لاتجد الاقراع،الاب يحض ابنه على الشعائر… هذا هو التدين وهو موجود فى فى بلدان العالم.
التعصب هو رفض للأخر ورفض التعامل معه، واثارة الانقسام فى المجتمع على اساس دينى، التعصب هو تكفير وانغلاق ورفض للتاريخ ومستجدات الحياة.
الهوية فى جانب منها سم اذا فهمت انها امر ثابت، عندمانتحدث عن انفسنا كنمط متميز من البشر هنا هوية شعب الله المختار، او العرقية، او الطائفية.
المتدين العادى يؤمن ان كل ما يحصل فى العلم هو بارادة الله، لكن لايجد تعارضا بين ارادة الله ولوم المخطىء اى بين العلة الاولى والعللالمباشرة.
مثلا عندما نسأل اذن: لماذا ابتعدنا عن الدين ؟ هذا سؤال مطروح واين ومتى كنا فى الدين ثم ابتعدنا عنه فى اية نقطة فى التاريخ " المتدين العادى يعيش فى التاريخ ويؤمن بالابدية، المتعصب لايعيش إلا فى الابدية ولا يؤمن بالتاريخ، لذلك فالمتعصبون يرون ان يعيدونا الى اللحظة الاولى فى الاسلام وهذا مستحيل او يحكموا علينا بالجاهلية.
اما التدين فهو امر هام جدا، اذ عليه يقوم الاساس الاخلاقى للعلاقات الانسانية، اذا افتقد فالمجتمع مهدد من حيث هو بنية انسانية.
* لكننا نلاحظ ان الكثيرين من نجوم التكفير الان كانوا ذ ات يوم خارج ئراة التعصب باعترافهم فلماذا لايعطون الا خرين فرصة للحياة ة كالتى اتيحت لهم؟
– احد الكتب الذى تناولنى لاحد المتعصبين يذكر ان جيرانى يجب ألا يتعاملوا معى وعلى زوجتى ان تطلب الطلاق منى، وإلا فهى زانية وان على طلابى الا يجالسونى اى ما يسمى بالعزل هذا هو التعصب.
بينما الطبيعى مثلا ان نقول ان فلانا مخطىء وليته او لعله يعود الى الصواب.
لنفترض جدلا.. جدلا طبعا ان نصر ابوزيد مرتد، فانت اذا قتلته الان لمات مرتدا، بينما اعطه فرصة فقد يعود الى الايمان، خذ مثلا "مصطفى محمود وعادل حسين و جلال كشك " هؤلاء كانوا مسلمين ملتزمين ثم تراجعوا عن التزامهم ثم انتقلوا الى الالحاد وهم الان مسلمون عليهم ان يفترضوا انهم قد اقيم عليهم الحد عندما تراجعوا عن التزاماتهم الدينية كانوا ملحدين، ألم نحرمهم من فرصة العودة الى الايمان ثانية.
الانسان المتدين العادى يرى ان احدنا قابل للتغير وليس معطى ثابتا غير قابل للتطور المتعصب عكس ذلك، وعندها نحن امام كارثة الكوارث.
* ألا ترى يا دكتور ان التعصب ليس مرتبطه بالدفي فقط،فهناك تعصب وتكفير لدى مؤسسات واحزاب… اخ ؟
– التعصب ليس مرتبطا بالدين فقط وكذلك نزعة تكفير الآخر، ويبدو لى ان التعصب لسبب تاريخى سيطر على العقل العربى، وهذا امر قابل للتغير ولكننى هنا اتحدث عن امر وجد فى سياق تاريخى معين، فالحياة العربية دار الصراع فيها على ارضية دينية، وان كان للامر اسباب سياسية، كالخلاف بين الفرق الاسلامية.
وخذ حرب الخليج الثانية فكل من وقف مع قوات التحالف الدولى، او ضدها استند الى مرجعية دينية فى وقت كان الامر فيه واضحا، انه صراع دولي على مصالح وثروات لكن التبريرات كلها كانت دينية وهنا نحن نضع الدين فى غير مكانه ونسحبه الى امور لاعلاقة له بها.
الفكر القومى فى الستينات تسيطر عليه الاحادية والقطعية كذلك الماركسية العربية، من خلال تعابير التحريفية والارتداد اى الكفر بالمعنى السياسى.
لدينا خطابات متعددة ولكنها متعلقة وليست مفتوحة فيما بينها وهى خطابات تكفير وان جاءت بصيغة مختلفة.
انت عندما تتجاهل فكر خصمك وتقاطعه فهذا نوع من النفى، فاذا كنت من انصار المجتمع الدينى فهذا لايمنع من قراءة الفكر الدينى، وعدم وجود حوار يجعل من كل فكر متمسكا بثوابته.
* ومما يغذي التكفير سياسات بعض الانظمة لم ايضا؟ وللسياسة كما يبد و دور بارز فى الخطاب التكفيرى العربى؟
– الممارسة السياسية فى الوطن العربى ايضا قائمة على التكفير، لان السياسة عندنا تتحكم فى كل شىء فهى لاتقبل من الفكري والثقافي إلا ما يساند توجهاتها السياسية فاذا تغيرت هذه التوجهات انقلبت وهذا معروف فى عالمنا العربى حتى الفكر الاشتراكى الذى عرفناه كان ذلك الفكر الذى يبرر توجهات السلطة السياسية وليس الفكر الاشتراكى النقدى.
فاذا تطابقت سلطة الفكر مع سلطة السياسة تحصل الكارثة، فالمفكر هنا يطارد الفكر الذى يختلف معه.
* كيف تستطيع الثقا فة ان تأخد استقلالها بمعزل عن التعصب والتبعية االسيا سية العمياء ولاتتوقف عن تأثيرها – لابد ان نجد وسيلة لكى نفصل بين المعرفى والثقافى والسياسى، اى نقطع الحبل السرى بينهما، طبعا لا نقطع العلاقة اشبه الامر بقطع الحبل السرى للطفل كى يعيش الطفل وتعيش الام.
ولا اعنى انها انشطة مضادة، فأى فكر سياسى يستند الى الفكر، واى فكر يتضمن موقفا سياسيا حتى لا نتهم بأننا مع مثقف البرج العاجى وهو اكذوبة "فتوفيق الحكيم " وهو اشهر من تكلم عن هذا البرج نحن نعرف مع من كان يقف وضد من كان يمارس نشاطه.
لكن الفكر له ألياته واهدافه التى يمكن ان تكون ضد اهوائنا، الفكر ضالته الحقيقة، والسياسة ضالتها النفع احيانا يوصلك الفكر الى نتائج تتعارض مع النفع هنا يقع التعارض، الفكر يبحث عن الحقيقة فى التاريخ.
* الفكر ذ و صفة نقدية بالدرجة الاولى؟
– طبعا… الفكر كذلك انه حارس القيم وليس له ان يندمج مع التأييد غير المشروط، قد يحصل طبعا ان يؤيد المفكر رجل سياسة ما، لكن شروط الفكر ورؤيته البعيدة، عندما يؤيد المفكر بشروط التكتيك السياسى هنا ندخل فى التبرير وليس فىالتفسير.
علاقة السياسي بالثقافى فى الوطن العربى ملتبسة جدا….جدا… جدا، دائما،نلاحظ احيانا ان السياسى يحتاج الى الثقافي ليكتسب مشروعية، واول ما انقلب مشروع محمد علي على ذاته دفع الثمن رفاعة الطهطاوى مع انه هو الذى اسس المشروعية الفكرية التى قام عليها مشروع محمد علي، كذلك طه حسين،فهو الذى اسس المشروعية الليبرالية المصرية، مع ذلك الليبرالية المصرية هى التى حاربته كسياسة وهنا يجب ان نتذكر دور
سعد زغلول السلبى من طه حسين وما حصل له.
من هنا ضرورة تأسيس مؤسسات ثقافية مستقلة، وعندها لو دعمك السياسى فلا بأس، حيث سيدعمك بشروطك انت لقد كانت هناك فى مصر مؤسسات ثقافية مستقلة، ولكن جرى تأميمها فى ثورة (52)، وهذا اخطر ما حدث فى مصر،كيف نستعيد ذلك ؟ أي انشاء مؤسسات مستقلة ليس هاجسها سيف المعز وذهبه وانما انتاج المعرفة هذا هو المطلوب.
انت عندما تزور بلدان العالم المتقدم تجد الجامعات وا لمؤسسات مشغولة بالعلم والمعرفة، وليس با لمعارك الهامشية لكن هذا قدرنا فى العالم العربى.
وأرى على رأس المؤسسات التى يجب ان تكون مستقلة الجامعات، الابتدائى حتى الثانوى هذه للحكومة، تغذىالمواطن فيها بقيمها لكن فى ألجامعه… لا يجب ان يدخل فى قيم المعرفة.
* مواصلة للفكرة لماذا نجد هده العلاقة الملتبسة جدا بين الثقافى وغيره فى التاريخ العربى؟
– واقع تاريخى فالتعليم نشأ تحت ظل النخب السياسية، محمد على ارسل الطهطاوى الى فرنسا فكان من الطبيعى ان يظل رفاعة تحت وطأة الاحساس بالامتنان لهذا الحاكم الذى اتاح له هذه الفرصة والملك فؤاد مثلا هو الذى ارسل طه حسين للدراسة فى الخارج.
والمثقف يتصور ان دوره تنوير النخبة من اجل الاصلاح لان الاصلاح فى يد النخبة السياسية فهى صاحبة القرار فى التنفيذ.
اهم كتب طه حسين "مستقبل الثقافة فى مصر" كان فى الاساس برنامجا كتبه لوزير التعليم، ومايزال هذا قائما الى الان غير ان اى عمل لايأتى بنتائج إلا اذا قررته ودعمته السلطة، وبالتالى علينا تركيز الجهود لخلق سلطة مستنيرة.
الحقيقة ان التنوير الحقيقى هو الذى يتجه الى الجماهير، لانها هى التى ستتبنى التقدم والدفاع عنه، اما التقدم الذى لايقوم على وعى الجماهير فما اسهل ان ينهزم بقوة خارجية،ومثالنا البارز ما حصل فى هزيمة 1967.
انا هنا لا ادين فالمثقف اذا وضع الجماهير ومستواها فى ذهنه سينتج فكرا سطحيا، اذن نحن بحاجة الى مؤسسات تثقيف، تحول الثقافة والمعرفة الى غذاء شعبى، اى تشكل حلقة وصل تشيع المعرفة جماهيريا.
* ألا ترى اننا بدأنا نلغى ذ اكرتنا التاريخية تحت غبار ودخان من الهموم الفرعية وافتعال الا زمات العابرة؟
– فى العام الماضى مر على هزيمة 1967 ثمانية وعشرون عاما، فجريدة الاهالي عملت استفتاء بين شباب عمرهم خمسة وعشرون، واذا بهذا الجيل لايعرف اى شىء عن هزيمة 1967 فأى قتل للذاكرة.
العقل العربى النخبوى لايميل الى الكلام عن الهزيمة، بينما لو ذهبت الى امريكا فى "بيدل هاربر" لوجدت انهم يحتفظون بذكريات تلك الضربة القاصمة، وتجد اللافتات المعلقة والمكتوب عليها "حتى لاننسى".
أنا ذهبت إلى اليابان لسنوات ورأيتهم كيف يحيون كل عام ذكرى ضرب ناجازاكى وهيروشيما بالقنبلة الذرية فهل نحيى نحن ذكرى 5 يونيو؟ لماذا؟ لاننا نميل الى ان نسقط من ذاكرتنا كل ماهو سيىء بينما مانسقطه هو جز من الذاكرة.
* ما هىالطريقة الناجعة التى تراها من اجل وقف موجة الارهاب والتكفير فى السياسة والتربية والدين ؟
– كيف نقضى على الارهاب ؟ هل نقضى عليه بأن نزيف طريقة الوعى بأسبابه و نلصقه فقط بالتيار الاسلامى، ام نبحث عن ظاهرة الارهاب في اسبابها الاجتماعية والتاريخية، وعلاقتها بالارهاب الدولى بشكل عام، وبالتالى نقدم معرفة تستطيع ان تساهم فى حل المشكلة، الادانة والشجب وباقى هذه الامور لن توصلنا الى معرفة حقيقية.
وهذا يحتاج الى الكثير من الاعداد والتضحيات لنقضى على بعض الازمات التى نعانى منها.
* ما الذى حل بمشروع التنوير فى الوطن العربى، فبعد ان بدأ قويا نلاحظ اليوم انه يتراجع ؟
– لقد كان تيار التنوير ضعيفا، انه بعض المحاولات التى جرت هنا وهناك ولم تخل من عناصر المقاومة العنيفة له..
وا لاحبا ط… وا لمزايد ة.
ولو اخذنا نماذج التنوير سنجد فى المقابل نماذج اخرى مقاومة بل واقوى.
محمد عبده مثلا كان فى جانب والازهر فى جانب، وطه حسين من المعروف ما الذى حدث له.
التنوير بدأ مرتبطا بالمشروع السياسى لمحمد علي باشا وهو ما سمى بمشروع النهضة، ولان المشروع قد ارتبط به،فمع انهياره تراجعت حركة التنوير، وقد كان ذلك التنوير يستهدف النخبة السياسية وليس الجماهير، اذا استثنينا مشروع التعليم عند طه حسين، وهو ايضا كان يحتاج الى السلطة السياسية لتنفيذه، وكذلك مشروع التعليم عند محمد هذا الارتباط الدائم جعل مشروع التنوير فى حالة تعثر دائم، واذا ما لم يجد الحاكم الشجاع المستنير الذى يعززه ويسهله تستطيع القوى الاخرى ان تجهضه.
ما يتعرض له التنوير اليوم من هجوم هو أقسى مما تعرض له من قبل، فالهجوم ما يزال مستمرا على طه حسين وعلي عبد الرازق والكواكبى والافغانى.
فما دام التنوير لم يتجاوز اطار النخب سواء فكرية او سياسية الى الوعى الاجتماعى فلن نستطيع القول ان التنوير قد تحقق وتحققه يتحدد فى تغير فى الوعى الاجتماعى.
ولا اظن اننا وصلنا الى هذه الدرجة فى اى فترة من تاريخنا المعاصر، لذلك يجب ان نستفيد من هذا الدرس فاذا اردنا ان نستعيد لحظة التنوير فعلينا ان نضعها فى افق مختلف اى ألا يكون موجها للنخبة فقط، وان وجه لها فعن طريق خلق رأى عام وواسع، والدخول مباشرة فى انتاج هذا الوعى، اما اذا ظللنا على نفس المستوى فسيظل التنوير لحظة يحتاج اليها الحاكم والنظام فى مجتمع عربى.
فى الفترة الناصرية عندنا فى مصر مثلا انزعجت السلطة من مبادرات الجماهير فى سنة 1956 صحيح انها سلطة وطنية لكن هذا ما حصل… لهذا فالتنوير ظل محدودا وضيقا ومحصورا ولم يصل الى جذور الوعى الاجتماعى.
*التراث يا دكتور نصر قد يكون عبئا، وقد يكون جزءا من الهوية والتعبير والتجديد، انه ذاكرة قد تكون احد ملامح وجودنا فى هدا العالم.. فكيف تلخص لنا فهمك لذلك ؟
– التراث ببساطة هو كل ما ورثناه ليس فقط فيما كتب من كتب، بل العادات والتقاليد وانماط السلوك، محركات التراث الناس وليس الكتب ولكن علينا ان نبحث كيف تحولت بعض الكتب الى وعى اجتماعى.
هناك جانب من التراث انسرب فى الوعى الاجتماعى بحكم الشهرة او السيادة او السيطرة فانت قد تجد مواطنا لم يقرأ الغزالي ولم يسمع به ولكن البنية العقلية التى اسسها الغزالي هى التى تحكم سلوك هذا المواطن، بحكم ان الغزالي انحل فى الخطاب الدينى الشعبى والرسمى وتحول النص اللغوى عنده الى مجموعة من النصوص.
من هنا اذا وقفنا عند نص الغزالي فنحن نفعل ذلك مع الاصل قبل ان يتحول الى فعالية، هذا نجده ايضا بالنسبة لنمط الفكر الاشعرى بصفة عامة، والتصوف المرتبط بنسق الفكر الاشعرى، كذلك المعتزلة وابن رشد.
فتحديد ما هو موروث او تراث لايجب ان يقف عند ما هو مكتوب فى الكتب القديمة، بل ايضا ما انسرب عبر مؤسسات تعليمية وخطابات ومؤسسات دينية.
هنا نلاحظ ايضا كيف تقوم هذه المؤسسات على تحويل الكثير من الكتب الى أنماط سلوك، واستبعاد بعض الكتب لذلك من المهم دراسة ما الذى انتقل وعبر وما الذى همش واستبعد.
والذى انتقل وعبر هل بقواه الذاتية؟ هل بقوة مضافة؟ هل للسياسة دور فى ذلك ؟ هذا ما يسمى السياق التاريخى لنشأة هذا الفكر او ذاك.
التراث علاقات معقدة جدا اذا نظرنا الى التواصل التاريخى حتى الآن فلابد ان تتضافر جهود كثيرة لكى نفحص،االتراث الحى" اى التراث الذى ما يزال فاعلا ومؤثرا وهل هو هو ام اصابته بعضى التغيرات ؟
هناك تراث ليس له فعالية وهو جزء من الماضى وهذا يجب ان يدرس ايضا وفى رأيى انه علينا ان ندرس التراث فى سياقه التاريخى وندرس تياراته ليس لنستخدم هذا التيار ضد الاخر وليس بالمنهج النفعى الذرائعى فهذا يقود الى قراءة خاطئة اسميها "قراءة تلوينيه".
فمثلا اذا احتجنا للحرية قلنا ان الحرية عند المعتزلة مثلا، ونتجاهل ان ما قدمه المعتزلة للانسانية على اهميته ليس حرية الانسان فى المجتمع وانما حرية الانسان ازاء الارادة الالهية،مصطلح "خلق الافعال " وليس حرية الارادة.
فانت عندما تحول خلق الافعال الى حرية الارادة تكون قد قفزت من النسق الفكرى للمعتزلة الى نسقك انت واجريت تسوية بين الماضى والحاضر فقضية الحرية فى عصرنا على درجة عالية من التعقيد.
اذن يجب ان ندرس التاريخ فى ذاته، وضمن منظوماته.
* ما هو رأيكم فى قراء ة التراث على ضوء فكرة مسبقة،او محاولة انتقائية من التراث لخدمة غرض آنى؟.
– لجكن احيانا ان نفهم من دلالة ظاهرة او مقولة فكرية شيئأ يفيدنا، اويعنينا، ولكن دون- قفز ود ون ان نحمل فكرة فى الماضي ما ليس حنها عندها قد نقع فى القراءة الاصولية نفسها،ولكن من زاوية ثانية..
التراث بحد ذاته لن يمدنا بالقوة نحن الذين نصفع هذه القوة – ورؤيتنا للحظتنا التاريخية هي التي تحدد رؤيتنا للتراث.
مع الأسف نحق نعيش في جو احتفالي فاذا عدنا الى التراث بطريقة احتفالية فانما نكون قد درسنا التراث بالتراث حتى الكاتب الذي كان يبدأ كتابه بالفقير الى الله والراجى لعفو الله هو كاتب احتفالى يقوم بعمل احتفال بتواضعه.
لابد مما يسميه الشيخ امين الخالى "قتل القديم بحثا" فاذا اسست وعيا علميا، به استطعت ا ن تتحرر من -سلطة التراث التى تشعر بها دون وعى ان تصنع تاريخك.
التراث احيانا موضوع للمحاكاة. عند البعض، او للأستفهام عند البعض الأخر، او للاستخدام – عند طرف أو للفهم عند طرف أخر والحقيقة ان الذين يستخدمون التراث لاغراض سياسية هم الاكثر نجاحا لانهم يتعاملون مع الجانب الحى لدى عامة الناس، خانت اذا استخدمت المعتزلة او ابن رشد مستعيدا لهما، فالخصم لن يستعيد شيئا بل سيقاتلك بما هو موجود ولايحتاج الى إستدعاء مع ان هذا المستدعى قد لايكون مذ صحيح الدين مثلا ولكن المشكلة انه حى فى عقول الناس.
فى الدراسة العلمية للتراث ليس هناك استبعاد او اختيار بل علي! إن تدرس كل الخطابات دون اهمال او تعصب والتراث يزداد تعقيدا بسبب سوء إستخدامنا له وتبديده والتراث متعدد ويحتاج الى فهم لهذا التعدد.
وما فعلناه حتى الان لايعدو القشرة على الرفي من الدراسات الجيدة التى قمنا- بها- ير ماهى ابرز الدراسات،لقى تناولت التراث فى الوطن،لعربى وترى فكيها انجازات حقيقية؟
– كثيرة ولها إنجازات علمية إذكر هنا محمد عابد جابرى الذى وضع يده بايبستمولوجية التراث، وطيب تيزينى وهو فى تصورى اقرب من درس التراث فن خلال القدرة على الفظ من خلال طبوغرافية التراث المعقدة، والفصل بين مستوياته ومستويات دلألته، وحسين مروة من خلال تركيزه على البعد إ-لمادى وحسن حنفى رغم ائه اسقط الكثير من.المعاصرة على في لتراث.. وهذه اهم قراء(ش التى الممت بتفاصيلها، وارى ان كل واحدة منها تكمل الاخرى، كل هذه الجهود فى رأيى تمهيدات لدراسة التراث، المشكلة اننا نسميها مشروعات – وانا اعترض على ذلك وربما لاننا فقراء جدا نبالغ بالتعابير.
واذا بدأت بنفسى فليس عندى مشروع انما انا باحث فىالتراث.
* دكتور نصر.. بصراحة… هل تخاف هن كل لاغتيال ؟
– طبعا.. انا-أخاف من ان اقتل لاننى احب الحياة واحب ان انظر فى عير احبائى قبل الرحيل وآخذ فرصة لأقول لهم: ودإعا. دائما عندما اسال هذا السؤال تكون اجابتى المختصرة عليه "الحامى هو الله ".