ضمن سلسلة المناشط والفعاليات التي دأبت على استمراريتها الجهات المعنية بالثقافة والعلوم أقيمت بجامعة السلطان قابوس ندوات ومحاضرات تحت عنوان "الأسبوع الثقافي العماني الأول " والذي جاء بتوجيهات سامية من جلالة السلطان قابوس المعظم وأشرفت عليه وزارة التراث القومي والثقافة الراعي الأول من حيث التكوين والهدف لتراث وحضارة هذا البلد العريق الحافل بالموروث الثقافي والفكري والحضاري على مر العصور.
ساهم في تقديم تلك الندوات عددا من الباحثين والمتخصصين والمهتمين بشؤون الفكر والثقافة والعلوم المختلفة من داخل السلطنة وخارجها، حيث أن هذا الأسبوع بداية لسلسلة من الأسابيع الثقافية التي ستطرح قضايا الثقافة بمفهومها العام وعلاقتها بالتاريخ والحضارة ودورها في التأثير على المجتمع بعموميته والمثقفين بخصوصياتهم الشاملة لكل الأجناس الأدبية والتي ستكون كل عامين والذي يتعاقب مع مهرجان الشعر العماني المقام كل عامين أيضا وقد سبقه بدورتين كانت الأولى في مدينة نزوى والثانية في صحار، لذا فقد سعت الجهة المنظمة للأسبوع على تأسيسة منهجيا وموضوعيا بحيث يصبح انطلاقة ذات دور حقيقي يعنى بالثقافة كأداة معرفية حول مفهومها والأسس التي تقوم عليها والجوانب التي تهتم بها وكأداة توعوية تبرز أهم سماتها ومحتوياتها وبيان أثرها على المجتمع. العماني والحافظة على تراثهم وعراقته وكأداة توجيهية يسعى في تنظيم سير المجتمع نحو ما هو قادم من تغيرات وتحديث محاولة في رسم حدود البناء السليم للمجتمع ودفع عجلة الاهتمام به.
بدأ الأسبوع افتتاحيته بكلمة لمدير عام الثقافة الفاضل / خالد الغساني الذي كان له الدور البارز والفعال في الاشراف على الأسبوع وتجلية الهدف منه لخدمة الثقافة والتراث كأحد أعضاء اللجنة العاملة لاعداد وتحضير هذا الاسبوع وقد تطرق في كلمته الى ان لكل أمة ثقافة وتراث تفاخر به ولا تسمو ولا ترتفع مكانتها الا برفعة رصيدها الثقافي والمحافظة على تراثها وهذا هو شأن السلطنة، وعلى السعي لمواكبة ثقافة الآخر والوقوف لها موقف الند للند وعلى تنشيط النهضة الثقافية والفكرية بالسلطنة ´لإيصال قنوات الثقافة الى قلب كل مواطن عماني.
تناول الأسبوع خمسة محاور وفي كل محور محاضر وئيسي ومتحدثان فرعيان تشمل محاضراتهم تحت عنوان المحور. فقد جاء المحور الأول بعنوان "الثقافة كأساس للتنمية " حاضر فيه الدكتور العروسي العامري- رئيس قسم الأجتماع بالمعهد العالي للعلوم الانسانية بجامعة المنار بالجمهورية التونسية كمتحدث رئيسي دارت محاورها حول ترضيه العلاقة بد الثقافة والتنمية مع الاستعانة بأمثلة تاريخية أقرتها العلوم بشكل شبه نهائي مثل مكانة الاختراع والتجديد والإبتكار في التقدم التقني.
ثم تلاه بعد ذلك المتحدث الأول السفير طالب بن ميران الرئيسي والمتحدث الثاني الكاتب والأديب العماني أحمد الفلاحي الذي تطرق حول موضوع المحور ذاته وقدم ورقة بعنوان "الثقافة العمانية سيرتها وانجازاتها" فقد ركز في ورقته على استعراض التجربة الثقافية في عمان، بمفهومها الأدبي والتاريخي من خلال الشواهد والدلالات على أرض الواقع بجملته "لعلني لن أكون مادحا ومجاملا وربما كذلك لن أكون ناقدا ولكنني سأحاول أن أتتبع الأمور كما هي في أرض الواقع داعيا في الوقت نفسه الى ضرورة أن نتأمل أحوالنا بصدق والا نغمض أعيننا عن الأخطاء والقصور" كما انه طرح مجموعة من الاشارات حول أهمية وجود وزارة خاصة بالتراث القومي والثقافة في السلطنة وعلى الدور المنوط بها ليؤكد على الأهمية الخاصة التي تكتسبها الثقافة في عمان كذلك وجود مجلة نزوى وتدعيمها مع الدعوة الى اصدارها بصورة شهرية لما لها من دور بارز في اثراء الثقافة العربية بما تحتويه من مواضيع، كما دعا الى المؤسسات الخاصة الى تبني مشروعات ثقافية وإبداعية هامة مساندة للمؤسسات الحكومية كما يوجد في معظم الدول العربية والعالمية.
بعد ذلك توالت المحاور على مدار أربعة أيام أخرى، حيث كان المحور الثاني بعنوان (الاعلام ودوره في مواجهة التحديات"، وكان المتحدث الرئيسي فيه سفير الجمهورية السورية بالسلطنة رياض نعسان آغا وجاء المتحدثان الفرعيان كل من: الدكتور أنور بن محمد الرواس من جامعة السلطان قابوس والدكتور عبدالحميد الموافي من جريدة عمان أما المحور الثالث فقد كان بعنوان "المؤسسات الاجتماعية ودورها في التنمية " المتحدث الرئيسي الدكتور برهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون في باريس بينما المتحدثان الفرعيان هما الباحث العماني سعود العنسي والدكتور سلطان الهاشمي من جامعة السلطان قابوس، وجاء المحور الرابع بعنوان "أثر الثقافة في التنمية الاقتصادية " كان المتحدث الرئيسي فيه الدكتور اليقظان بن طالب الهنائي المستشار الاقتصادي بديوان البلاط السلطاني ورئيس مجلس ادارة النادي الثقافي، بينما المتحدثان الفرعيان هما الدكتور مهدي أحمد جعفر والدكتور جمعة الغيلاني من جامعة السلطان قابوس، وفي ختام ندوات الأسبوع الثقافي والذي اختتم بالمحور الخامس الذي ضم عنوان "الشباب ودورهم في العملية التنموية" للمتحدث الرئيسي الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة من دولة البحرين والمتحدثان الفرعيان كل من الدكتور سالم بن خميس العريمي من جامعة السلطان قابوس والشاعر هلال العامري مدير عام النشاط الثقافي بالهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية.
ولا شك أن وزارة التراث القومي والثقافة قد قامت بجهد تستحق عليه الشكر والتقدير ولكن ذلك لا يمنع من ابداء بعض الملاحظات منها أن معظم عناوين وموضوعات المحاور كانت بعيدة عن الثقافة المستهدفة من الأسبوع وكان من الأحرى أن تتولاها مؤسساتها التابعة لها، على سبيل المثال (الإعلام ودوره في مواجهة التحديات) و(المؤسسات الاجتماعية ودورها في التنمية) ويحبذ لو كانت هناك محاور تكون أكثر تحديدا وعمقا للأفق الإبداعي بما يؤسس لتقاليد وقيم ثقافية تطبع من خلالها الصورة الحقيقية لتراث وثقافة السلطنة الحافل والمليء بموضوعات لا تنتهي على مدار السنوات بحيث يمكن المضي على هديها في المناسبات الثقافية القادمة كذلك أيضا بالنسبة لزمن الندوات فقد كان في الفترة التي يكون فيها الجميع يمارس نشاطه الوظيفي وحبذا لو كانت هناك دعوات لمن هم معنيين بالثقافة في السلطنة لخلق جوا من المداخلات والمناقشات تثري الجلسات وتفعلها بصورة أكبر واستخراج ناتج شمولي يساعد على تحديد مواضيع الأسابيع القادمة بما أنها ستكون كل عامين واختيار معن لهم دور أساسي وظاهر وهمن لهم نتاج ثقافي أدبي وتاريخي في تقديم أوراق المحاضرات حيث أن بعض هؤلاء المحاضرين لم يكن لهم كتابة ملموسة عن الثقافة. لا شك أن الأسابيع القادمة ستكون أكثر دقة وثراء.
وعلى هامش الندوات وضمن الأنشطة الأساسية للأسبوع الثقافي كانت هناك مسابقات للفنون التشكيلية والمسرح والكتاب العماني الحديث، وقد جرى التنافس في هذه المسابقات بين العديد من الفنانين والفرق المسرحية الأهلية وجرى تحكيم هذه المسابقات من قبل إعلام متخصصة من عمان وخارجها وقد استمتع الجمهور طوال تلك الأيام بالعروض المسرحية بحيث أنه كان هناك عرضين في اليوم الواحد. وفي ختام الأسبوع تم تسليم وسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون لعشرة من العلماء والبحاثة والمثقفين العمانيين كتكريم سامي من جلالة السلطان المعظم بالإضافة إلى جوائز أخرى لمسابقة أفضل إصدار عماني في الشعر والقصة ومسابقة الفنون التشكيلية والتصوير الضوئي.